ذم ما عليه مدعو التصوف من الغناء ، والرقص ، وضرب الدف ، وسماع المزامير ، ورفع
الأصوات المنكرة بما يسمونه ذكراً وتهليلاً بدعوى أنها من أنوع القرب إلى الله
تعالى
الحمد لله وصلى الله على محمد وآله وسلم ..
ما تقول السادة الفقهاء - أحسن الله توفيقهم - فيمن يسمع الدف والشبابة والغناء
ويتواجد (1) ، حتى إنه يرقص . هل يحل ذلك أم لا ؟ مع اعتقاده أنه محب لله ، وأن
سماعه وتواجده ورقصه في الله ؟.
وفي أي حال يحل الضرب بالدف ؟ هل هو مطلق ؟ أو في حالة مخصوصة ؟.
وهل يحل سماع الشعر بالألحان في الأماكن الشريفة ، مثل المساجد وغيرها ؟
أفتونا مأجورين ، رحمكم الله .
قال الشيخ الإمام العالم الأوحد شيخ الإسلام ، موفق الدين ، أبو عبد الله بن
أحمد بن محمد بن قدامـة المقدسي رضي الله عنه : الجواب وبالله التوفيق : أن
فاعل هذا مخطئ ساقط المروءة ، والدائم على هذا الفعل مردود الشهادة في الشرع ،
غير مقبول القول : ومقتضى هذا : أنه لا تقبل روايته لحديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، ولا شهادته برؤية هلال رمضان ، ولا أخباره الدينية . وأما اعتقاده
محبة الله عز وجـل ، فإنه يمكن أن يكون محباً لله سبحانه ، مطيعا له في غير هذا
، ويجوز أن يكون له معامـلة مع الله سبحـانه ، وأعمال صالحة في غير هذا المقام
. وأما هذا فمعصية ولعب ، ذمه الله تعالى ورسوله ، وكرهه أهـل العلم ، وسموه :
بدعة ، ونهوا عن فعله ، ولا يُتقرب إلى الله سبحانه بمعاصيه ، ولا يُطـاع
بارتكاب مناهيـه ، ومن جعل وسيلته الى الله سبحانه معصيته ، كان حظه الطرد
والإبعاد ، ومن اتخذ اللهو واللعب دينا ، كان كمن سعى في الأرض الفساد ، ومن
طلب الوصول إلى الله سبحانه من غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته
فهو بعيد من الوصول إلى المراد .
وقد روى أبو بكر الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول :
" التغبير محـدث " (2) وقال أبو الحارث : سألت أبا عبد الله عن التغبير وقلت :
إنه ترق عليه القلوب . فقال : " هو بدعــة " وروى غيره أنه كرهه ، ونهى عن
إسماعه . وقال الحسن بن عبد العزيز الجروي : سمعت الشافعي محمد بن إدريس يقول :
" تركت بالعراق شيئاً يقال له التغبير ، أحدثته الزنادقة ، يصدون الناس به عن
القرآن " . وقال يزيد بن هارون : " ما يغبر إلا فاسق ، ومتى كان التغبــير ؟ "
. وقال عبد الله بن داود : " أرى أن يضرب صاحب التغبير " . والتغبير : اسم لهذا
السماع ، وقد كرهه الأئمة كما ترى . ولم ينضم إليه هـذه المكروهات من الدفوف
والشبابات ، فكيف به إذا انضمت إليه واتخذوه ديناً؟ فما أشبههم بالذين عابهم
الله تعالى بقوله : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } قيل المكاء
التصفير ، والتصدية : التصفيق . وقال الله سبحانه لنبيه : { وذر الذين اتخذوا
دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا } .
ومن المعـلوم أن الطريق الى الله سبحانه إنما تعلم من جهة الله تعالى بواسطـة
رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تعالى رضيه هادياً ومبيناً ، وبشيراً
ونذيراً ، وأمر باتباعه ، وقرن طاعته بطاعته ، ومعصيته بمعصيته ، وجعل اتباعه
دليلاً على محبته ، فقال سبحانه : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله
ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا
مبيناً } وقال سبحـانه : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر
لكم ذنوبكم } . ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شفيقاً على
أمته ، حريصـاً على هداهم ، رحيماً بهم ، فما ترك طريقة تهدي إلى الصواب إلا
وشرعها لأمته ، ودلهم عليها بفعله وقوله ، وكان أصحابه عليهم السلام من الحرص
على الخير والطاعة ، والمسارعة إلى رضوان الله بحيث لم يتركوا خصـلة من خصال
الخير إلا سابقوا اليها ، فما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من
صحابته انه سلك هذه الطريقة الرديئة ، ولا سهر ليلة في سمـاع يتقرب به إلى الله
سبحانه ، ولا قال : من رقـص فله من الأجر كذا ، ولا قال : الغناء ينبت الإيمان
في القلب ، ولا استمع الشبابة فأصغى إليها وحسنها ؛ أو جعل في استماعها وفعلها
أجراً . وهذا أمر لا يمكن مكابرته ، وإذا صح هذا لزم أن لا يكون قربة إلى الله
سبحانه ، ولا طريقاً موصلا إليه ، ووجب أن يكون من شر الأمور ، لأن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها " وهذا منهـا
.
