مشاهير علماء نجد وغيرهم - عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ (2)

الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف
هو الإمام العالم الجليل مفتي الديار النجدية ومحيي الآثار السلفية، علامة نجد وزعيمها الإسلامي في زمنه الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
ولد هذا العالم الشهير في مدينة الهفوف بالإحساء سنة ألف ومائتين وخمس وستين ونشأ أول ما نشأ بها عند جده لأمه الشيخ عبد الله1 بن أحمد الوهيبي وقرأ القرآن حتى حفظه نظرا وعن ظهر قلب ثم أتى به والده العلامة الشيخ عبد اللطيف من الاحساء إلى الرياض وهو في الرابعة عشرة من عمره فمكث عند والده وقرأ عليه في التوحيد والفقه والحديث والتفسير وعلى جده الشيخ عبد الرحمن بن حسن وذلك في آخر ولاية فيصل ابن الإمام تركي بن عبد الله ثم توفي والده الشيخ عبد اللطيف سنة ألف ومائتين وثلاث وتسعين فاستوحش لفقده فسافر إلى الأفلاج وأقام بها ثلاث سنوات قرأ في خلالها على الشيخ حمد ابن عتيق ثم عاد إلى وطنه وكان قبل رحلته إلى الأفلاج قد مهر في التوحيد والفقه والحديث والتفسير فنبه قدره واشتهر ذكره بالكرم والعلم ورجاحة العقل فجلس في داره لتدريس العلم وضربت إليه آباط الإبل وتوافد إليه الطلاب من جميع آفاق نجد للأخذ عنه والقراءة عليه فصار يعطف على جميع الوافدين إليه من الطلاب وغيرهم من أهل العلم ويواسيهم ويبالغ في إكرامهم ويحثهم على التمسك بأهداب الإسلام والدين ويحضهم على إخلاص النية وإصلاح العمل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1من وهبة تميم ومن الأسر التي نزحت من نجد إلى الاحساء ولهم بقية بالإحساء وبقية بنجد.

 

ص -101-

والقيام بواجب الدعوة ونشر العلم والتوحيد، فوضع الله له القبول في النفوس وألقى عليه المهابة والوقار وصار مسموع الكلمة نافذ الأمر عند ولاة الأمور وغيرهم من الخاصة والعامة حتى ان الأمير محمد العبد الله الرشيد لما حاصر1 مدينة الرياض وضيق عليها الخناق سنة 1306هـ خرج إليه مع الأمير محمد ابن الإمام فيصل وجلاله الملك عبد العزيز2 ابن الإمام عبد الرحمن يفاوضونه في ترك الحرب ورفع الحصار عن الرياض أجابهم إلى ذلك وتخلى عن الحرب ورجع من حيث أتى.
وبعد ذلك استمر الشيخ عبد الله على حالته المذكور من بث العلم وتعليمه وكان يعتمد في معيشته وكرمه الحاتمي على الله ثم على الحرث من الزراعة والنخل وما يصله به الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني حاكم قطر –رحمه الله-0 وبينما الشيخ مستمر وجاد في تعليم العلم ونشره وبث دعوة التوحيد السلفية عن طريق التدريس والمراسلات والنصائح لأهل نجد فوجئ بإعادة محمد بن عبد الله بن رشيد الكرة على مدينة الرياض ومحاصرتها والاستيلاء عليها نهائياً وعلى جميع بلدان نجد وذلك سنة 1308هـ "ألف وثلاثمائة وثمان من الهجرة" فعند ذلك رغب الأمير محمد بن عبد الله الرشيد إلى الشيخ في الشخوص إلى مدينة حائل مقر حكمه للانتفاع به في نشر العلم فلم يسع الشيخ إلا طاعة هذا الأمير المتغلب فسافر إلى حائل يصحبه بعض رجال من حاشية الأمير محمد بن رشيد فوصلها واستقر فيها وأقام بها حولا كاملا معززا محترما وجلس طيلة هذه المدة يدرس العلم فأخذ عنه علم العقائد والتوحيد والحديث والتفسير غالب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حاصرها بسبب ثورة الإمام عبد الرحمن ابن الإمام فيصل على أمير الرياض لابن رشيد سالم بن علي بن سبهان.
2 كان عمر جلالة الملك عبد العزيز لا يزيد على ثلاث عشرة سنة وقد أعجب الأمير محمد العبد الله الرشيد ذلك اليوم بفصاحة الملم عبد العزيز وجرأته –رحم الله- الملك عبد العزيز.

 

ص -102-

علماء حائل ولازموه ملازمة تامة لا سيما علماء لبدة1 وبعد ذلك أنعم عليه الأمير محمد بن عبد الله الرشيد بالهبات وأعاده إلى وطنه مكرما سنة 1309ه فاستمر في نشر العلم وبث الدعوة وإكرام العاني والوافد فكانت داره2 الواسعة المعروفة "بحي دخنة بالرياض" عامرة بقراءة كتب الحديث والفقه والتوحيد والتفسير فتخرج به أفواج من العلماء شغلوا مناصب القضاء وقاموا بواجب الدعوة إلى الله والإرشاد وتدريس العلم وعندما جاء الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مجيئه الأول لفتح الرياض عام الصريف سنة 1318ه وتحصنت حامية ابن رشيد وعلى رأسهم أميرهم عبد الرحمن بن ضبعان في قصر المصمك المعروف بالرياض دخل معهم الشيخ القصر. ولما فك عبد العزيز الحصار عن القصر والحامية ورجع رحمه الله من حيث أتى خرج الشيخ عبد الله من القصر واستمر في مواصلة نشر العلم وتدريسه ولما تم لجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود الاستيلاء على مدينة الرياض في الخامس من شهر شوال 1319ه بايعه الشيخ عبد الله واصفاه الود ومحضه الإخلاص والنصح، وصاهره الملك عبد العزيز فالشيخ عبد الله هو جد صاحب الجلالة الملك فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود لأمه وقد عاش الشيخ –رحمه الله- عشرين عاما في ولاية الملك عبد العزيز قضاها في نشر العلم والدعوة إلى الله فتخرج عليه في هذه الحقبة المذكورة خلق كثير نذكر من مشاهيرهم وفضلائهم من يأتي:
علامة نجد في زمنه الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها في حياته –رحمه الله-

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لبدة محلة من محلات مدينة حائل.
2 هدمت دار الشيخ عبد الله منذ سنوات في مشروع توسعة الشوارع وبقي منها بقية محاطة بسور توحي إلى المجتاز ببيت الشاعر:

قفا نسأل الدار التي خف أهلها

متى عهدها بالبر والحسنات


 أو بقوله:

منازل آل حماد بن ريد

على أهليك والنعم السلام

 

 

ص -103-

والشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين آل الشيخ والشيخ محمد بن عثمان الشاوي والشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف مدير المعاهد والكليات في حياته –رحمه الله-.
والشيخ العلامة عمر بن الشيخ حسن آل الشيخ رئيس هيئات الأمر بالمعروف بالمنطقة الوسطى والشرقية.
وسماحة الشيخ عبد الله ابن الشيخ حسن رئيس القضاة في حياته –رحمه الله-.
والشيخ عبد العزيز بن صالح بن مرشد والشيخ عبد الرحمن بن سالم الدوسري، والشيخ سالم الحناكي، والشيخ محمد الحناكي وحمد بن محمد بن موسى والشيخ عبد الله بن محمد بن حمد بن دخل الناصري التميمي  من أهل بلدة المذنب بالقصيم والشيخ الزاهد الورع عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن مفدى "فدا" من علماء مدينة بريدة بالقصيم والشيخ حمد بن مزيد قاضي قبة سابقاً والشيخ عبد الله بن خلف بن راشد بن خلف من قبيلة آل خلف المعروفة بمدينة حائل.
والشيخ عثمان بن حمد آل مضيان من أهل بريدة والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري قاضي مقاطعة سدير بنجد في حياته –رحمه الله-. والشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري "أبو حبيب" والشيخ عبد الرحمن بن محمد بن مبارك تولى إمارة الدرعية وقضاءها.
والشيخ عبد الرحمن بن محمد بن داود قاضي بلدة الخرمة في حياته –رحمه الله-.
والشيخعبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي القحطاني جامع الرسائل والمسائل النجدية وجامع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ عبد العزيز بن عبد الله النمر والشيخ سليمان بن عبد الرحمن العمري قاضي المدينة ونقل منها إلى قضاء الإحساء وتوفي بها –رحمه الله- وفوزان السابق والشيخ عبد العزيز بن حمد بن عتيق.

 

ص -104-

والشيخ حمود الحسين1 الشغدلي من علماء حائل وعبد الله بن سليمان السياري والشيخ عبد الله بن حمد الدوسري والشيخ عبد الرحمن بن عودان وناصر بن سعود بن عيسى والشيخ عبد الله بن رشيدان والشيخ فالح بن عثمان الصغير والشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك وخلق لا يحصون كثرة.
 مؤلفاته:
 ألف –رحمه الله- رسائل كثيرة2 في أغراض متعددة لو أفردت وجمعت على حدة بلغت مجلدا ولكنها طبعت مفرقة على أجزاء مجاميع الرسائل والمسائل النجدية ضمن رسائل أئمة الدعوة وهذه المجاميع طبعت أولا بمطبعة المنار بمصر ثم بمطبعة أم القرى بمكة ثم طبعت بعنوان الدرر السنية في الأجوبة النجدية بمطابع بيروت وبمطابع بيروت وبمطابع الرياض بواسطة دار الإفتاء على نفقة الملك فيصل آل سعود أيده الله.
وكان الشيخ –رحمه الله- مهيبا وقوراً غيوراً على حرمات الإسلام والدين آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم، على سيرة علماء السلف الصالح وسمتهم  وما كانوا عليه من الهداية والدين. وكان يصلي بالناس الجمعة ويخطب بهم في المسجد الجامع الكبير ويصلي بهم الأعياد وكان خطيباً مؤثراً حسن القراءة والصوت تبكي خطبته السامعين وتؤثر فيهم تأثيراً بالغا، وكان بينه وبين الشيخ قاسم يحترمه ويجله ويراسله. وكان الملك عبد العزيز يأتي إليه في داره ويحضر دروسه ولا يخرج عن رأيه ومشورته في جميع مسائل العلم والدين، فكان الشيخ –رحمه الله- مرجع قضاة نجد في زمنه ومرجع أهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 توفي الشيخ حمود الحسين الشغدلي عام 1391ه –رحمه الله- وكان قدم على الشيخ المترجم عبد الله سنة 1316 بالرياض وأخذ عنه العلم.
2 منها رسالة الإتباع وحضر الغلو في الدين والابتداع وغيرها من رسائله المطبوعة ضمن رسائل علماء دعوة التوحيد المسماة بالرسائل والمسائل النجدية.

 

ص -105-

الحسبة من الآمرين بالمعروف والمرشدين، وقد أقبلت بوادي الأعراب من أهل نجد في زمنه –رحمه الله- على الدين وقراءة القرآن، وتعلم واجبات الإسلام وسكنوا الهجر وسموا بالإخوان والفضل بعد الله في هدايتهم وجمع كلمتهم يرجع إلى اهتمام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بأمور الدين ثم إلى إخلاص الشيخ عبد الله وحسن اختياره للدعاة والمرشدين من أهل العلم الذين وكل إليه جلالة الملك عبد العزيز آل سعود –رحمه الله- أمر اختيارهم وابتعاثهم إلى بوادي الأعراب.
كرم الشيخ وجوده:
كان الشيخ مع ما يتصف به من الاتزان وحصافة الرأي والإخلاص في الدعوة جوادا كريماً جلب إليه جوده وحسن أخلاقه محبة الناس وإجلالهم، فشاع له الذكر الجميل1 وتبارى علماء زمنه من أهل نجد وأدباؤهم في الثناء عليه ومدحه وحسبنا أن نورد نموذجاً من قصائد علماء نجد في الثناء عليه.
هذه القصيدة التالية للشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى أحد علماء الوشم بنجد:

صحا القلب عن ذكر الحمى والأخاشب

وعن ندب أطلال عفت بالذئاب

وأقلعت عن شوق ووجد بزينب

وان تيمت قلبي بزج الحواجب

وأبدلت عن وصف اللوى وظبائه

حسان الوجوه الناعمات الكواعب

بمدح أمام الدين والحق والهدى

إلا ذاك "عبد الله"فرع الأطايب

هو العالم النحرير والماجد الذي

سمى مجده اوج النجوم الثواقب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وترجم للشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف صاحب كتاب فرقة الإخوان الإسلامية بنجد محمد مغيربى فتيح ولكنها ترجمة مملوءة مع الأسف بالتحريف في تأريخ حياة الشيخ واسم والده وتبعه على بعض أخطائه الأستاذ خير الدين الزركلي في ترجمته للشيخ عبد الله في كتاب العلام ج4 ص 277 ثم استدرك على نفسه وأصلح جميع ما وقع فيه من الأخطاء في مصورة الأعلام الجزء المذكور

 

ص -106-

هو العلم الفرد الذي سار ذكره

بكل القرى من شرقها والمغارب

حليف التقى والعلم والحلم والنهى

حميد السجايا الشم جم المناقب

شقيق الندى عف الإزار أخو الثنا

رحيب الفنا جزل الحبا والمواهب

كريم المحيا باسم متهلل

ثمال لمعتر وكنز لراغب

ضياء علوم ان دجى ليل مشكل

وغيث سماح هاطل بالرغائب

فصيح بليغ متقن متفنن

همام له في الفضل أعلى المراتب

لقد نال من نهج البلاغة رتبة

يقصر عنها كل ساعٍ وراكب

اذا قام يوماً فوق أعواد منبر

خطيباً فيالله من وعظ خاطب

مهيب عليه للوقار سكينة

حباه بها الرحمن أكرم واهب

إليه لأخذ العلم من كل بلدة

يشد رجال القوم نجب الركائب

فيلقون حبرا في العلوم مهذبا

يجلي بشمس العلم ليل الغياهب

يحل الذي أعيا ويكشف ما خفي

يفكر كعضب للإصابة صائب

ص -107-

يجيب على الفتيا جوابا مسددا

يزيح بها الإشكال عن فكر طالب

فيالك من شهم اذا قال لك يدع

مقالاً لأرباب العلا والمناصب

هو الندب وضاح الجبين كأنما

أنامله مخلوقة من سحائب

أشم عصامي من النفر الألى

فضائلهم لم يحصها عد حاسب

مقاول من عليا تميم توارثوا

كرم المساعي عن جدود مناجب

ولم يزل الشيخ موضع الإجلال والتقدير والإعجاب من الولاة والعلماء فمن دونهم من الخاصة والعامة إلى أن انتقل إلى رحمة الله يوم الجمعة في العشرين من شهر ربيع الأول سنة ألف وثلاثمائة وتسع وثلاثين عن خمس وسبعين سنة قضى معظمها في نشر العلم وبث الدعوة وصلى عليه الناس بالمسجد الجامع الكبير بالرياض وكانوا جمعاً غفيراً وحملت جنازته على الأعناق وغصت الأسواق بالمشيعين وخرج معه إلى المقبرة خلق كثير على رأسهم جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وقبروه في مقبرة العود بجوار والده الشيخ عبد اللطيف وجده الشيخ عبد الرحمن بن حسن -رحمهم الله- جميعاً وغفر لهم.
وقد وجم الناس لموته1 وحزنوا عليه حزناً شديداً ورثاه الشعراء والعلماء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أنجب الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف أربعة أبناء هم عبد الملك وعبد اللطيف ومحمد وصالح فأما عبد الملك فكان شهما شجاعاً كريماً فاضلا قتل في وقعة البكيرية التي حصلت بين الملك عبد العزيز وعبد العزيز بن متعب بن رشيد عام 1322 وكان غازياً مع الملك عبد العزيز وأما صالح=

 

ص -108-

منهم علامة نجد في زمنه الشيخ محمد بن إبراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف رثاه –رحمه الله بقصيدة مطولة تبلغ جملة أبياتها خمسة وخمسين بيتاً ومطلعها:

لقد كسفت شمس العلى والمفاخر

وقد أصاب أهل الدين إحدى الفواقر

ورثاه الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف بقصيدة طويلة مطلعها:

على الحبر بحر العلم زاكي المناقب

بكينا عليه بالدموع السواكب

إلى ان قال:

هو الشيخ عبد الله ذو الجود والتقى

وذو الحلم والإحسان صافي المشارب

ورثاه الشيخ ناصر بن سعود بن عيسى بقصيدة طويلة مطلعها:

قضى الإله الذي فوق السموات

ان البرية تفني بالمنيات

نعى النعاة لنا شيخ الوجود قريع الدهر شمس الهدى عالي السجيات
ورثاه سماحة الشيخ عمر بن الشيخ حسن بقصيدة مؤثرة طويلة، ورثاه محمد بن عبد الله بن بلهيد بقصيدتين مؤثرتين لا يحضرني مطلعاهما، ورثاه شاعر نجد في زمنه الشيخ محمد بن عبد الله بن عثيمين المتوفى سنة 1363هـ بهذه القصيدة الميمية المؤثرة فقال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=فتوفي شابا قبل وفاة والده وأما عبد اللطيف فهو والدي وكان جوادا كريما له معرفة تامة بالأنساب وفيه صراحة متناهية توفي –رحمه الله- بمدينة الرياض عام 1374 آخر شهر شعبان وأما محمد فهو صاحب كرم وله حظوة وجاه عند الملوك والولاة وعاش في غنى وسعة توفي آخر شعبان بمكة المكرمة عام1386هـ وخلف ثلاثة أبناء وله أحفاد هم عبد العزيز وتوفي سنة 1392، وعبد الله وعبد الرحمن، رحم الله العم محمد بن المترجم الشيخ عبد الله وغفر له فإنه كان من الأجواد المحسنين، -رحمه الله- وغفر له.