وقال عليه الصلاة والسلام : " كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " . وقد سمى
الأئمة هذا بدعة بما ذكرناه .
فأمـا تفصيل هذه المسموعات من الدف والشبابة وسماع كل واحد منهما منفرداً : فإن
هذه جميعها من اللعب ، فمن جعلها دأبه ، أو اشتهر بفعلها أو استماعها ، أو
قصدها في مواضعها ، أو قصد من أجلها فهو ساقط المروءة ، ولا تقبل شهادته، ولا
يعد من أهل العدالة ، وكذلك الرقاص . وأغلظها الشبابة ، فإنه قد روي فيها
الحديث الذي يرويه سليمان بن موسى عن نافع قال : كنت مع ابن عمر في طريق فسمـع
صوت زامر يرعى ، فعدل عن الطريق وأدخل إصبعيه فى أذنيه ثم قال : يا نافـع ، هل
تسمع؟ هل تسمع ؟ قلت : نعم ، فمضى ثم قال : يا نافع ، هل تسمع؟ قلت : لا ،
فأخرج يديه من أذنيه ، قال : هكـذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل .
رواه الخلال في " جامعه " عن عوف بن محمد المصـري عن مروان الطاطري عن سعيد بن
عبد العزيز عن سليمان بن موسى . ورواه أيضاً عن عثمان بن صالح الأنطاكي عن
محمود بن خالد عن أبيه عن المطعم بن المقدام عن نافع .
وسئل أحمد عن هذا الحديث ، فقال : يرويه سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر .
وهذا مبالغة من النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه ، لسد أذنيه وعدوله عن
الطريق ولم يكتف بأحدهما عن الآخر . ولأنها من المزامير ، وما بلغنا عن أحد من
العلماء الرخصة في المزمار ، فهي كالطنبور ، بل هي أغلظ ؛ فإنه ورد فيها ما لم
يرد فيه . وأما الغناء فقد اختلف العلماء فيه . وكان أهل المدينة يرخصون فيه ،
وخالفهم كثـير من أهل العلم ، وعابوا قولهم . قال عبد الله بن مسعود : " الغناء
ينبت النفاق في القلب " . وقال مكحول : " من مات وعنده مغنية لم يصل عليه " .
وقال معمر : " لو أن رجلا أخذ بقول أهل المدينة في السماع - يعني الغنا - ،
وإتيان النساء في أدبارهن - وبقول أهل مكة في المتعة والصرف ، وبقول أهل
الكـوفة في المسكر ، كان شر عباد الله " . وسئل مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل
المدينة من الغناء فقاـل : " إنما يفعله عندنا الفساق " ، وكذلك قال إبراهيم بن
المنذر الخزامي . وعلى كل حال فهو مكـروه وليس من شأن أهل الدين . فأما فعله في
المساجد فلا يجوز ، فإن المساجد لم تبن لهذا . ويجب صونها عما هو أدنى منه ،
فكيف بهذا الذي هو شعار الفساق ومنبت النفاق؟! وأما الدف فهو أسهل هذه الخصال .
وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وجاءت الرخصة فيه في غير النكاح
أيضاً . ولا يتبين لي تحريمه إلا أن يكون الضارب به رجلا يتشبه بالنساء ، فيحرم
لما فيه من تشبه الرجال بالنساء . أو يضرب به عند الميت ، فيكون ذلك إظهاراً
للسخط بقضاء الله والمحاربة له ، فأما إن خلا من ذلك فلست أراه حراماً بحال .
وقد كان أصحاب عبد الله بن مسعود يخرقون الدفوف ويشددون فيها ، وذكره أحمد عنهم
ولم يذهب إليه ؛ لأن السنة وردت بالرخصة فيه ، وهي أحق ما اتبع . فقد روي عن
عياض بن غنم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد شهد عيداً بالأنبار -
فقال : ما أراكم تقلسون؟ كانوا يقلسون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يفعلونه . قال يزيد بن هارون : التقليس : ضرب الدف .