 

ص -109-

لمثل ذا الخطب فلتبك العيون دما

فما يماثله خطب وان عظما

اودى الإمام واودى العلم يتبعه

والفضل والجود بعد شيخه انصرما

كانت مصائبنا من قبله جللا

فالآن جب سنام الدين وانهدما

سقى ثرى حله شيخ الهدى سحب

من واسع العفو يهمي وبلها ديما

شيخ مضى طاهر الأخلاق متبعا

طريقة المصطفى بالله معتصما

بحر من العلم قد فاضت جداوله

لكنه سائغ في ذوق من طمعا

تنشق أصدافه في البحث عن درر

تهدي إلى الحق مفهوما وملتزما

فكم قواعد فقه قد أبان وكم

اشاد رسما من العليا قد انثلما

نعى إلينا العلى والبر مصرعه

والعلم والفضل والإحسان والكرما

هذي الخصال التي كانت تفضله

على الرجال فأضحى فيهم علما

فليت شعري من للمشكلات اذا

ما حل منها عويص يبهم الفهما

وللعلوم التي تخفي غوامضها

على الفحول من الأحبار والعلما

ص -110-

من للأرامل والأيتام ان كلحت

غبر السنين وأبدت ناجذا خذما

فقل لمن غره في دهره مهل

فضل يمري بحال الصحة النعما

لا تستطل غفوة الأيام ان لها

وشك انتباه يري موجودها عدما

أما ترى الشيخ عبد الله كيف مضى

وكان عقدا نفيسا يفضل القيما

عشنا به حقبة في غبطة فأتى

عليه ما قد أتى عادا أخا ارما

وقبله اختلست ساما وإخوته

أيدي المنون وأفنت بعدهم أمما

لهفي عليه ولهف المسلمين معي

لو ان لهفا شفى من لاهف سدما

ولهف مدرسة بالعلم يعمرها

ومسجد كان فيه ينثر الحكما

فالله ينزله عفوا ويرحمه

فانه جل قدرا ارحم الرحما

ثم الصلاة على من في مصيبته

لنا العزاء اذا ما حادث عظما

محمد خير مبعوث وشيعته

وصحبه ما أضاء البرق مبتسما

ص -111-

آخرها رحم الله الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف وغفر له فإن له في قلوب جميع أهل نجد منزلة عظيمة لا تسمو إليها أي منزلة ولا أدل على ذلك من بقاء ذكره بالجميل والثناء جاريا على ألسنتهم رغم مرور نيف ونصف قرن من الزمن على وفاته وهذا يرجع إلى ما اتصف به من العلم والعمل وكرم الخلق والجود والتواضع الجم والإنصاف وصيانة العلم -رحمه الله- وأسكنه فسيح جنانه انه سميع مجيب وصلى الله على محمد وآله وسلم.

 

ص -112-

الشيخ حسن بن حسين
هو العالم الورع الفاضل التقي الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ علي ابن الشيخ حسين ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ولد بمدينة الرياض سنة ست وستين ومائتين وألف من الهجرة ونشأ بها وقرأ القرآن حتى حفظه نظرا وعن ظهر قلب ثم شرع في قراءة العلم على الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وابنه العلامة الشيخ عبد اللطيف والشيخ عبد الرحمن بن عدوان. تولى قضاء الأفلاج في أيام محمد العبد الله الرشيد ثم نقله من الأفلاج إلى بلدة المجمعة عاصمة سدير فصار قاضيا لها ولكافة بلدان سدير ثم ولاه القضاء في مدينة الرياض.
تلامذته:
أخذ عنه العلم عدد كثير منهم:
ابناه الشيخ عبد الله، والشيخ عمر.
والشيخ محمد بن عبد اللطيف والشيخ عبد الرحمن بن سالم.
والشيخ إبراهيم السياري والشيخ أحمد أبو حسين .
والشيخ محمد بن حميد وغير هؤلاء خلق كثير.
مؤلفاته:
له عدة رسائل في مجموع الرسائل والمسائل النجدية.

 

ص -113-

وفاته:
توفي -رحمه الله- بمدينة الرياض عام 1341 في ذي القعدة وصلي عليه بعد العصر في جامع الرياض الكبير وأم الناس بالصلاة عليه الشيخ حمد بن فارس وشيعه خلق كثير من الأعيان والعلماء ودفن في مقبرة العود وخلف أربعة أبناء الشيخ حسين توفي في حياة والده ببلدة عجمان والشيخ عبد الله رئيس القضاة في حياته -رحمه الله- والشيخ عمر رئيس هيئات الأمر بالمعروف بالمنطقة الوسطى والشرقية والشيخ عبد الرحمن إمام القصر1 -رحم الله الشيخ حسناً وجميع علماء المسلمين وعامتهم وعفا عنهم انه سميع مجيب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القصر هو قصر الحكم بمدينة الرياض.

 

ص -114-

الشيخ عمر ابن الشيخ عبد اللطيف
هو الشيخ الفاضل عمر ابن الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. ولد بمدينة الرياض سنة ألف ومائتين وأربع وثمانين من الهجرة ونشأ بها وحفظ القرآن نظرا وعن ظهر قلب ثم شرع في قراءة العلم على أخيه الأكبر الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف، ولما استولى جلالة الملك الراحل عبد العزيز آل سعود على مدينة الرياض سنة 1319هـ وأخذ في توحيد الجزيرة وتخليص بلدانها من المغتصبين غزا معه عدة غزوات ولما توفي أخوه العلامة الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف سنة 1339هـ ولاه الملك عبد العزيز خطابة جامع الرياض الكبير وصلاة العيدين خلفاً لأخيه الشيخ عبد الله واستمر في خطابة الجامع وصلاة العيدين إلى ان أسن وضعف جسمه وكان -يرحمه الله- كريما وصولا للرحم فيه صراحة صارمة وحسن نية وطيبة قلب.
توفي سنة ألف وثلاثمائة وخمس وستين من الهجرة بمدينة الرياض وصلي عليه بمسجد الجامع الكبير وقبر بمقابر العود وخلف أربعة أبناء هم: عبد الرحمن1، وعبد الله، وعبد اللطيف، وعبد الملك.غفر الله له وأسكنه فسيح جنته انه سميع مجيب وصلى الله على محمد وآله وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عبد الرحمن توفي فيما بعد –رحمه الله.

 

ص -115-

الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ عبد اللطيف
هو الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. ولد بمدينة الرياض سنة 1288ه وتوفي والده الشيخ عبد اللطيف سنة 1293ه فكفله أخوه الشيخ عبد العزيز ابن الشيخ عبد اللطيف ولما بلغ السابعة من عمره أدخله عند مقرئ يدعى عبد الرحمن بن مفيريج فحفظ القرآن ثم شرع في قراءة العلم على أخيه العلامة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وعلى الشيخ محمد بن محمود وعلى الشيخ حمد بن فارس ثم عين قاضياً لهجرة ساجر الهجرة المعروفة في السر بنجد عند سكانها الروقة ثم عين في هجرة عروى سنة 1342ه لدى أميرها جهجاه بن حميد، وصحب الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في دخوله مكة المكرمة سنة 1343ه وفي سنة 1350ه عين قاضياً للخرج إلى سنة 1357ه حيث استعفى من القضاء وأقام بمدينة الرياض وخطب بالمسجد الجامع الكبير نحو سنة وتوفي -رحمه الله- سنة 1366ه بمدينة الرياض وخلف أربعة أبناء هم الشيخ عبد الله والشيخ عبد العزيز ومحمد وحسن، رحمه الله وعفا عنه وبارك في ذرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجعلهم نصرة لدينه انه سميع مجيب.

 

ص -116-

الشيخ محمد ابن الشيخ عبد اللطيف
هو العالم الجليل الشيخ محمد ابن الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن ابن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. ولد بمدينة الرياض سنة 1282هـ، ونشأ بها وقرأ القرآن في حياة والده الشيخ عبد اللطيف، ثم اشتغل بالقراءة في العلم على أخيه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف والشيخ محمد بن محمود وغيرهما من علماء وقته، وقد تقلب في عدة وظائف دينية منها قضاء مدينة شقراء وبعثه الملك عبد العزيز سنة 1339هـ إلى عسير وغامد وزهران لبث الدعوة إلى الله سبحانه وكتب رسالة في ذلك وتولى القضاء في الرياض وجلس في داره لطلاب العلم يقرأون عليه. وقد جمع مكتبة عظيمة أكثرها مخطوطات آلت بعده إلى ولده عبد الرحمن وسافر إلى مصر عام 1358ه لعلاج عينيه. ترجم له خير الدين الزركلي في الأعلام وتوفي –رحمه الله- بمدينة الرياض يوم الأحد ثاني جمادى الآخرة سنة 1367هـ وخلف ثلاثة أبناء هم: عبد الرحمن وعبد الله1 وإبراهيم وقد رثاه الشيخ صالح بن سليمان بن سحمان بقصيدة طويلة مطلعها:

زين الورى جد في الترحال وقالا

وطودها الجبل الراسي لها زالا

-رحم الله- الشيخ محمد ابن الشيخ عبد اللطيف وغفر له وعفا عنه فقد كان جواداً كريماً وصلى الله على محمد وآله وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 توفي ابنه عبد الله بعد وفاته بخمس سنوات وخلف عدة أبناء منهم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبد اللطيف والشيخ عبد العزيز المذكور هو خطيب الجامع الكبير بمدينة الرياض تولى الخطابة بعد وفاة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله-.

 

ص -117-

الشيخ صالح بن عبد العزيز
هو العالم الورع التقي الفاضل الشيخ صالح بن عبد العزيز ابن الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ حسين ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
مولده:
ولد ببلدة السلمية1 من بلدان الخرج بنجد عام 1287ه وتوفي والده وهو في السابعة من عمره، فانتقل مع والدته إلى مدينة الرياض مقر أخواله وعشيرته فنشأ في كفالة ابن عمه الشيخ حسن2 وقرأ عليه القرآن حتى ختمه نظرا وعن ظهر قلب وقرأ عليه مبادئ العلوم ومختصرات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ولما بلغ سن الرشد تزوج واستقل بنفسه وأخذ بأسباب البيع والشراء فمنحه الله التوفيق ووسع له في الرزق ولم يصده ذلك عن تعلم العلم النافع ومواصلة الطلب بل صار له خير حافز ومعين.
مشائخه:
شرع في القراءة على الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف في العقائد والحديث والتفسير، وقرأ عليه منهاج السنة لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ولد بهذه البلدة لأن جده الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ حسين كان يشغل منصب القضاء في الخرج للإمام تركي ثم لابنه الإمام فيصل.
2 هو الشيخ حسن ابن الشيخ حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ حسين ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تزوج والدة المترجم له الشيخ صالح بن عبد العزيز بعد وفاة زوجها عبد العزيز فنشأ المترجم له الشيخ صالح في كفالته حتى بلغ سن الرشد ثم استقل بنفسه كما أشرنا في الكلام أعلاه.

 

ص -118-

تسميعا من أوله إلى آخره ولازمه ملازمة تامة، وقرأ على الشيخ عبد الله الخرجي والشيخ حمد بن فارس في الفرائض وقرأ في الفقه على الشيخ الفقيه محمد بن محمود. وكان -رحمه الله- مهاباً قوي البنية فيه حمية دينية ووطنية صادقة.
لما استولى الملك عبد العزيز على مدينة الرياض سنة 1319هـ وقضى على حامية ابن رشيد وأمر ببناء سور مدينة الرياض وتحصينها عن العدو بأسرع ما يمكن قام المترجم ببناء قسم كبير من السور بيده وأجرة العمال الذين يساعدونه في البناء على حسابه ثم أخذ بعد ذلك يغزو غزوات عديدة مع الملك عبد العزيز آخرها غزوة جراب1 وقد جرح في تلك الغزوة وأبلى فيها بلاء عظيما.
توليه قضاء الرياض:
وفي سنة 1337هـ ولاه الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله-  قضاء مدينة الرياض وقراها للحضر وعين قبله لقضاء البوادي الشيخ سعد بن حمد ابن عتيق، وبعد وفاة الشيخ سعد بن حمد بن عتيق ضم إليه الملك قضاء البادية فصار يقضي بين البادية والحاضرة وكان -رحمه الله- مثال القاضي النزيه العادل في أحكامه واستمر في وظيفة القضاء المذكورة إلى سنة 1352هـ حيث أصيب بألم شديد في رأسه وعينيه استعفى بسببه عن القضاء فأعفاه الملك عبد العزيز -رحمه الله- وألح عليه الملك في السفر إلى مصر لعلاج رأسه وعينيه فسافر إلى مصر على نفقة الملك عبد العزيز سنة 1354هـ ومكث بها نحو أربعين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جراب منهل معروف في شمال جبل مجزل قرب إقليم سدير بنجد ذكره الهمداني في صفة جزيرة العرب ص 128 وأورد عليه هذا البيت:

سقى الله أمواهاً عرفت مكانها

جراباً وملكوماً وبذر والغمرا

وذكره البكري:
وجراب حدثت فيه وقعة بين الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وبين سعود بن عبد العزيز ابن رشيد عام 1333هـ.