وقال أنس بن مالك : مر النبي صلى الله عليه وسلم بجوار من بني نجار وهن يضربن
بدف لهن وهـن يقلن : نحن جوار من بني النجار وحبذا محمد من جار . فقال : " الله
يعلم أني أحبكم " . وروي أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إني نذرت إن
سلمك الله ان أضرب على رأسك بالدف ، فقال : " إن كنت نذرت فافعلي وإلا فلا " أو
كما جاء . وفي الجملة فإنه وإن رخص فيه للاعب ، فإنا نعتقده لعبـاً ولهواً .
فأما من يجعله دينا ، ويجعل استماعه واستماع الغناء قربة وطريقاً إلى الله
سبحانه ، فلا يكاد يوصله ذلك إلا إلى سخط الله ومقته وربما انضم إلى ذلك النظر
إلى النساء المحرمات أو غلام جميل يسلبه دينـه ، ويفتن قلبه ، ويخالف ربه في
قوله سبحانه { وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } فكان دليلاً على تسامحه في
المخالفة لقوله { ويحفظوا فروجهم } ولم يكن ذلك أزكى لهم . ومن ابتلي بمخالفة
أول الآية فليبادر إلى العمل بآخرها { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون
لعلكم تفلحون } .
وقد قال بعض التابعين : " ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار أكثر من
الغلام الأمـرد يقعد إليه . وقال أبو سهل : " سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم
: اللائطون على ثلاثة أصناف : صنف ينظرون ، وصنف يصافحون ، وصنف يعملون ذلك
العمل " . وعن الحسن بن ذكـوان أنه قال : " لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم
صوراً كصور النساء ، وهم أشد فتنة من العذارى " . ولا ينبغي لأحد ان يغتر بنفسه
. أو يثق بما يظن في نفسه من صلابة دينه ، وقوة إيمانه ، فإن من خالف حدود الله
تعالى ونظر إلى ما منعه الشرع من النظر إليه ، نزعت منه العصمة ، ووكل إلى نفسه
، وكيف يغتر عاقل بذلك ، وقد علم ما ابتلي به داود نبي الله عليه السلام ، وهو
أعبد البشر ، ونبي من أنبياء الله تعالى ، يأتيه خير السماء ، وتختلف إليه
الملائكة بالوحي ، ومع ذلك وقع فيما وقع فيه من الذنب بسبب نظرة نظرها . وبعض
عباد بني إسرائيل عبد الله سبعين عاما ثم نظر الى امرأة فافتتن بها . وبرصيصا
العابد ، كان هلاكه بسبب النظـر ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي عليه
السلام : " لا تتبع النظرة النظرة ، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى " . وهو
من سادات هذه الأمة ، ومحله من الدين والعلم والمعرفة بالله تعالى وبحقه وحدوده
وحرماته محله ، فمن أنت ايها المغرور الجاهل بنفسه؟ انظر أين أنت من هؤلاء
المذكورين ، وقد روى أسامة بن زيد قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
ما تركت فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء " وجاء في الأثر : " إن النظرة سهم
مسموم من سهام إبليس " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان
وزناهما النظر " وقال الفضيل بن عياض : " الغناء رقية الزنى " ، فإذا اجتمعت
رقية الزنى وداعيته ورائده فقد استكملت أسبابه . وقد روي عن عمر بن عبد العزيز
انه قال : " إنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف واستماع
الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب الماء " .
ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذي الذهن من الثبوت على
الإيمان مما ينبت النفاق في قلبه ، وهو حين يفارقها لا يعتقد احتواء أذنيه على
شيء مما ينتفع به . فمن أحب النجاة غـدا ، والمصاحبة لأئمة الهدى ، والسلامة من
طريق الردى ، فعليه بكتاب الله فليعمل بما فيه ، وليتبع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وصحابته فلينظر ما كانوا عليه ، فلا يعدوه بقول ولا فعل ، وليجعل
عبادته واجتهاده على سننهم ، وسلوكه في طريقهم ، وهمته في اللحاق بهم ، فإن
طريقهم هو الصراط المستقيم ، الذي علمنا الله سبحانه سؤاله ، وجعل صحة صلاتنا
موقوفة على الدعاء به فقال سبحانه معلما لنا : { اهدنا الصراط المستقيم ، صراط
الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } آمين . فمن شك أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان على الصراط المستقيم فقد مـرق من الدين ، وخـرج من جملة
المسلمين ، ومن علم ذلك ، وصـدق ورضي بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد
نبيا ، وعلم أن الله تعالى قد أمرنا باتباع نبيه بقوله سبحانه : { واتبعوه
لعلكم تهتدون } وغير ذلك من الآيات .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي
، عضوا عليهـا بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل
بدعة ضلالة " وقوله عليه الصلاة والسلام : " خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور
محدثاتها " . فما باله يلتفت عن طريقه يميناً وشمالاً . ينصرف عنها حالاً
فحالاً ويطلب الوصول إلى الله سبحانه من سواهـا ، ويبتغي رضاه فيما عداها .