 

ص -119-

يوماً تحت العلاج ثم رجع بدون جدوى، ولازمه هذا الألم الشديد نحو مدة عشرين سنة.
تدريسه وتلامذته:
كان –يرحمه الله- في حال صحته وعافيته إماما يصلي بالناس الفروض الخمسة في مسجده الذي يقع في الجهة الشرقية الشمالية "بحي دخنة"1 ويعرف باسم مسجد ابن شلوان2 فإذا صلى الظهر جلس بهذا المسجد لطلبة العلم يقرأون عليه في زاد المستنقع وغيره من كتب العلم إلى قريب العصر فأخذ عنه العلم عدد كثير اعرف منهم ابنه الشيخ محمدا والشيخ عبد العزيز بن سوداء.
وفاته:
تمكن منه المرض الذي ذكرناه آنفا وألزمه الفراش مدة خمس سنوات وتوفي آخر شعبان سنة 1372هـ بمدينة الرياض عن عمر بلغ خمسا وثمانين سنة وحزن عليه الخلق وصلى عليه الناس بالمسجد الجامع الكبير وحمل على أكتاف المشيعين إلى مقبرة العود ودفن بها وخلف ستة أبناء هم: عبد الله3 والشيخ محمد، وحسين، والشيخ إبراهيم4 وعبد المحسن، وأحمد.
رحم الله فقيد العلم والورع الشيخ صالح بن عبد العزيز وغفر له وأسكنه فسيح جناته انه سميع مجيب وصلى الله على محمد وآله وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهذه محلة من محلات مدينة الرياض.
2 نسبة إلى أمامه الأول عبد العزيز بن شلوان أحد قضاة الرياض زمن الإمام فبصل.
3 توفي ابنه عبد الله عام 1384ه تقريباً -رحمه الله-.
4 ابنه الشيخ إبراهيم ابن الشيخ صالح جامعي ويشغل الآن وظيفة مدير إدارة دار الإفتاء العام.

 

ص -120-

الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ
هو صاحب السماحة العلامة الفاضل الجليل الشيخ عبد الله ابن الشيخ حسن ابن الشيخ حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ حسين ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رئيس القضاة في حياته -رحمه الله-.
ولد هذا العالم الشهير ببلدة الرياض في اليوم الثاني عشر من محرم الحرام سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين من الهجرة، ونشأ في أحضان والده الشيخ حسن فقرأ القرآن حتى حفظه وعمره عشر سنوات، ثم حفظه غيباً عن ظهر قلب وشرع بعد ذلك في القراءة وطلب العلم فأخذ العلم عن علماء أجلاء منهم والده علامة زمانه الشيخ حسن ابن الشيخ حسين والشيخ العلامة الجليل عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف والشيخ إسحاق ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن والشيخ محمد بن محمود والشيخ العلامة حمد بن فارس أخذ عنه علم النحو وأخذ عن الشيخ عبد الله بن راشد بن جلعود العنزي علم الفرائض وقرأ على الشيخ العالم الجليل سعد بن حمد بن عتيق في الفقه ومصطلح الحديث  وأسماء الرجال والتفسير وأجازه الشيخ سعد فيما تجوز له روايته من كتب الحديث والتفسير وأخذ علم التجويد عن الشيخ علي بن داود تلميذ الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن.
وعين في أول حياته إماما لمسجد الإمام عبد الرحمن بن فيصل المشهور بمسجد الديوانية وذلك سنة 1323ه واستمر يصلي به إلى سنة 1337ه ثم تركه وذلك أن الملك عبد العزيز احتاج إلى علماء يمتازون بالمعرفة والعلم وطيب

 

ص -121-

الأخلاق ورحابة الصدر فاختار عدة علماء من أهل نجد وأمرهم بالذهاب إلى الهجر عند رؤساء العشائر والبوادي المعروفين بالإخوان وذلك لبث الدعوة الصحيحة فيهم على المنهج السوي الموافق للكتاب والسنة وتعليمهم واجبات الإسلام وتحذيرهم من الزيادة والغلو في الدين.
وكانت هجرة الارطاوية التي يرأسها فيصل بن سلطان الدويش رئيس عشائر مطير من أهم تلك الهجر وأكبرها حيث كان يسكنها في ذلك الوقت ما يربو على عشرين ألفاً من المجاهدين، فلم يجد الملك عبد العزيز من يصلح لها إلا الشيخ عبد الله بن حسن فأمره الملك بالذهاب إليها فذهب الشيخ إلى هذه الهجرة المعروفة بالارطاوية وأقام بها سنة وبضعة أشهر، ثم طلبه الملك فرجع إلى الرياض وقد خلف بهذه الهجرة المذكورة أثراً طيباً وذكراً حميداً حيث صار له بين الإخوان المقيمين بها طاعة وإجلال وشهرة بالتقى والعلم والصلاح تربو على الحد والتصور، فلقد أحبه الإخوان المقيمون بتلك الهجرة وودوا لو أقام بينهم مدة حياته فطلبوا من الملك عبد العزيز إبقاء الشيخ عندهم وألحوا في الطلب، ولكن احتياج الملك للشيخ حال بينهم وبين تحقيق رغبتهم لدى الملك، فقد عينه جلالة الملك عبد العزيز قاضياً للجيوش مع جلالته -رحمه الله- فباشر ذلك وغزا مع الملك غزوات كثيرة وحضر معه مدينة حائل سنة 1340ه.
ولما جهز جلالة الملك عبد العزيز ابنه جلالة الملك فيصل لتأديب المتمردين في عسير والخارجين عن طاعة الملك عبد العزيز من آل عائض وغيرهم انتدب الملك عبد العزيز الشيخ عبد الله واختاره مرافقا لابنه فيصل وقاضيا للجيش وذلك في شهر شوال آخر سنة 1340ه فكان فيصل حفظه الله يحترم الشيخ عبد الله ويعمل بمشورته. وقد تم لفيصل النصر على المتمردين والعصاة واستولى على عسير وأمر فيها أحد رجاله سعد بن عفيصان من أهل الخرج وأبقى معه خمسمائة من الجند وعاد فيصل ومعه الشيخ عبد الله إلى والده في الرياض في شهر جمادى الثانية ظافرا منتصراً.

 

ص -122-

ولما استولت جيوش الملك عبد العزيز على الطائف ومكة المكرمة سنة 1343ه وسار جلالة الملك عبد العزيز من نجد إلى مكة صحب معه الشيخ عبد الله قاضياً لجيشه فحضر معه الشيخ حصار جدة إلى أن تم تسليمها، فعينه جلالة الملك عبد العزيز إماما وخطيباً للمسجد الحرام فشغل هذا المنصب واستمر فيه إلى أن صدرت الإرادة السنية من الملك عبد العزيز بتعيينه رئيساً للقضاة بالحجاز وذلك سنة 1346ه ثم أسند إليه الملك زيادة على ذلك الأشراف على الحرمين والمدرسين فيهما وأسند إليه وظائف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وملاحظة المساجد والإشراف عليها واختيار الأئمة وتعيينهم وتوزيع الكتب المطبوعة على نفقة الملك عبد العزيز على المستحقين من طلاب العلم والمعرفة.
وأسند إليه مع هذا مهمة اختيار الوعاظ والمرشدين وبعثهم إلى القرى والبوادي لإرشادهم وتعليمهم واجبات الإسلام وأمور الدين، فقام -رحمه الله تعالى- بأعباء كل ما أسند إليه خير قيام.
وكان إلى جانب كل ما ذكرناه من الأعمال قائما بنشر العلم وتدريسه في الرياض ثم في الحجاز، فقد أخذ عنه العلم في نجد وفي الحجاز خلق  لا يحصون نذكر من فضلائهم في هذه الترجمة المقتضبة أخوه العلامة الشيخ عمر ابن الشيخ حسن، والشيخ العلامة محمد بت عثمان الشاوي، والشيخ فالح بن عثمان الصغير، والشيخ عبد الرحمن بن داود، والشيخ عبد الرحمن بن عقلا، والشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري الملقب بأبي حبيب، والشيخ عبد العزيز بن سوداء، وعلي بن زيد، وإبراهيم بن حسين. هؤلاء قرأوا عليه العلم في نجد وأخذ عنه العلم بالحجاز عدد كثير نذكر من فضلائهم محمد عبد الظاهر أبا السمح أمام الحرم المكي قرأ عليه في رد عثمان بن سعيد الدارمي وسمع  عليه قراءات كثيرة في التوحيد والحديث والتفسير، وقرأ عليه الشيخ سليمان أباظة الأزهري فتح المجيد من أوله إلى آخره، وقرأ عليه الشيخ علي بن محمد الهندي

 

ص -123-

كتبا كثيرة وأمر عليه مجموع الرسائل والمسائل النجدية جمع ابن قاسم من أوله إلى آخره وكان هذا المجموع أربع مجلدات كبار أخذ المذكور في قراءتها على الشيخ نحو ثلاث سنوات، وقرأ عليه ابنه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله في الفقه والتوحيد وكتاب تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان ابن الشيخ عبد الله وكان الكتاب ذلك اليوم مخطوطاً غير مطبوع وقد طبع فيما بعد، وقرأ عليه ابنه الشيخ محمد القرآن الكريم وقواعد التجويد ومؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وقرأ عليه ابنه معالي الشيخ حسن وزير المعارف في هذا العهد السعيد مبادئ العلوم وختم عليه القرآن الكريم عدة مرات وبالجملة فقد كانت داره الرحيبة المطلة على الحرم الشريف والمعروفة بالداوودية1 عامرة بالقراءات ينتابها رواد العلم وطلاب المعرفة يتزودون من العلوم والفنون.
وقد كان الشيخ –رحمه الله- من خيرة البقية الباقية من علماء دعوة التوحيد والدين وقورا مهيبا أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان على سمت علماء السلف الصالح وهديهم بعيدا عن مفاتن الحياة والتهالك على الدنيا، مثابرا على أعمال البر والخير وواجبات العلم والدين وقائماً بكل ما وكل إليه من أمور المسلمين على الطريقة السوية والوجه الأكمل إلى أن توفاه الله في يوم السبت سابع رجب الساعة الثانية ليلا سنة 1378هـ عن واحد وتسعين عاما أمضاها في نشر العلم وبث الدعوة وخدمة الإسلام ونصرة الدين، وقد وجم الناس لموته -رحمه الله- وحزنوا عليه حزنا شديدا وصلوا عليه بالمسجد الحرام وحضر الصلاة عليه سعود بن عبد العزيز وشيعه إلى المقبرة وخرج الناس والأعيان والرؤساء معه، فدفن بمقابر العدل بمكة المكرمة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 دخلت مع رباط الداوودية في توسعة مشروع الحرم سنة 1380ه تقريباً.

تتخلف الآثار عن أربابها

حيناً ويدركها الفناء فتتبع

-رحم الله- الشيخ عبد الله فانه كان من العلماء العاملين والأجواد المحسنين.

 

ص -124-

وقد رثاه –رحمه الله- العلماء ورجال الفضل والأدباء نثرا ونظماً وذلك على صفحات الصحف المحلية وحسبنا أن نشير في هذه الترجمة الموجزة إلى بعض من رثاه وهم أخوه العلامة الشيخ عمر بن حسن وابنه معالي الشيخ حسن والشيخ صالح جمال والشيخ عبد الله خياط أحد أئمة الحرم وخطبائه والأستاذ أحمد عبد الغفور عطار والشيخ عبد الله البسام قاضي المستعجلة الثالثة بمكة المكرمة1 والأستاذ مصطفى حسين عطار مدير التعليم بمكة المكرمة والشيخ محمد عبد الرحيم قاضي مستعجلة المدينة والشيخ علي بن محمد الهندي والشيخ سعيد بن عبد العزيز بن جندول ومحرر هذه الترجمة عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ وعبد العزيز عبد الرحمن آل الشيخ والشيخ عمر عبد الجبار2. هؤلاء المذكورون رثوه نثراً وقد رثاه شعرا أديب الحجاز وشاعرها الكبير الشيخ أحمد بن إبراهيم الغزاوي نائب رئيس مجلس الشورى بمكة المكرمة والشيخ محمد بن عبد العزيز بن هليل المستشار الشرعي لديوان المظالم والشيخ عبد الله بن محمد بن خميس الكاتب الشهير والأستاذ محمد بن مقحم -رحمه الله- لأنه توفي بعد ذلك ورثاه غير من أوردنا أسماءهم خلق كثير وحسبنا أن نذكر في هذه الترجمة المقتضية مرثية ابنه معالي الشيخ حسن ونعقبها بذكر مرثية الشيخ أحمد بن إبراهيم الغزاوي:
كلمة الشيخ حسن عن والده:
هم يريدون مني أن أتحدث عن والدي والحيرة والتردد يسيطران على مشاعري وأحس إحساساً غريباً لا أستطيع تصويره، يتملك جوانحي وكيف أتحدث عنه والفجيعة بفقده أخرست الألسن وهول رحيله أدمى القلوب.؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نقل الشيخ عبد الله البسام بعد ذلك إلى رئاسة محكمة الطائف ثم نقل منها إلى عضوية هيئة التمييز بالمنطقة الغربية بمكة المكرمة وفضيلته من خيرة رجال العلم والقضاء.
2 توفي الشيخ عبد الجبار بعد ذلك صباح السبت سادس عشر محرم عام ألف وثلاثمائة وأحد وتسعين من الهجرة وكانت ولادته سنة 1320 ه بمكة -رحمه الله وعفا عنه وغفر له-.

 

ص -125-

نعم، كيف أستطيع الحديث عنه وأنا لم أجد في موته أبلغ من الصمت الحزين عليه؟! إنها مهمة صعبة وقاسية تلك التي أحاول أن أدفع بنفسي أو يحاول من أحب أن يدفع بي إليها.
 وأنا وبياني العاجز وقلمي المتعثر مجموعة لا أطن أنها مستطيعة أن تبلغ شأواً ولو كان قصيراً في هذا الميدان ولكني أجدها مناسبة كريمة أن أفتتح هذه الرسالة التي جمعت مشاعر الوفاء والنبل مما شاء إخوة كرام أن يشاركونا به في مصابنا الجلل ولهم شكرنا ومن الله الأجر والمثوبة.
وانا –حينما أحاول أن أقدم هذه الرسالة- أجد الجرح الذي أوجده فراقه الأليم –على غوره- لم يندمل وأحس الحزن على مصابنا فيه -على عمقه- لم يتوار ولكن لا نقول إلا كما الصابرون {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} واعتقد أن من الصعوبة بمكان أن أتحدث عن شخصية والدي –رحمه الله- لأنها شخصية متعددة الجوانب ولكن لا أجد ضيراً إذا استعرضت ما يحضرني من صفاته وأقواله ان كنت لست بمستطيع في هذه العجلة أن أكتب كما أريد.
كان -رحمه الله- حريصا كل الحرص على تعاليم دينه، وعلى فضائل الأخلاق وكان صارما في الخير وقويا في التوجيه يتعهدنا بالنصائح الجامعة والمواعظ البالغة ويقول:
" إياكم والدنيا والحرص عليها فقليلها يكفي المرء كساء وقوتا ولا تطلبوها بإضعاف دينكم" كان يغضب لو أقيمت الصلاة ثم وجد أحد أفراد حاشيته يؤدي بعض الفوائت ويقول "ان من يتهاون في ركعة قد يؤول به الحال إلى فقدان الاهتمام بأدائها جماعة لفي أول وقتها اذا حان وقت الأذان" كانت الصلاة شغله الشاغل حتى يؤديها غفر الله له ورضي عنه.
كان حريصا على إتباع السنة في كل قول وفعل يكره أشد ما يكره التساهل في مندوب أو مستحب ويقول: احرصوا عليهما لأنهما سياج يحمي الواجب الذي يتحتم القيام به. يحب في الله ويبغض فيه لم يكن حبه ولا بغضه لدينا أو

 

ص -126-

جاه أو شرف. كثير العطف على الفقراء والمساكين يؤنسهم بحديثه ويقبل عليهم بوجهه حتى أن أحدهم يقبل عليه وهو يرتجف هيبة ووقارا ثم يتحدث إليه برفق وبساطة حتى يعيد إليه هدوءه وانسه متواضع لا يعرف الكبر ولا العجب سبيلا إلى نفسه وقلبه، يكره التفريط في الوقت وإضاعته، كنت لا أراه إلا ممسكا بكتاب يقرؤه قراءة الباحث المنقب.
ولما ضعف بصره استبدل بقراءته قارئا يصحبه أينما كان وكثيرا ما تشرفت بالقراءة عليه كان لا يدع القراءة إلا ليعود إليها وبين المغرب والعشاء تكون داره أشبه بندوة علمية يحضرها طلبة العلم وكلهم ممسك بكتابه واحدهم يقرأ حتى يرتفع صوت المؤذن يدعو لصلاة العشاء ويقول: "عليكم بالدأب على قراءة النافع من الكتب فهي أفضل ما أنفقتم أوقاتكم فيه "كان حريصا على صلة الرحم وكم تحمل في سبيل ذلك من الأذى وكان يلقي الجحود والنكران وكنا نشفق عليه من سماع ما يوجه إليه ولكنه يخلف ظنوننا ويتلقى كل ذلك بهدوء المؤمن الصابر ويقول: "هذا لا يضرني" واذا بلغ به ما سمعه كان يقول: هداهم الله ولقد سمعته ومعي غيري يقول: من نعمة الله على أنني لم أحدث نفسي يوما بالانتقام لهل وقد عودني ربي أن يدافع عني وكان مرافقوه شديدي الدهشة على هذه المواقف الكريمة التي كان يقفها ممن يريد الإساءة إليه اذ كان يقابل إساءتهم بالصفح والتجاوز فعاش سليم الصدر لم يبت ليلة حاقدا على أحد ولم ير غاضباً لنفسه بل لم يكن يغضب إلا اذا تناهى إلى مسامعه انتهاك حرمات الله أو مجاهرة بمنكر أو الإقدام على معصية انه حينذاك يثور ولا يهدأ حتى ينتصر لحدود الله مهما كان معتديها. فعلمنا دروسا كريمة نبيلة قال لي يوما –ويده اليمنى يتخلل بأصابعها لحيته البيضاء- طيب الله ثراه- قال: اسمع يا بني لا تحاول يوما ان تنتصر لنفسك فانك ان كنت على حق فسيدافع الله عنك وان لم تكن عليه فليكن حديثهم عنك دافعا لك إلى العودة إلى الحق الذي لا أرتضي لك مجاوزته. وقال لي يوما: أوصيك بصلة رحمك فصلتها خير لك في دنياك وآخرتك. وكثيرا ما استشهد بالأحاديث النبوية

 

ص -127-

التي تحث على صلة الرحم ويردد قول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه "ليس الواصل بالمكافئ" لقد أوذي في حياته ممن هم دونه ولكنه صمد صابرا صافحا مسامحا وعاش حياته كذلك، ثم خرج منها سليم الصدر رفيع المكانة لم يستطع إنسان أن ينال من مكانته وقدره محبوبا مرهوب الجانب لأنه كان صادقا فيما يقول ويفعل. فأجمع الناس -بحمد الله- على محبته.
وكان لا يزداد كل يوم إلا عزة ورفعة وكان كثيرا ما يردد: أخشى أن يكون ما أنا فيه استدراج من الله لي فأنا كل يوم في نعمة جديدة. ثم تختلج الكلمات بين شفتيه وهو يكاد يبكي كانت مجالسة عامرة بذكر الله والحث على التواصي بالخير والزهد في الدنيا والتقليل من شأنها والتحسر على ما وصلت إليه حالة المسلمين اليوم من فقدان الموالاة في الله والمعاداة فيه. وكان يروي وقائع في هذا المجال تكاد تكون مستحيلة الوقوع لبعد حاضرنا عنها. كان يعلمنا الإخلاص في العمل ويقول: أخلصوا في أداء ما أنيط بكم من أعمال تفوزوا برضاء الله تعالى وحسن توفيقه. إنكم مسؤولون عن أعمالكم فراقبوا الله في أدائها على النحو الذي يرضيه ان ما يعطى لكم من هذا المال كمرتب لقاء أعمالكم لا تستحلوه حتى تقوموا بها كاملة ترضي الله.
واشتد به مرضه وكان يتنقل على الكرسي ذي العجلات الأربع ويقول: لماذا لا أذهب لعملي؟! والأطباء يؤكدون ضرورة راحته وعرض ما يراد عرضه عليه في فراشه وهو يقول: هذا مستحيل لا بد من القيام بعملي وكيف يحل لي تركه وأنا أستطيعه؟ وكانت تقوم محاولات عنيفة تنتهي غالبا بهزيمتنا ونصائح الأطباء أمام عزيمته القوية وينقل إلى مقر عمله وهو يحمل آثار المرض رضي الله عنه وأرضاه.
وكان يحمل على الدنيا ويقلل من شأنها ويحذر من الاغترار بها وينحي باللائمة على من يكنزون أموالهم ويقول: لا تنفعهم فهي وبال عليهم في الدنيا والآخرة.وقال لأكثر من واحد من جلسائه: انه يتضايق اذا علم بوجود نقود تفيض عن حاجته لديه.

 

ص -128-

يرحمه الله... كان نادر المثيل وكانت فجيعتنا بفقده أكبر من الوصف وأجل من التصوير ولئن رزئنا بفقده فإن أهدافه الكريمة وخلائقه الفاضلة ستظل بإذن الله هدفنا ورائدنا.
ولقد مات راضي النفس قرير العين يلهج بذكر الله وينادي وهو في أشد حالات المرض من حوله ويقول: هل صلينا؟.. اذا حضرت الصلاة فأعلموني....
كانت هذه كلماته حتى قبيل موته بساعات ولست أزكيه على ربه ولكن أستعرض ما أشرت إليه ليوقظ في نفوسنا الشعور بالعلاقة المتينة التي تربط المسلم بربه والتي يجب أن تظل قوية الأصل متينة الجذور.. رحمه الله رحمة واسعة وأسبغ عليه شآبيب رحمته ورضوانه وجزاه عنا خير جزاء وأفضله وشمل تقصيره وقصور عمله بعفوه الشامل ورحمته الواسعة ولا حرمنا أجره ولا فتنا بعده... انه جواد كريم.
وقال الشيخ أحمد بن إبراهيم الغزاوي يرثي سماحة المترجم له الشيخ عبد الله بن حسن هذه القصيدة المؤثرة البليغة:

ما للعيون بمائها تتحجر

وقلوبنا بالحزن فيه تفجر

حبر من الرحمن يفجع نعيه

كانت به التقوى تعز وتفخر

من خير آل الشيخ من أعلامهم

وجميعهم بالباقيات مؤزر

لله عمر في الجهاد قضيته

يزهو به التوحيد وهو يكبر

كافحت فيه عن الشريعة مؤمنا

وأمرت بالمعروف حيث المنكر

وجعلت دأبك دعوة الصدق التي

لا يمتري فيها ولا هي تكفر

خلق كأنفاس الربيع مدرع

بالعلم وهو عن الرسالة يصدر

ما كنت إلا كوكبا متوقدا

وبك الجوامع كلها تتنور

قبل الآذان إلى الصلاة مبادرا

والليل داج والرياح تزمجر

ص -129-

في خشية لله دون جمالها

ما ضمت الدنيا وما هي تؤثر

والحق أنك في خشوعك آية

ويقينك الحصن الذي لا يقهر

تسعى إلى الصلوات في أوقاتها

دلجا وتنذر بالهدى وتبشر

تلقاء بيت الله بين حطيمه

عند المقام مكانك المتخير

كم كنت تدعو للمهيمن هاديا

ومذكرا وكم انتضاك  المنبر

وكم اقتدى بك عالم ومعلم

ومهلل ومحلق ومقصر

وكم الحجيج أفاض من عرفاته

حججا وأنت خطيبه المتوقر

هيهات يجحد فضلك القمر الذي

تشدو به شتى البلاد وتجهر

ما كنت إلا من مصابيح الهدى

ولك المواقف والعوارف تشهر

تفنى العصور وأنت فيها خالد

بالصالحات وبالمحامد تذكر

مهما استفاض الشعر فيك مراثيا

فهو المقصر والمقارب يؤجر

ورجاؤنا في الله أنك عنده

ممن رضوا عنه وفيه استبشروا

والموت حق والحياة مراحل

وبنوك دين الله فيهم ينصر

ولنا العزاء بهم وهم في شملهم

لك قرة وبنورهم نتبصر

يا حافظا لله وهو مودع

ومطيعه والكائنات تفطر

لك في جنان الخلد ما تجزى به

ولنا بمن خلقت كنز يبهر

وقد أنجب الشيخ عبد الله بن الشيخ خمسة أبناء هم الشيخ محمد مدير الشؤون الدينية بالمنطقة الغربية, ومعالي الشيخ عبد العزيز وزير المعارف سابقا وخطيب الحرم المكي حاضرا، ومعالي الشيخ حسن وزير المعارف في هذا العهد المبارك السعيد، وقد عرف معالي الشيخ حسن آل الشيخ بكتاباته الإسلامية ومحاربته البدع ومناصرة الإسلام والدين. وكتاب "دورنا في الكفاح" الذي ألفه معاليه بعض من كفاحه ونضاله الدائب عن الإسلام وحرمات الدين، وقد عرف معالي الشيخ حسن زيادة على هذا بتشجيعه لرجال التأليف والإنتاج

ص -130-

من العلماء والأدباء المخلصين لدعوة الإسلام والدين حيثما كانوا.
حفظ الله معاليه وأسبغ عليه نهمه ظاهرة وباطنة.
وقد خلف الشيخ عبد الله غير هؤلاء الأبناء الثلاثة  ابنين هما: إبراهيم وأحمد -رحم الله- الشيخ عبد الله وأسكنه فسيح جنته ورضي عنه وأرضاه والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله وسلم.

 

ص -131-

الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم
هو الفاضل الذكي الشيخ عبد اللطيف ابن إبراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب. ولد بمدينة الرياض عام 1315هـ ونشأ بها وقرأ القرآن نظرا، ثم شرع في قراءة العلم على عمه الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف وعلى الشيخ حمد بن فارس وعلى الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، وقرأ الفرائض على الشيخ الفرضي عبد الله بن راشد بن جلعود العنزي وتبحر في هذا الفن وشارك في غيره من العلوم.
جلس لطلاب العلم بعد صلاة المغرب في الفرائض وجلس لهم بعد صلاة الفجر في الأجرومية في النحو وتولى إدارة المعهد العلمي عند افتتاحه سنة 1370هـ ثم صار مديرا عاما للمعاهد والكليات ثم نائبا لأخيه الشيخ محمد رئيس الكليات والمعاهد العلمية.
له معرفة بالعروض ويقرض الشعر، له قصيدة طويلة رثاء في عمه الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وله قصيدة طويلة تبلغ مائتي بيت رد بها على قصيدة صبحي الحلبي مطلعها:

صحي القلب عن ذكر الحسان الكواعب

وعن مدح بيض فاحمات الذوائب

ووصف لآرام نعمن بوجرة

وندب لاطلال عفت بالسباسب

وكان إلى جانب ما يقوم به من الأعمال والتدريس يجلس في داره من بعد صلاة الظهر إلى قريب أذان العصر وكاتبه عن يمينه يكتب بين الناس وثائق

 

ص -132-

البيع والشراء في العقارات من الدور والأراضي والنخيل وقد طبع على نفقته كتاب "رفع الايهام والاضطراب عن آي الكتاب" للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، كما طبع الرد1 الجهمية تأليف عثمان2 بن سعيد الدارمي الشافعي المتوفى سنة 280هـ.
جزاه الله خيرا، توفي في ثالث شوال عام 1386هـ بمدينة الرياض وحزن عليه الناس وصلي عليه بجامع الرياض الكبير ودفن بمقبرة العود وخلف ابنين هما: عبد الله ومحمد. -رحمه الله- وغفر له وأسكنه فسيح جنته، انه لسميع مجيب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) طبع في مطابع منشورات المكتب الإسلامي ببيروت.
2) هو عثمان بن سعيد الدرامي الذي له رد على بشر المريسي واسمه بالكامل عثمان بن سعيد ابن خالد الدارمي السجستاني محدث هراة وصاحب كتاب النقض علي بشر المريسي الذي طبع بعنوان "رد الإمام عثمان بن سعيد علي بشر المريسي العنيد" وذلك بطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر عام 1358هـ على نفقة محمد حامد الفقي –رحمه الله-.

 

ص -133-

الشيخ محمد بن إبراهيم
هو العلامة الجليل الأصولي المحدث الفقيه الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها في حياته –رحمه الله-.
مولده:
ولد في مدينة الرياض في السابع عشر من شهر محرم سنة ألف وثلاثمائة وإحدى عشرة من الهجرة ونشأ في كنف والده الشيخ إبراهيم ولما بلغ الثامنة من عمره أدخله مدرسة تحفيط القرآن عند مقرئ يدعى عبد الرحمن بن مفيريج فختم القرآن نظرا وهو في الحادية عشرة من عمره وطرأ عليه العمى وهو في الرابعة عشرة من عمره فأعاد قراءة القرآن مرة أخرى عن ظهر قلب حتى ختمه وحفظه تاما ثم شرع في قراءة العلم في مختصرات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومبادئ النحو والفرائض على والده1 الشيخ إبراهيم ثم شرع في القراءة على عمه الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف في كتاب التوحيد ثم في العقيدة الواسطية والحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية وقرأ عليه في أصول التفسير والحديث وقرأ على الشيخ سعد ابن الشيخ حمد بن عتيق في الفقه ومصطلح الحديث ولازمه ملازمة تامة وقرأ على الشيخ حمد بن فارس في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) كان والده اذ ذاك قاضيا لمدينة الرياض وتوفي عام 1329هـ انظر ترجمته في أول هذا الكتاب.

 

ص -134-

الألفية وغيرها من المؤلفات النحوية وقرأ عليه في الفقه وقرأ على الشيخ عبد الله بن راشد بن جلعود العنزي نزيل مدينة الرياض آنذاك في الفرائض ولم يزل مجدا في طلب العلم إلى أن توفي عمه الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف سنة 1339هـ فعينه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود خلفا لعمه1 في الفتيا وإمامة المسجد والتدريس فصار يؤم الناس الفروض الخمسة في مسجد عمه المشهور بمسجد الشيخ "بحي دخنة"2  ويجلس فيه لطلبة العلم يقرأون عليه في مختلف العلوم وفي سنة 1345هـ  أرسله جلالة الملك عبد العزيز آل سعود إلى أهل الغطغط لما غلوا في الدين وشددوا فيه تشديدا ينافي الشرع فمكث عندهم ستة شهور يبين لهم معاني الكتاب والسنة وعبارات رسائل علماء دعوة التوحيد السلفية ويحذرهم من الغلو ومجاوزة الأمور المحظورة ثم رجع إلى الرياض واستمر في نشر العلم وتعليمه.
طريقة تدريسه وأوقات جلوسه:
فكان –رحمه الله- إذا صلى الفجر جلس في المسجد يقرأ عليه صغار الطلبة في الآجرومية في النحو، وبعدهم يقرأ عليه متوسطو الطلبة في القطر لابن هشام في النحو، وبعدهم يقرأ عليه كبار الطلبة في ألفية ابن مالك وشرح ابن عقيل، فإذا انتهوا من قراءة النحو في الألفية والشرح قرأوا عليه في الفقه في "متن زاد المستنفع" غيبا، فإذا قرأ آخرهم وسكت أخذ الشيخ في إعادة ما قرأوه من المتن من حفظه وشرع يتكلم على العبارات ويوضح معاني الكلمات فإذا انتهى شرع أحد الطلاب في قراءة شرح الزاد المسمى "الروض المربع شرح زاد المستنفع" قراءة ترتيل يقف عند كل فقرة وجملة والشيخ يعلق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كان عمه الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف في مرض موته أوصى الملك عبد العزيز ابن عبد الرحمن آل سعود به خيرا وأخبره بكفاءته العلمية والدينية بموجب ذلك يصلح أن يكون خليفة بعده في إمامة المسجد والتدريس وحل المشكلات لإلى غير ذلك -رحم الله الجميع وغفر لهم وجمع بينهم في دار كرامته انه سميع مجيب.
2  دخنة محلة من محلات الرياض.