أتراه يجد أهدى منها سبيلاً ، ويتـبع خيراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم
دليلاً؟ كلا ، لن يجد سوى سبيل الله سبحانه إلا سبيل الشيطان ، ولن يصل من
غيرها إلا إلى سخط الرحمن ، قال الله تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه
ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } . وروي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا مستقيما فقال : " هذا سبيل الله " وخط من
ورائه خطوطا فقال : " هذه سبل الشيطان ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، من
أجابهم اليها قذفوه في النار " أو كما جـاء الخبر .
فأخبر أن ما سوى سبيل الله هي سبل الشيطان ، من سلكها قذف في النار ، وسبيل
الله التي مضى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه والسابقون الأولون
، واتبعهم فيها التابعون بإحسان الى يوم الدين { رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد
لهم جـنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } ، فمن
سلكها سعد ، ومن تركها بعد . وطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأخلاقه
وسيرته ومـا كان عليه في عبادته وأحواله مشهور بين أهل العلم ، ظاهر لمن أحب
الاقتداء به واتباعه ، وسلوك منهجه ، والحق واضح لمن أراد الله هدايته وسلامته
و { من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً }
ثبتنا الله وإياكم على صراطه المستقيم ، وجعلنا وإياكم ممن يبشرهم ربهم برحمة
منه ورضوان وجنـات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر
عظيم .
فيا أيها الآدمي المسكين المخلوق لأمر عظيم ، الذي خُلقت من أجله الجحيم وجنات
النعيم ، إذا أنت أصغيت إلى الملاهي بسمعك ، ونظرت إلى محارم الله ببصرك ،
وأكلت الشبهات بفيك ، وأدخلتـها إلى بطنك ، ورضيت لنفسك برقصك ونقصك ، وأذهبت
أوقاتك العـزيزة في هذه الأحـوال الخسيـسة ، وضيعت عمرك الذي ليست له قيمة ، في
كسب هذه الخصال الذميمة ، وشغلت بدنك المخلوق للعبادة ، بما نهى الله عنه عباده
، وجلست مجالس البطالين ، وعملت أعمال الفاسقين والجاهلين ، فسوف تعلـم إذا
انكشف الغطاء ، ونزل القضاء ، ماذا يحل بك من الندم يوم ترى منازل السابقين ،
وأجور العاملين ، وأنت مع المخلفين المفرطين ، معدود في جملة المبطلين الغافلين
، قد زلت بك القدم ، ونزل بك الالم ، واشـتد بك الندم ، فيومئذ لا يُرحم من بكى
، ولا يُسمع من شكى ، ولا يقال من ندم ، ولا ينجو من عذاب الله إلا من رحم . .
أيقظنا الله وإياكم من سنة الغفلة ، واستعملنا وإياكم لما خلقنا له برحمته
والحمد لله وحده ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
تمت الفتيا
(الشبكة الإسلامية)
----------------
هوامش :
(1) الدف : اطار خشبي ، مشدود عليه من وجه واحد جلد رقيق . فإذا شد عليه من
الوجهين ، فهو الطبل . الشبانة المزمار من قصب ، وكإنها سميت بذلك لأنها تشب
شهوة النفس ، أي تثيرها . والتواجد : التمايل من الطرب . واستماعه بمعنى الوجود
في المكان من الاغلاط الشائعة - هذه الأيام - ولا وجه لها ويغني عنها لفظ
الموجود .
(2) المغبرة : قوم يغبرون بذكر الله ، أي يهللون ويرددون الصوت بالقراءة ونحوها
، سموا بذلك لأنهـم يرغبون الناس في الغابرة أي الباقية - في زعمهم - والحق أن
الترغيب بالآخرة بما جاء عن الله ورسوله من الوعظ والإرشاد والرقائق المباحة .