 

ص -135-

على عبارات الشارح وجمله بكلام يوضح المعنى ويزيح الإشكال، ويصور المسائل تصويرا ملموسا يقرب المعاني الفقهية إلى أذهان الطلبة ويقرر قواعدها في نفوسهم لأنه -رحمه الله- آخذ بناصية علم الفقه ومتبحر فيه تبحراً عظيما، فإذا انتهى من تقريره على الفقه شرعوا في القراءة عليه في بلوغ المرام، فإذا أشارت الساعة إلى الواحدة نهاراً انصرف إلى داره وجلس فيها فإذا حالت الساعة الثالثة جاءه كبار الطلبة وخواصهم وقرأوا عليه إلى الساعة الخامسة نهاراً ثم انصرفوا فإذا أذن الظهر خرج وصلى بالناس في المسجد وجاء أهل المطولات وقرأوا عليه في مختلف الكتب بجامع الترمذي وصحيح البخاري وزاد المعاد في هدي خير العباد، فإذا انتهوا قرأ عليه بعض الطلبة في بعض المتون العلمية غيبا مثل كتاب التوحيد والعقيدة الواسطية، فإذا أذن العصر خرج إلى داره وجدد الوضوء ثم رجع وصلى بالناس العصر وجلس في المسجد يقرأ عليه أحد أعيان الطلبة في بعض الردود، فإذا انتهى قرأ عليه جملة من الطلبة في مصطلح الحديث، فإذا انتهوا قرأوا عليه في العقيدة الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية، فإذا بقي على أذان المغرب مقدار نصف ساعة خرج إلى داره، فإذا أذن المغرب جاء وصلى بالناس ثم جلس في المسجد للطلبة يقرأون عليه علم الفرائض والمواريث، فإذا ختم أذان العشاء قام من حلقة درس الفرائض إلى الصف الأول ثم أمر القارئ فشرع يقرأ عليه في تفسير ابن كثير إلى الساعة الثانية والنصف فيأمر بإقامة صلاة العشاء، فإذا أقيمت وصلى بالناس تنفل وأوتر وخرج إلى داره وهي قريبة من مسجده واستمر على هذا الترتيب في الدروس بهذه الصفة من عام 1339هـ إلى عام 1380هـ حيث ترك جميع الدروس ماعدا درس الفقه وبلوغ المرام فإنه لم يترك الجلوس لهما بعد صلاة الفجر إلى أن حبسه المرض.
وقد تخرج على يديه أفواج من العلماء كثيرون شغلوا مناصب القضاء والتدريس والدعوة إلى الله والإرشاد، وحسبنا أن نشير إلى البعض منهم إشارة موجزة في هذه الترجمة المقتضية على النحو الآتي:

 

ص -136-

1- الشيخ العلامة الجليل عبد الله بن محمد بن حُمَيد، الرئيس العام للإشراف الديني بالمسجد الحرام.
2- الشيخ عبد العزيز بن باز، رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
3- الشيخ عبد الله بن يوسف الوابل نزيل أبها في هذا الوقت.
4- شيخنا الشيخ عبد الله بن سليمان المسعري رئيس ديوان المظالم.
5- شيخنا الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن رشيد رئيس هيئة التمييز بالمنطقة الشرقية.
6- الشيخ عبد الملك بن إبراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف شقيق المترجم رئيس هيئات الأمر بالمعروف بالمنطقة الغربية.
7- الشيخ عبد العزيز ابن الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ.
8- الشيخ صالح1 ابن الشيخ عبد العزيز بن محمد آل الشيخ.
9- الشيخ عبد الرحمن بن فارس أحد قضاة الرياض حاليا.
10- الشيخ عبد الرحمن بن سعد من بلد ملهم المعروفة بنجد.
11- الشيخ إبراهيم بن سليمان من آل مبارك أهل بلدة حريملاء تولى قضاء الحرمة والأفلاج وتوفي رحمه الله.
12- الشيخ محمد بن عبد العزيز ابن الشيخ حمد بن عتيق توفي -رحمه الله-.
13- الشيخ عبد الله بن عمر بن دهيش رئيس محكمة مكة المكرمة سابقا.
14- الشيخ سليمان بن عبيد السلمي رئيس محكمة حاليا.
15- الشيخ عبد العزيز بن عجلان من بلدة نعام المعروفة.
16- الشيخ محمد بن مسلم آل عثيمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 توفي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد عام 1363ه –رحمه الله-، وهو شقيق عبد الرحمن بن عبد العزيز رئيس هيئة الأمر بالمعروف بالطائف.

 

ص -137-

17- الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن فريّان1 من أهل مدينة الرياض الأقدمين.
18- وابنه2 الشيخ إبراهيم ابن الشيخ محمد بن إبراهيم نائب المفتي الأكبر.
19- وابنه الشيخ عبد العزيز ابن الشيخ محمد بن إبراهيم مدير المعاهد والكليات.
20- الشيخ راشد بن صالح بن خنين.
21- الشيخ سعود بن رشود رئيس محكمة الرياض في حياته -رحمه الله-.
22- الشيخ ناصر الحناكي.
23- الشيخ سعد بن غرير.
24- الشيخ سعد بن محمد بن فيصل آل مبارك من آل مبارك من أهل بلدة حريملاء.
25- الشيخ محمد بن مهيزع. أحد قضاة الرياض حاليا.
26- الشيخ عبد الله بن بكر توفي -رحمه الله-.
27- محمد السيحباني.
28- صالح السيحباني.
29- حسن بن مانع.
30- إبراهيم بن نغيمش.
31- زيد بن فياض.
32- محمد ابن الشيخ عبد الرحمن بن قاسم.
33- عبد العزيز بن محمد بن صالح بن شلهوب.
34- أحمد بن قاسم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الشيخ ابن فريان: من بني هاجر.
2  الضمير في قولنا وابنه عائد إلى المترجم له الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم.

 

ص -138-

وقرأ عليه غير هؤلاء خلق كثير1 لا يحضرني ذكرهم ولا معرفة أسمائهم.
مؤلفاته:
ألف مؤلفات وكتب رسائل كثيرة وله فتاوى تبلغ مجلدات جمعها ورتبها الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم جامع "فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" وله فتاوى غير ما جمعه ابن قاسم تبلغ عدة مجلدات لا تزال محفوظة في ملفات دار الإفتاء بمدينة الرياض. وبلغني أن النية متجهة إلى ترتيبها وتحقيقها وتبويبها والقيام بطبعها، وله مجموعة حديث في الأحكام رتبها على أبواب الفقه لا تزال محفوظة في ملفاتها، وله معرفة بالعروض ويقرض الشعر على طرقة العلماء له مرثية في عمه الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف تبلغ أبياتها خمس وخمسين بيتا، ومطلعها:

على الشيخ عبد الله بدر المحافل

نريق كصوب الغاديات الهواطل

وله أربعة أبيات رثاء في الشيخ عمر بن سليم.
سنوردها في ترجمة الشيخ عمر بن سليم -إن شاء الله-.
وظائفه وأعماله التي قام بها:
استمر في إمامة مسجد عمه الشيخ عبد الله المعروف بمسجد الشيخ وتدريس الطلاب فيه من عام 1339هـ إلى قبيل وفاته. وفي عام 1373هـ أنشئت دار الإفتاء والإشراف على الشؤون الدينية تحت رئاسة سماحته، وفي عام 1376هـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وكان –يرحمه الله- لا يدع طالب العلم المبتدئ يقرأ عليه في الفقه والمطولات حتى يقرأ عليه في مختصرات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وهي شروط الصلاة وأركانها وأربع القواعد وثلاثة الأصول وكشف الشبهات وآداب المشي إلى الصلاة وكتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، فإذا قرأ عليه هذه المختصرات عن ظهر قلب سمح له في القراءة عليه في مختصر المقنع وغيره من كتب الفقه وفي القراءة في بلوغ المرام وغيره من كتب أحاديث الأحكام وشروحها والروض المربع شرح زاد المستقنع وهذه قاعدته وقاعدة من تقدمه من علماء دعوة التوحيد السلفية -رحمهم الله-.

 

ص -139-

أنشئت رئاسة القضاء تحت رئاسة سماحته في نجد والمنطقة الشرقية والمنطقة الشمالية، وبعد وفاة سماحة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ -رحمه الله- سنة 1378هـ رئيس القضاة بالحجاز والمنطقة الغربية ضمت رئاسة القضاء بالحجاز والمنطقة الغربية إلى سماحة المترجم فصار رئيس قضاة المملكة العربية السعودية عامة.
أعمال سماحته المتعلقة بالمدارس والمعاهد والكليات:
في عام 1369هـ عرض سماحته على جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود فكرة إنشاء معهد علمي بمدينة الرياض، فأمر جلالته -رحمه الله- بإنشاء هذا المعهد وتخصيص مكافآت سخية لطلابه تحت إشراف سماحته، وتم افتتاح هذا المعهد المشار إليه عام 1370هـ وأسند سماحته إدارته إلى شقيقه الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم واختار سماحته عددا وفيرا من تلامذته وألحقهم بالسنة الثالثة من المعهد المذكور نظرا لقراءتهم عليه وتحصيلهم السابق المعادل للسنة المذكورة.
وفي عام 1373هـ أنشئت كلية الشريعة بمدينة الرياض فالتحق بها خريجو المعهد المذكور، وفي عام 1374هـ تحصل سماحته على أمر ملكي يخوله افتتاح فروع لهذا المعهد فأمر سماحته بافتتاح ستة معاهد في كل من بريدة وشقراء والإحساء والمجمعة ومكة المكرمة وسامطة من أعمال جازان، ثم بدأت فروع هذا المعهد تنتشر في جميع أنحاء المملكة1.
وفي عام 1374هـ أنشئت كلية اللغة العربية بمدينة الرياض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وفي عام 1381هـ تم فتح معاهد في كل من المدينة المنورة وحائل وأبها وفي عام 1383هـ افتتح معاهد في كل من الزلفي بنجد. وحوطة بني تميم ومكة المكرمة وبلجرشي بغامد وفي عام 1384هـ تم افتتاح معاهد في كل من جدة والدمام وتبوك. والدلم بالخرج. والأفلاج وفي عام 1385هـ افتتح معاهد في كل من الطائف والرس بنجد وجازان. وعرعر. والحفر ووادي الدواسر ونجران وفي عام 1386هـ افتتح معاهد في كل من الجوف. وبيشة. والبكيرية والباحة=

ص -140-

هذه بعض الأعمال التي كان يقوم بها ويضطلع بأعبائها في حياته، وقد أوردنا ملخصا يتضمن جميع الأعمال المنوطة بسماحته في ملحق خاص وضعناه في آخر هذه الترجمة ليرجع إليه من شاء الاطلاع ومعرفة ما كان ينوء به الفقيد من الأعمال العظيمة التي لا يستطيع القيام بها إلا من كان على مستواه من العلم ورجاحة العقل والاتزان ومعرفة موارد الأمور ومصادرها.
وفاته رحمه الله:
توفي ظهر يوم الأربعاء في الرابع والعشرين من شهر رمضان سنة ألف وثلاثمائة وتسع وثمانين عن عمر بلغ ثمان وسبعين سنة وثمانية شهور وثمانية أيام، وانزعج الناس لموته وحزنوا عليه حزنا شديدا وصلوا عليه في الجامع الكبير وأم الصلاة عليه الشيخ عبد العزيز بن باز وبعد فراغهم من الصلاة خرجوا به إلى المقبرة محمولا عل الأعناق وكان الجمع عظيما والزحام شديداً وشيعه إمام المسلمين جلالة الملك فيصل آل سعود والعلماء والأمراء والوزراء وجميع سكان مدينة الرياض وقبر بمقبرة العود، وخلف أربعة أبناء هم الشيخ عبد العزيز والشيخ إبراهيم وأحمد وعبد الله، وقد رثاه العلماء والأدباء والشعراء نثرا ونظما، ويكفي أن نشير إشارة خاطفة في هذه الترجمة الموجزة إلى بعض من رثاه مرتبين على النحو الآتي:
بعض الذين رثوا سماحته:
1- الشيخ راشد بن صالح بن خنين رثاه نثرا بعنوان "حادث جلل".
2- الشيخ حمد بن محمد بن فريّان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=وفي عام 1387هـ افتتح معاهد في كل من حوطة سدير والقويعية والبدايع وحريملاء كما افتتح معهد واحد في رأس الخيمة بعمان بتخفيف الميم وكل هذه المعاهد التي أشرنا إليها تابعة للمعاهد والكليات أما التابع لوزارة المعارف فشيء كثير يفوق التصور أدام الله بقاء إمام المسلمين ونصير العلم والدين جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود إنه سميع مجيب.

 

ص -141-

3- الشيخ سعد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن رويشد رثاه نثرا بعنوان "فقيد الإسلام".
4- ابنه عبد الله ابن الشيخ سعد بن عبد العزيز بن رويشد رثاه نثرا بعنوان "فجيعة مملكة في شيخ القضاء وقاضي العلماء".
5- ورثاه شعرا الشيخ عبد الله بن إدريس بقصيدة تبلغ أبياتها عشرين بيتا ومطلعها:

ما عاش إلا للعلوم وشرعة الإنصاف

وقضى الحياة مكرم الأوصاف

6- ورثاه الدكتور محمد عبد المنعم الخفاجي بقصيدة طويلة تبلغ أبياتها زهاء ثلاثة وخمسين بيتا ومطلعها:

أمات الشيخ هل ذهب الإمام

وطار به إلى الخلد الغمام

7- ورثاه الدكتور كامل الفقي مدرس بكلية اللغة العربية بالرياض رثاه بقصيدة تبلغ أبياتها اثنين وثلاثين بيتا ومطلعها:

دهى الجزيرة خطب ليس يحتمل

فلتنفطر مهج ولتنهمر مقل

8- ورثاه الشيخ محمد بن عبد العزيز بن هليل المستشار الشرعي بديوان المظالم بقصيدة تبلغ أبياتها أربعة وثلاثين بيتا ومطلعها:

على شيخنا الحبر الجليل محمد

حفيد إمام المسلمين محمد

محقق توحيد الإله بدعوة

تجلت بنهج مستبين محمد

9- ورثاه نجله الشيخ عبد العزيز ابن الشيخ محمد مدير المعاهد والكليات بقصيدة تبلغ أبياتها ثلاثة وعشرين بيتا ومطلعها:

خطب دهى فبكى له العلماء

وبكت لهول مصابه العقلاء

10- ورثاه نجله الشيخ إبراهيم ابن الشيخ محمد نائب المفتي الأكبر بقصيدة تبلغ أبياتها ثلاثين بيتا ومطلعها:

مصاب كبير وجرح أليم

ورزء عظيم وخطب جسيم

ص -142-

ورثاه معالي الشيخ حسن ابن الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ بهذه الكلمة التي نشرت في الصفحة الأولى من العدد الخاص من جريدة الدعوة عدد 231 الاثنين 13 شوال عام 1389هـ فقال تحت عنوان "عالم فقدناه":
"صنفان من الناس يترك فقدهما فراغا كبيرا وهزة بعيدة المدى بل وربما يؤدي ذهابهما إلى الاضطراب والحسرة، وهم العلماء المحققون والزعماء المخلصون، والأمم في كل مراحل حياتها لا تستغني عن أولائك ولا هؤلاء، لأنها بالعلماء تعرف واجباتها نحو ربها ودينها وتمضي في حياتها على بصيرة، وبالزعماء تتنظم معيشتها فتأمن بهم السبل ولا يمكن لأي إنسان أن يقف صامتا عندما يشهد انحدار أو تهاوى إحدى الدعامات التي يقوم عليها مجتمعه، ونحن بما فقدنا قبل أيام بوفاة صاحب السماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم نجد أنفسنا بشبه الدوامة الحائرة من الأسف والأسى، فالفقيد شخصية علمية لامعة وحياته كانت جهادا متلاحقا في سبيل العلم والتعليم وكان أبرز صفاته بعد علمه الواسع عقله الكبير فلقد كان يتحلى بعقل راجح يحجزه عن الاندفاع والتسرع بل لقد كان عند النوائب صامدا كالطود لا يتزعزع وتلك ميزة ينفرد بها القائل من الرجال ثم لقد كان -رحمه الله- صبورا على التزاماته الكثيرة وجلدا على أدائها وحتى الأيام الأخيرة من حياته يمارس كل واجباته والتزاماته بعزيمة صلبة لا تعرف الملل وميزة الصبر غالية يحتاج إليها الرجال العاملون.
وكلمتي هذه ليست تعدادا لفضائله أو مناقبه فهي كثيرة لا تقع تحت حصر، لكنها تعبير رمزي لمشاعري نحو فقده وأسفي لوفاته تغمده الله بواسع رحمته وألهمنا جميعا فيه العزاء والصبر وأصلح عقبه وإنا لله وإنا إليه راجعون".
آخر هذه الكلمة التي صورت للقارئ ما كان يتصف به الفقيد من العلم

 

ص -143-

ورجاحة العقل وما كان يتحلى به من الصبر على ما أنيط به من الأعباء الجسيمة. رحمه الله وعفا عنه.
وسيرى القارئ على الصفحة التالية ملحقا في ملخص أعمال سماحته1 التي كان يشغلها ويقوم بأعبائها في حياته تغمده الله برحمته وغفرانه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  ولا يفوتنا أن نذكر أن سماحته قام بعدة رحلات إلى خارج المملكة منها:
1- رحلته عام 1369هـ إلى مصر لعلاج رجليه .
2- رحلته إلى لندن لعلاج مرض ألم بسماحته عام 1386هـ.
3- رحلته إلى لندن عام 1389هـ للعلاج: وكان –يرحمه الله- يتابع بين الحج والعمرة ويصطاف في أخريات أيامه بمدينة الطائف ويزاول جميع أعماله المنوطة به هناك مدة الاصطياف –رحمه الله- وغفر له إنه سميع مجيب.

 

ص -144-

ملحق في ملخص أعمال سماحته
نلخص أعمال سماحته ومسؤولياته فيما يأتي:
1- دار الإفتاء.
2- رئاسة القضاء.
3- رئاسة الكليات والمعاهد العلمية.
4- رئاسة الجامعة الإسلامية التي أسست بالمدينة المنورة سنة 1381هـ وبعد وفاة سماحته أسندت رئاستها إلى الشيخ عبد العزيز بن باز في 15-09-1390هـ.
5- رئاسة دور الأيتام التي ضمت فيما بعد إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
6- الإشراف على رئاسة تعليم البنات.
7- رئاسة المعهد العالي للقضاء.
8- رئاسة المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي.
9- رئاسة المكتبة السعودية التي أنشئت بجوار مسجد سماحته بحي دخنة عام 1370هـ.
10- رئاسة المعهد الإسلامي في نيجيريا.
11- رئاسة المجلس العالي للقضاء.

 

ص -145-

12- رئاسة معهد إمام الدعوة.
13- خطيب الجامع الكبير وإمام العيدين.
14- إمام مسجد دخنة الكبير المعروف بمسجد الشيخ من عام 1339هـ إلى أن توفي -رحمه الله-.
15- الإشراف على نشر الدعوة الإسلامية في أفريقيا.
16- رشيس مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية التي تصدر عنها الآن جريدة الدعوة.
17- بدأ في إنشاء مجلس هيئة1 كبار العلماء وأثبت في ميزانية عام 1389هـ غير أن المنية وافت سماحته -رحمه الله- قبل أن يباشر المجلس أعماله.
 18- الإشراف على ترشيح الأئمة والمؤذنين.
19- تعين الوعاظ والمرشدين.
هذا موجز أعمال سماحته التي كان يضطلع بها في حياته -رحمه الله تعالى-.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  أنشئ مجلس هيئة كبار العلماء بأمر ملكي رقم  1/138 تاريخ8/7/1391هـ ونصه "بعون الله تعالى نحن فيصل بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية بعد الاطلاع على المادة الثانية من الأمر الملكي رقم 1/137 وتاريخ 8/7/1391هـ أولا يعين المشائخ التالية أسمائهم أعضاء هيئة كبار العلماء: الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن حميد، الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، الشيخ سليمان بن عبيد، الشيخ عبد الله خياط، الشيخ صالح بن لحيدان، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ صالح بن غصون، الشيخ محضار بن عقيل، الشيخ محمد الحركان، الشيخ عبد العزيز بن صالح، الشيخ محمد بن جبير، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع، الشيخ راشد بن خنين، الشيخ عبد المجيد حسن، الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ.
نقلا عن جريدة المدينة الخميس 12 رجب 1391 السنة الثامنة العدد 2258.

 

ص -146-

ابن غنام
هو الشيخ حسين بن أبي بكر ابن غنام الأحسائي المالكي مذهبا التميمي نسبا. ولد ببلدة المبرز بالإحساء ونشأ بها وقرأ على علماء وفته في الإحساء، ثم نزح من الإحساء إلى مدينة الدرعية فقدما على الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب فأكرماه وأنزلاه المنزلة الرفيعة. فاستقر في الدرعية وجلس فيها لطلبة العلم يقرأون عليه "علم النحو والعروض" فقط، فأخذ عنه جملة من العلماء نذكر من فضلائهم في هذه الترجمة المقتضبة الشيخ سليمان ابن الشيخ عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب والشيخ عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن معمر والشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
ألف الشيخ حسين ابن غنام المذكور مؤلفين هما1 "العقد الثمين في أصول الدين" وتاريخه المشهور بتاريخ ابن غنام وقد سماه "روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام" وهو تاريخ مسجوع سجعا مملا ممقوتاً لا يكاد يخرج قارئه يخلص من سجعه إلى المعنى المطلوب إلا بعد لأي وجهد، وقد طبع ثلاث طبعات: الأولى سنة 1331هـ بمدينة بومباي بالهند على نفقة الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله-. والثانية بطبعة البابي الحلبي بمصر سنة 1368هـ على نفقة عبد المحسن بن عثمان "أبا بطين" صاحب المكتبة الأهلية سابقا بمدينة الرياض، والطبعة الثالثة سنة 1381هـ بمطبعة المدني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  يوجد مخطوطاً بالمكتبة السعودية بمدينة الرياض.

 

ص -147-

بمصر بتحقيق الدكتور ناصر الدين الأسد وملتزم نفقات الطبع الشيخ عبد العزيز ابن الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وقد جرد في هذه الطبعة الأخيرة من الأسجاع الممقوتة، لكن مع الأسف تصرف فيه تصرفا مخلا حيث حذف منه جميع ما حواه من القصائد وهي سبع قصائد، اثنتان لمحمد بن إسماعيل اليمني المشهور بالصنعاني:
الأولى بائية ومطلعها:

أما آن عما أنت فيه متاب

وهل لك بعد البعاد إياب

والثانية الدالية المشهورة ومطلعها:

سلامي على نجد ومن حل في نجد

وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي

وخمس قصائد للمؤلف الشيخ حسن بن غنام، الأولى هائية ومطلعها:

نفوس الورى إلا القليل ركونها

إلى الغي لا يلفى لدين حنينها

تبلغ أبياتها ستة وثلاثين بيتا وتقع في ص 71 – 72 ج 2 طبعة "أبا بطين".
الثانية سينية قالها في مناسبة جلاء دهام بن دواس عن الرياض ومطلعها:

كشف الحق ظلمة الأغلاس

ومحا الدين جملة الأرجاس

والقصيدة الثالثة عينية قالها في رثاء شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ومطلعها:

إلى الله في كشف الشدائد نفزع

وليس إلى غير المهيمن مفزع

وتبلغ أبياتها تسعة وثلاثين بيتا وتقع في ج(2) ص 155 – 156 الطبعة المذكورة.
والقصيدة الرابعة الطائية التي رد بها على قصيدة محمد1 بن عبد الله بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  هو والد عبد الوهاب بن فيروز وجدير بالذكر أن لعبد الوهاب بن محمد بن عبد الله ابن فيروز حاشية غير حاشيته المشهورة التي على الروض المربع حاشية ثانية على شرح المنتهى للشيخ منصور البهوتي غير كاملة وقد جردها من هوامش شرح المنتهى محمد بن حميد صاحب السحب الوابلة ذكر ذلك الشيخ محمد بن مانع في هامش ص 105 من الجزء الثاني من تاريخ الإحساء لابن عبد القادر.

 

ص -148-

فيروز ومطلعها:

على وجهها الموسوم بالشؤم قد خطا

عروس هوى ممقوتة زارت الشطا

تبلغ أبياتها ستة وسبعين بيتا وتقع في ج(2) ص 190 – 192 من الطبعة المذكورة وسنثبت هذه القصيدة في آخر هذه الترجمة -إن شاء الله-.
والقصيدة الخامسة الرائية قالها في مناسبة قتل ثُويني وتهنئة للأمير سعود ووالده الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود باستيلاء ابنه الأمير سعود على الإحساء ومطلعها:

تلألأ نور الحق وانصدع الفجر

وديجور ليل الشرك مزقه الظهر

وتبلغ أبياتها مائة وثمانية عشر بيتا وتقع في ج(2) ص 237- 242 من الطبعة المذكورة.
وكل هذه القصائد التي نوهنا عنها حذفت من طبعة المدني بلا إشارة إلى حذفها وحذف أيضا من طبعة المدني رسالة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر المسماة "الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب" وهذه الرسالة تقع في ج(2) طبعة أبي بطين وتبتدئ من ص 204 232 أي تبلغ ثمان وعشرين صفحة.
كما حذف الحديثان المسلسلان بالأولية اللذان رواهما الشيخ محمد بن عبد الوهاب أجازة، الأول "
الراحمون يرحمهم الرحمن" الحديث والثاني "إذا أراد الله بعبده خيرا استعمله" الحديث.
وكل هذا الحذف لم يشر إليه فإذا جاء القارئ الذي لم يسبق له الاطلاع على الأصل ظن أن هذا هو تاريخ ابن غنام بكامله بدون حذف ولا تغير سوى السجعات حيث نوه عنها في التمهيد والمقدمة إذا علم هذا عدنا إلى ما نحن بصدده من ذكر قصيدة الشيخ حسين بن غنام التي رد بها على قصيدة محمد بن فيروز1 حيث يقول:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  هو محمد بن عبد الله بن فيروز والد عبد الوهاب بن فيروز صاحب الحاشية على الروض

 

ص -149-

على وجهها الموسوم بالشؤم قد خطا

عروس هوى ممقوتة زارت الشطا

تخطت فأخطت في المساعي مرامها

ومرسلها عن نيل مقصوده أخطا

وثارت لنار الشرك تذكي ضرامها

وسارت فبارت والإله لها قطا

لقد شوهت ما زخرفته بزورها

كما أنها بالمين قد أحكمت ربطا

وقد جاء منشيها بزور ومنكرٍ

وفحش وبهتان يعطى به عطا

وحان به داعي العناد لمهيع

تنكب عن سبل الهداية واشتطا

فضل عن الإرشاد والحق واعتدى

وغطا أناسا في طريقته غطا

وجاوز منهاج الهداية راضيا

عن الدين بالدنيا فما نالها بسطا

يحاول تشييدا ورفعا لما وهت

قواعده فوق البسيطة وانحطا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الربع شرح زاد المستقنع ومحمد بن عبد الله بن فيروز المذكور من والد أعداء دعوة الإسلام والتوحيد السلفية. ومطلع قصيدته التي رد عليها المترجم:

أتأمل كف السعد قد أثبتت خطا

بأقلام أشياخ لنا حررت ضبطا

توفي محمد بن فيروز في بلدة الزبير  من أعمال العراق عام 1216هـ وقيل توفي بسوق الشيوخ من أعمال العراق والله أعلم.

 

ص -150-

ويسعى بتحريض وتهييج فتنة

تصير إذا شبت لحاء العدا شمطا

وربك بالمرصاد ممن يريد أن

يؤسس ركن الشرك من بعد أن حطا

فلا عجب من يعش عن ذكر ربه

يقيض له الشيطان ينشطه نشطا

لقد خاب مسعى من غدا طول عمره

يصد عن الوحيد من دان أو شطا

ولا كابن فيروز يروم سفاهة

دفاعا لحق في البرية قد وطا

وصار يذود الناس عما أتى به

أجلّ شفيع في الجزا للِّوى يعطى

ويدعو إلى نهج الضلالة معلنا

ومنهاج أهل الزيغ جهلا به أطا

يغالب أمر الله والله غالب

ويندب من لا يملك الرفع والحطا

ويرجو من المخلوق غوثاً ونصرة

يناديه من بعد أغثنا بلا أبطا

وذاك من الأقدار ما فك نفسه

ولم يغن عنه المال إذ بذل الشرطا

لئن كان يدعوه لتفريج كربة

فليس سوى الرحمن ندعو بلا استبطا

فبشراه بالخسران والذل إن سعى

بهدم لهذا الدين أو وافق الضغطا

ص -151-

ومن جرب الأشياء يكفه ما جرى

ويلغي أباطيلا عن الاهتدا شحطا

وينظر في عقبى الخيانة والردى

فكل امرئ خان العهود غدا سقطا

وللشهم في تلك القضايا مواعظ

يرد بها عنه الغواية والهمطا

وكم دولة كادت وقادت جموعها

فبادت وما فادت وما أدركت مسطا

يريدون إخفاء لما الله مظهر

وإتمام نور الله بالحفظ قد حيطا

رويدا فوعد الله لابد واقع

وقد وعد التمكين من عمل القسطا

ومن عارض الأقدار أو سخط القضا

فربك قهار له المنع والإعطا

وما ذاك إلا معتد ذو حماقة

توغل في الإبلاس واغتر وانغطا

فويل له يوم القصاص وحيث لا

مناص وأهل النار تسرطهم سرطا

سمت عصبة التوحيد عما يشينهم

وعن وصفهم بالكفر لكنه الأخطى

أيوصف بالطاغوت من جدد الهدى

وأحيا أصول الدين والسنة الوسطى

وأعلن بالإسلام والدعوة التي

لها كشط المختار رأس العدا كشطا

وقام بأمر الحق في جاهلية

وأهل الردى والشرك تحسبه خلطا

ص -152-

وأطلع مولاه نجوم سعوده

بآل سعود حين صاروا له سبطا

فسبحان من عم العباد بحلمه

وفي هذه الدنيا بإمهاله غطا

يكفر قوما بالكتاب تمسكوا

وبالهدى والإجماع ما خالفوا شرطا

وما عمموا بالكفر بل خصصوا به

أناس من الإشراك أعمالهم حبطا

أفي محكم التنزيل تكفير من دعا

إلى الله والتقوى وإسلام من شطا

وأهل الهوى والزيغ والفِرَق التي

تُحرف وحيَ الله جازوا الهدى خرطا

وهل جاء في التنزيل والوحي شاهد

بتحقيق إسلام الروافض قد خطا

ومن قد نحا في الدين سنة صحبه

ينادي عليهم أنهم خبطوا خبطا

فتبا وسحقا يا لها من مقالة

من الإفك والبهتان قد سحبت مرطا

لينظر ذو الأحلام والعلم والتقى

إلى أي قوم في الهدى تبعوا الخطا

وفي غربة الإسلام أعظم شاهد

بإصلاح من قد قام يدعو الورى ضبطا

وربهانه العقليُّ نصرة رهطه

وتمكينهم في الأرض أكرم بهم رهطا

ص -153-

لقد رفعت أعلامهم بأميرهم

وأبناه أسد الحرب بل بأسهم أسطى

بهم أسفرت شمس الهدى بعد دجنها

وزال ظلام الشرك من بعد ما غطى

ذوو الحزم والتسديد والعزم والنهى

وأهل المعالي والفخار بهم نيطا

يذودون عن ورد الدنايا نفوسهم

ويسخون في نيل المزايا بها سفطا

فقد بذلوا في ذا النفوس فأحرزوا

به العز يا طوبى لمن أدرك القسطا

وقد ولي الأحسا سعود فأسعدت

مساعيه أهل الخير فانتظموا سمطا

وأبعد أهل الشرك عنها وأبعدت

مذاهبهم فيها وما أبصروا غمطا

وقرر أرباب الوظائف كلهم

وما شهدوا في كل أوقاتهم هبطا

مدارسهم معمورة بعلومهم

وما ثبطوا عن نشر أحكامهم ثبطا

وما أبطلت أحكامهم حيثما أتى

بإبطالة الشرع الشريف وما أخطا

نعم هدمت للرفض فيها كنائس

وكل شعار الرفض عن أرضها ميطا

وما كان من جور ونكث وبدعة

ولهو وتابوت بكل الدعا مُعْطى

ص -154-

ولم ينف إلا كل من عمل الردى

ومن كان سبابا لمنطقه مسطا

فليس ترى إلا مفيدا وهاديا

وعلما وتحديثا بذا تسمع اللغطا

وأمر بمعروف وتنكير منكر

وتنكيل من قد قارف الذنبا والسخطا

وحثا على فعل الصلاة جماعة

وتوبيخ من عنها قد تخلف أو أبطا

فلله ربي الحمد والشكر دائما

على نعم لم يحص نظم لها ضبطا

لقد من مولانا علينا بمنة

وخولنا من فضله خير ما أعطى

وصب علينا من شآبيب بره

سحائب رحمى قد حوينا بها غبطا

بإنقاذنا من غمرة الشرك والهوى

ولولاه كنا في غيابها ورطا

عسى الله يعلي في الجنان محمداً

ويولي الرضا عبد العزيز الذي وطا

ويحرسه من كل سوء ونسله

ويُبقى سعودا في سعود وفي إبطا

أبا عُمرٍ هنيت بل هُنِّئ الورى

بما نالت والتوحيد حاز بك البسطا

إليك القرى والمدن ترنوا عيونها

تمناك ترعاها فتملؤها قسطا

ص -155-

وترتاح من عليا سعود ونصره

وتغبط نجدا والحسا الآن والخطا

فجهز له المنصور بالبشر تلقه

وتفرش إكراما لأقدامه بسطا

فقد طرز الإقبال آيات فوزه

براياته والنصر والفتح قد خطا

ودم شاربا كأس المسرة والهنا

بأطيب عيش والعدا تأكل الخمطا

وأزكى صلاة يبهر المسك عرفها

تعم رسولا في الورود لنا فرطا

كذا لآل والأصحاب ما خط كاتب

ونمق في مرسومه الشكل والنقطا

وفاته:
توفي الشيخ المترجم الشيخ حسين بن غنام بمدينة الدرعية سنة 1225هـ   -رحمه الله، وغفر له، وأسكنه فسيح جنته-.

ص -156-

الشيخ حمد بن ناصر بن معمر
هو العالم العلامة المحقق الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر النجدي التميمي من آل نعمر أهل العُيَيْنَة، نزح منها واستوطن مدينة الدرعية وقرأ فيها على شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب على الشيخ أبي بكر حسين ابن غنام نزيل الدرعية، صاحب التاريخ المشهور وعلى الشيخ سليمان بن عبد الوهاب أخي الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وبعد ذلك جلس للتدريس بمدينة الدرعية فأخذ عنه العلم خلق كثير من أهل الدرعية وغيرهم من أهل نجد الوافدين إليها، نذكر من فضلائهم في هذه الترجمة المقتضية ما يأتي الشيخ العلامة الشهيد سليمان ابن الشيخ عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. والشيخ العالم الكبير عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب ونجل المترجم الشيخ عبد العزيز ابن الشيخ حمد بن معمر. والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين.
وبعد ذلك لما كان في سنة ألف ومائتين وإحدى عشرة من الهجرة طلب غالب بن مساعد شريف مكة من الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود أن يبعث إليه عالماً ليناظر علماء الحرم الشريف في شيء من أمور الدين، فبعث إليه الإمام عبد العزيز المترجم الشيخ حمد بن ناصر بن معمر على رأس ركب من العلماء، فلما وصلوا إلى الحرم الشريف أناخوا رواحلهم أمام قصر الشريف غالب فاستقبلهم بالحفاوة والإكرام وأنزلهم منزلا محترما يليق بهم، فلما طافوا وسعوا للعمرة ونحروا الجزر التي أرسلها معهم الأمير سعود بن عبد

 

ص -157-

العزيز هديا للحرم واستراحوا أربعة أيام من عناء السفر جمع الشريف غالب علماء الحرم الشريف من أرباب مذاهب الأئمة الأربعة ما عدا الحنابلة فوقع بين علماء الحرم ومقدمهم يومئذ في الكلام الشيخ1 عبد الملك القلعي الحنفي وبين الشيخ حمد بن ناصر مناظرة عظيمة في مجالس عديدة بحضرة والي مكة الشريف غالب وبمشهد عظيم من أهل مكة وذلك في شهر رجب من السنة المذكورة سنة 1211هـ فظهر عليهم الشيخ حمد بن ناصر بن معمر بالحجة وقهرهم بالحق فسلموا له وأذعنوا، وقد سألهم -رحمه الله تعالى- ثلاث مسائل الأولى، ما قولكم فيمن دعا نبيا أو وليا واستغاث به في تفريج الكربات كقوله: يا رسول الله، أو يا ابن عباس، أو يا محجوب، أو غيرهم من الأولياء الصالحين.
والثانية، من قال لا إله إلا الله، محمدا رسول الله، ولم يصل ولم يزك هل يكون مؤمنا؟ والثالثة، قال هل يجوز البناء على القبور؟ فعكس علماء الحرم هذه الأسئلة على الشيخ حمد المذكور، وطلبوا منه الإجابة عليها فأجاب عنها -رحمه الله- بما يشفي الغليل، ويبتهج به من يتبع الدليل، وأصَّلَ الإجابة وحرَّرها لهم في رسالة سماها علماء الدرعية "الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب" وقد أوردها الشيخ حسين بن غنام2، في الجزء الثاني من تاريخه واختارها الشيخ سليمان بن سحمان مع مختاراته التي جمعها في رسالة وسماها "الهدية السنية والتحفة الوهابية النجدية" فطبعت عدة مرات، ولولا ذلك لأوردناها في ترجمتنا للشيخ حمد بن معمر المذكور، فإنها جليلة القدر عظيمة الفائدة، وقد أشار إلى ما جرى بين الشيخ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  هو الشيخ عبد الملك بن عبد المنعم بن تاج الدين بن عبد المحسن بن سالم القلعي الحنفي. ولد بمكة وتلقى العلم من علماء المسجد الحرام وبعد أن أجيز بالتدريس جلس للتدريس بالمسجد الحرام فقرأ عليه خلق كثير ولما قدم إلى مكة محمد علي باشا الألباني بلغه أن الشيخ عبد الملك مريض فزاره. توفي سنة 1228هـ وله مؤلفات (1) فتاوى في 3 مجلدات  (2) شرح على متن الاجرومية (3) حل الرمز على شرح الكنز.
2  أوردها الشيخ حسين بن غنام في الجزء الثاني من تاريخه بكاملها وحذفت من التاريخ المذكور المطبوع بمطبعة المدني بمصر.

 

ص -158-

حمد بن ناصر بن معمر، وعلماء مكة من المناظرة الشيخ محمد بن علي الشوكاني. فقال في الجزء الثاني من كتابه" البدر الطالع" ص 7 بعد ترجمته للشريف غالب بن مساعد، ما نصه: "وبلغنا أنه وصل إلى مكة بعض علماء نجد لقصد المناظرة فناظر علماء مكة بحضرة الشريف في مسائل، تدل على ثبات قدمه، وقدم صاحبه في الدين" انتهى كلام الشوكاني.
وللشيخ حمد بن معمر غير هذه الرسالة رسائل كثيرة، أجاب فيها على أسئلة علمية، لو جمعت لبلغت مجلدا ضخما، ولكنها طبعت مفرقة في مجاميع الرسائل والمسائل النجدية، التي طبعت بمطبعة المنار أولا، ثم بمطبعة أم القرى في مكة المكرمة ثانيا، وقد ولاه الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود قضاء الدرعية من جملة قضاتها الكثيرين، وبعثه بعدما استولى على الحجاز1 سنة 1220هـ إلى مكة، عند الشريف غالب مشرفا على أحكام قضاة مكة المكرمة، فأقام بمكة نحو أربع سنوات، ثن توفي بها –رحمه الله- سنة ألف ومائتين وخمس وعشرين من الهجرة، في أول شهر ذي الحجة، وصلى عليه الناس تحت الكعبة المشرفة، ثم خرجوا به من الحرم إلى البياضية2، فخرج الإمام سعود بن عبد العزيز من قصره بالبياضية وصلى عليه بعدد كثير من المسلمين صلاة ثانية. قبل أن يدفن ثم دفنوه بعد ذلك بمقبرة البياضية.
قال أحمد بن محمد بن أحمد الحضراوي في تاريخه المخطوط الذي سماه "اللطائف في تاريخ الطائف" ما نصه نقلا منه عن السيد محمد ياسين ميرغني ابن عبد الله المحجوب لما ذكر كشف الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود للقبة التي فوق صخرة مقام إبراهيم. قال: "وكان المباشر له أي لكشف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  استولى الإمام سعود بن عبد العزيز على الحجاز نهائيا سنة 1220هـ وبعث المترجم إلى مكة سنة 1221هـ.
2  البياضية تقع بأعلى مكة شرقي القصر العالي المشهور قبل ذلك بقصر السقاف والبياضية محلها محاكم المستعجلات اليوم الواقعة شرقي القصر المذكور.

 

ص -159-

القبة حمد بن ناصر"، يقصد به المترجم له. ثم ذكر بعد كلام لا فائدة من ذكره، أنه مات ودفن بالبياضية.
وقد ذكر المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر في الجزء الأول من تاريخه ص 159 طبعة أبي بطين: أن الشيخ حمد1 بن ناصر بن معمر توفي بمكة، وخفي عليه أنه دفن بمقبرة البياضية. فلم يذكر ذلك.
وقد خلف الشيخ حمد ابنا عالما هو الشيخ عبد العزيز صاحب "منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب" وسنورد له ترجمة في هذه الرسالة رحم الله الشيخ أحمد ورحم ابنه الشيخ عبد العزيز، وجميع مشائخ الإسلام، وعلماء الدين، إنه سميع مجيب. وصلى الله على محمد وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  قلت أورد صاحب خلاصة الكلام ذكره في معرض تحدثه عن الصلح الذي بين غالب والإمام سعود بن عبد العزيز قائلا ما نصه "ثم وصل من الدرعية عشرون رجلا فيهم حمد بن ناصر أحد علمائهم وكان الشريف بجدة وأعطوه كتاباً من سعود فيه اتهام أمر الصلح ونزل حمد إلى مسجد عكاش وجمع الناس وقرأ عليهم رسالة محمد بن عبد الوهاب وقبل الشريف بمنع جميع الأمور فأمر بهدم القباب وترك شرك التنباك وعدم بيعه وبدخول الناس المسجد عند سماع الأذان لصلاة الجماعة في المسجد وبتدريس رسائل ابن عبد الوهاب، وترك تكرير الجماعة في المسجد الحرام والاقتصار على الأذان في المنابر وترك التسليم والتذكير والترحيم وأبطل ضرب نوبته ونوبة والي جدة فتوجه حمد بن ناصر إلى الدرعية يخبرهم بذلك وأرسل الشريف معه رسولا فرجع بالجواب والشريف باق بجدة" انتهى ما ذكره دحلان مع حذف بعض كلمات عدائية لا يليق ذكرها.

 

ص -160-

الشيخ عبد العزيز الحصين
هو الشيخ العالم الورع التقي الزاهد عبد العزيز بن عبد الله الحصيِّن الناصري التميمي النجدي الحنبلي. ولد سنة ألف ومائة وأرع وخمسين من الهجرة في بلدة الوقف من قرى الوشم وقرأ القرآن حتى ختمه نظرا وعن ظهر قلب، ثم قرأ الفقه في صغره على الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبد الله ابن الشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل قاضي بلد "القرائن1" في ناحية الوشم، ثم تفقه وقرأ على شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأقام مدة سنين يقرأ عليه وكان يكرمه ويعظمه ونصبه قاضيا في ناحية الوشم للإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود واستمر في قضاء تلك الناحية زمن الإمام سعود وزمن ابنه الإمام عبد الله ابن محمد بن سعود، وقد أرسله الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة 1185هـ إلى والي مكة آنذاك الشريف أحمد بن سعيد لمناظرة علماء مكة وأرسل معه الشيخ رسالة إلى الشريف المذكور وقدم مكة ونزل عند الشريف الملقب بالفعر، واجتمع هو وبعض علماء مكة عنده، وهم يحيى بن صالح الحنفي، وعبد الوهاب بن حسن التركي مفتي السلطان، وعبد الغني بن هلال، وتفاوضوا في ثلاث مسائل وقعت المناظرة فيها:
الأولى: ما نسب إلى أهل نجد من التكفير بالعموم. والثانية: هدم القباب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  القرائن اسم يطلق على قريتين متجاورتين واقعتين بالقرب من شقراء أحدهما تسمى غسلة والأخرى تسمى الوقف والظاهر أن المترجم الشيخ عبد العزيز ولد ببلدة الوقف كما أخبرني بذلك محمد بن عبد الله بن عمار من أهل بلدة الوقف.

 

ص -161-

التي على القبور. والثالثة: إنكار دعوة الصالحين لطلب الشفاعة.
فذكر لهم الشيخ عبد العزيز: أن نسبة التكفير إلى أهل نجد بالعموم زور وبهتان عليهم. وأما هدم القباب التي على القبور فهو الحق والصواب كما هو وارد في كثير من الكتب وليس لدى العلماء فيه شك. وأما دعوة الصالحين وطلب الشفاعة منهم والاستغاثة بهم في النوازل فقد نص على تحريمه الأئمة العلماء وقرروا أنه من الشرك الذي فعله القدماء ولا يجادل في جوازه إلا كل ملحد أو جاهل، فأحضروا كتب الحنابلة فوجدوا أن الأمر كل ما ذكر فاقتنعوا واعترفوا بأن هذا دين الله وقالوا: هذا مذهب الإمام الأعظم وانصرف عنهم الشيخ عبد العزيز مبجلا.
ولما كان سنة ألف ومائتين وأربع من الهجرة أرسل غالب بن مساعد شريف مكة كتابا إلى الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود ذكر له فيه أنه يريد رجلا عارفا من أهل الدين يعرفه حقيقة الأمر ليكون فيه على بصيرة، فأرسل إليه المترجم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين وكتب معه الشيخ محمد كتابا هذا لفظه:
"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الوهاب إلى علماء الإسلام في بلد الله الحرام نصر الله بهم دين سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام وتابعي الأئمة الأعلام سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد جرى علينا من الفتنة ما بلغكم وبلغ غيركم وسببه هدم بنيان في أرضنا على قبور الصالحين ومع هذا نهيناهم عن دعوة الصالحين وأمرناهم بإخلاص الدعاء لله فلما أظهرنا هذه المسألة مع ما ذكرنا من هدم البناء على القبور كبر على العامة وعاضدهم بعض من يدعي العلم لأسباب لا تخفى على مثلكم أعظمها إتباع الهوى مع أسباب أخرى فأشاعوا عنا أنا نسب الصالحين وأنا لسنا على جادة العلماء ورفعوا الأمر إلى المشرق والمغرب فأشاعوا عنا أشياء يستحيى من ذكرها وأنا أخبركم بما نحن عليه بسبب أن مثلكم ما يروج عليه الكذب فنحن ولله الحمد متبعون لا مبتدعون

 

ص -162-

على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل وتعلمون أعزكم الله أن المطاع في كثير من البلدان لو تبين بهاتين المسألتين أنها تكبر على العامة الذين درجوا وآباؤهم على ضد ذلك وأنتم تعلمون رحمكم الله أن في ولاية الشريف أحمد بن سعيد وصل إليكم الشيخ عبد العزيز1 بن عبد الله وأشرفتم على ما عندنا بعدما أحضروا كتب الحنابلة التي عندنا عمدة كالتحفة والنهاية عند الشافعية فلما طلب من الشريف غالب أعزه الله ونصره امتثلنا وهو إليكم واصل فإن كانت المسألة إجماعا فلا كلام وإن كانت مسألة اجتهاد فمعلومكم أن هلا إنكار في مسائل الاجتهاد فمن أفتى بمذهبه في ولايته لا ينكر عليه وأنا أشهد الله وملائكته وأشهدكم أني على دين الله ورسوله وإني متبع لأهل العلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته". فقدم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين مكة المشرفة فأكرمه غالب واجتمع به مرات وعرض عليه رسالة الشيخ فعرف ما بها من الحق فأذعن الشريف وأقر بذلك وطلب منه الشيخ عبد العزيز حضور العلماء للمناظرة في التوحيد فأبوا: وقالوا هؤلاء يريدون أن يقطعوا جوائزك التي من أجدادك ويملكون بلادك فارتعش قلبه وطار ليه فرجع الشيخ عبد العزيز إلى نجد وأفهم الإمام عبد العزيز والشيخ محمداً بما حصل من تهرب علماء مكة عن المناظرة. وكان المترجم مع ما اتصف به من الإخلاص للدين زاهدا ليس للدنيا عنده قدر ولا يركن إليها ولا يتعاطاها أمضى عمره وقطع وقته في نسخ الكتب النافعة وطلب العلم وبذله وبلغ من زهده وورعه أنه إذا دخل عليه وقت حصاد الزرع وجذاذة ثمر النخل قوت سنته من الحنطة والتمر من بيت المال وقد بقي عنده شيء من قوت السنة الماضية وثمرتها أعاده لبيت المال ولا يترك عنده منه شيئا وكان -رحمه الله- يحب طالب العلم محبة عظيمة كأنه ولده بالتودد إليه وتعليمه وإدخال السرور عليه والقيام بما ينوبه من بيت المال وكانت كلمته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  المترجم.

 

ص -163-

مسموعة وقوله نافذ عند الرؤساء ومن دونهم وكان عنده حلقة كبيرة للتدريس من أهل شقراء وأهل الوشم وغيرهم وكان مجلسه في التدريس للفقه من وقت طلوع الشمس إلى ارتفاع النهار وكان إذا فرغ من التدريس رفع يديه ورفع الطلبة أيديهم ثم دعا فأكثر الدعاء والطلبة يؤمنون على دعائه فإذا فرغ من الدعاء قاموا وتفرقوا ولا يحضر ذلك المجلس عنده أحد غير الطلبة أو اثنين أو ثلاثة من رؤساء أهل شقراء وله مجالس في التدريس غير ذلك للعامة وقت الظهر والعصر وبين العشاءين.
تلامذته:
قرأ عليه وأخذ عنه العلم عدد وفير من قضاة المسلمين منهم العلامة الشهير الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن "أبا بطين" والشيخ إبراهيم بن سيف قاضي ناحية سدير للإمام عبد الله بن سعود ثم كان قاضيا لمدينة الرياض زمن الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود وابنه الإمام فيصل، وأخذ عنه أيضاً الشيخ غنيم بن سيف والشيخ عبد الله بن سيف اللذان توليا على انفراد القضاء في مدينة عنيزة وغيرها زمن الإمام سعود ابن الإمام عبد العزيز وهما أخوان للشيخ إبراهيم بن سيف الآنف الذكر، وأخذ عنه أيضا القاضي في بلد القرائن في ناحية الوشم زمن الإمام سعود وابنه عبد الله أخوه الشيخ محمد بن عبد الله الحصين الناصري التميمي جد الأسرة المعروفة بآل الحصين، وأخذ عنه أيضا الشيخ علي بن يحي بن ساعد القاضي في ناحية سدير والشيخ عبد الله1 بن سليمان بن عبيد قاضي ناحية الجبل زمن الإمام سعود وابنه الإمام عبد الله ثم كان قاضيا في بلد جلاجل في أول ولاية الإمام تركي بن عبد الله والشيخ محمد ابن سيف بن خميس قاضي بلد ثرمداء والشيخ إبراهيم بن يحي قاضي بلد ثرمداء بعد ابن خميس المذكور والشيخ عثمان بن عبد المحسن "أبا حسين"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  هو الشيخ عبد الله بن سليمان بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد من أهل جلاجل توفي سنة 1241هـ في بلدة جلاجل.

 

ص -164-

قاضي بلد أشيقر ومحمد بن نشوان قاضي حريق نعام في ناحية الجنوب بنجد والشيخ عبد الله القضيبي من أهل بلدة شقراء والشيخ عبد الكريم1 بن معيقل صاحب القرائن وأخذ عنه خلق كثير غير هؤلاء المذكورين.
مؤلفاته:
رأيت له رسالة في الدرر السنية ج 2 وج 3 طبعة دار الإفتاء في موضوع "معنى العبادة" تبلغ أربعاً وستين صفحة وأظن أن له رسائل غيرها في مجموع الرسائل. -توفي رحمه الله- في الثاني عشر من رجب سنة 1237هـ وليس له ذرية وآل الحصين الموجودون اليوم من ذرية أخيه الشيخ محمد بن عبد الله الحصين، وقد ترجم للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين الشيخ عثمان بن عبد الله بن بشر في الجزء الأول من كتابه عنوان المجد في حوادث السنة المذكورة سنة 1237هـ2 رحم الله الجميع وغفر لهم وعفا عنهم وجميع المسلمين إنه سميع مجيب وصلى الله على محمد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  أبى عن القضاء، وولي الإمارة في ناحية القصيم ثم في ناحية سدير للإمام سعود بن عبد العزيز وكان له معرفة في الفقه وغيره –رحمه الله-.
2  وقبل أن يترجم له ذكر أن أهل شقراء بعد أيام من مصالحتهم لإبراهيم باشا وشى بهم رجل عند الباشا وقال إنهم ارتحل منهم عدة رجال من أعيانهم وعامتهم إلى الدرعية وأنهم يريدون أن ينقضوا العهد بعدما ترتحل عنهم الخ فأفزع ذلك الباشا فدخل بلدة شقراء مغضباً ومعه عدد كثير من عساكره وجعل العسكر في المسجد ودخل الباشا بيت إبراهيم بن سدحان المعروف جنوب المسجد وأرسل إلى الأمير حمد بن يحي وهو جريح فجيء به فتكلم عليه بكلام غليظ ثم أرسل إلى الشيخ العالم عبد العزيز الحصين الناصري وكان قد كبر وثقل فجيء به محمولا فأكرمه وأعظمه الخ القصة.
وذكر الرواة أن الشيخ عبد العزيز الحصين لما أرسل إليه الباشا وجيء به ورأى الباشا مغضباً قرأ عليه آيات العفو. فقال الباشا باللغة المصرية الدارجة "عفونا ياعكوز عفونا يا عكوز" أي يا عجوز والله أعلم.

 

ص -165-

الشيخ عبد العزيز بن حمد
هو الشيخ العالم الكبير الملقب بالقاضي عبد العزيز بن الشيخ حمد بن إبراهيم بن حمد بن عبد الوهاب بن عبد الله بن عبد الوهاب بن موسى بن عبد القادر بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف الوهبي التميمي.
سبط الشيخ محمد بن عبد الوهاب ابن بنته، كان أبوه الشيخ حمد1 بن إبراهيم بن حمد يشغل قضاء بلدة مراة ثم تركه وقدم على الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مدينة الدرعية وتزوج ابنته والدة المترجم له وسكن الدرعية عند الشيخ محمد وأخذ يقرأ عليه. وقد ولد المترجم الشيخ عبد العزيز ابن حمد قبل سنة ألف2 ومائة وتسعين وقرأ على الشيخ عبد الله3 بن علي بن غريب وعلى الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب وغيرهم من علماء الدرعية وتولى القضاء في الدرعية زمن الإمام سعود وابنه الإمام عبد الله ابن الإمام سعود وأرسله الإمام سعود4 في سفارة إلى إمام صنعاء وهو صاحب الأجوبة


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  قال الشيخ عثمان بن عبد الله بشر في تاريخه مصورة لندن "في آخر هذه السنة أي سنة 1294هـ وفيها توفي الشيخ حمد بن إبراهيم بن حمد بن عبد الله بن عبد الوهاب بن عبد الله قاضي مراة قرأ على قرأ على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتزوج ابنته وسكن الدرعية عنده وولدت منه القاضي عبد العزيز بن حمد".
2  السحب الوابلة.
3  كذا ورد اسمه في السحب الوابلة عبد الله بن غريب وأورد ذكره عثمان بن بشر وذكر أن اسمه محمد بن غريب وهو الصحيح.
4  السحب الوابلة.

 

ص -166-

المعروفة1 بالمسائل الشرعية إلى علماء الدرعية أورد ذكره الشيخ عثمان بن عبد الله بن بشر في كتابه "عنوان المجد" في معرض تحدثه عن الصلح الذي بين طوسون والإمام عبد الله وذلك بقوله: وبعث عبد الله معهم بكتاب الصلح عبد الله بن محمد بن بنيان صاحب الدرعية والقاضي عبد العزيز بن حميد ليعرضوه على محمد علي صاحب مصر فوصلوا مصر ورجعوا منه وانتظم الصلح. وذكره عبد الرحمن بن حسن الجبرتي بقوله: "فيه وصلت2 هجانة وأخبار ومكاتبات من الديار الحجازية بوقوع الصلح بين طوسون باشا وعبد الله ابن سعود الذي تولى بعد أبيه كبيرا على الوهابية وأن عبد الله المذكور ترك الحرب والقتال وأذعن للطاعة وحقن الدماء وحضر من جماعة الوهابية نحو العشرين نفرا إلى طوسون باشا وصل معهم اثنان إلى مصر. فكأن الباشا لم يعجبه هذا الصلح ولم يظهر عليه علامات الرضا بذلك ولم يحسن نزل الواصلين ولما اجتمعا به وخاطبهما وعاتبهما على المخالفة فاعتذرا.
وذكر أن الأمير سعود المتوفى كان فيه عناد وحدة مزاج  واما ابنه الأمير عبد الله فإنه لين الجانب والعريكة ويكره سفك الدماء على طريقة سلفه الأمير عبد العزيز المرحوم فإنه كان مسالما حتى أن المرحوم الوزير يوسف باشا حين كان بالمدينة كان نبينه وبينه غاية الصداقة ولم يقع بينهما منازعة ولا مخالفة في شيء ولم يحصل التفاقم والخلاف إلا في أيام الأمير سعود ومعظم الأمر من الشريف غالب بخلاف الأمير عبد الله فإنه أحسن السيرة وترك الخلاف وأمن الطرق والسبل للحجاج والمسافرين ونحو ذلك من الكلمات والعبارات المستحسنات وانقضى المجلس وانصرفا إلى المحل الذي أمرا بالنزول فيه ومعهما أتراك ملازمون لصحبتهما مع أتباعهما في الركوب والذهاب والإياب فإنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  المسائل الشرعية إلى علماء الدرعية التي أجاب عليها المترجم له تقع في ص 564 إلى آخر ص 584 من الجزء الرابع من مجموعة الرسائل والمسائل النجدية طبعة المنار بمصر عام 1349هـ.
2 تاريخ الجبرتي المسمى العجائب والآثار في التراجم والأخبار المجلد الرابع طبعة حسين شرف الكتبي حوادث شهر شوال عام 1230هـ ص 744.

 

ص -167-

أطلق لهما الإذن لإلى أي محل أراداه فكانا يركبان ويمران بالشوارع بأتباعهما ومن يصحبهما ويتفرجان على البلدة وأهلها ودخلا إلى الجامع الأزهر في وقت لم يكن فيه أحد من المتصدرين للإقراء والتدريس وسألا عن أهل مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وعن الكتب الفقهية المصنفة في مذهبه فقيل انقرضوا من أرض مصر بالكلية واشتريا نسخا من كتب التفسير والحديث مثل الخازن والكشاف والبغوي والكتب الفقهية المجمع على صحتها وغير ذلك وقد اجتمعت بهما مرتين فوجدت منهما أنسا وطلاقة لسان واطلاعا وتضلعاً ومعرفة بالأخبار والنوادر ولهما من التواضع وتهذيب الأخلاق وحسن الأدب في الخطاب والتفقه في الدين واستحضار الفروع الفقهية واختلاف المذاهب فيما يفوق الوصف، واسم أحدهما عبد الله والآخر عبد العزيز وهو الأكبر حسّاً ومعنى"انتهى كلام عبد الرحمن بن حسن الجبرتي وقال بركهارت وهو يتحدث عن صلح الإمام عبد الله بن سعود وطوسون وعن الرسولين اللذين يحملان اتفاقية الصلح قال وما نصه: "وصل الرسولان الوافدان من قبل عبد الله ابن سعود وكانا في حاشية طوسون باشا في المدينة إلى القاهرة في أغسطس أثناء تمرد الجنود التي سبق ذكرها أحدهما كان يدعى عبد العزيز وهو أحد أقارب الشيخ محمد بن عبد الوهاب مؤسس الدعوة والآخر كان أحد ضباط سعود قدما لمحمد علي المعاهدة التي عقدت مع ابنه طوسون باشا ومعها الخطابات التي ذكرت من قبل، وكان عبد العزيز عالما كبيرا أمر الباشا إلى معظم العلماء الأكفاء أن يحتكوا به الأمور الدينية استفسر عبد العزيز عن كل صغيرة وكبيرة وخاصة بالمؤسسات العسكرية والمدنية في مصر واشترى الكتب الكثيرة من الكتب الحربية وأخيرا أثار غيرة محمد علي باشا فأمر جنديين بملازمة الرسولين أينما ذهبا ولما تضايقا من هذا التصرف طلبا الرحيل فورا فأعطى محمد علي كل منهما  حلة من الملابس وثلاثمائة ريال كما أعطاهما خطابا لعبد الله بن سعود بطريقة غامضة مبهمة بخصوص الحرب والسلم وذكر فيه أنه

 

ص -168-

يوافق على المعاهدة التي عقدت مع ابنه على شريطة أن يتخلى الوهابيون عن منطقة الإحساء" انتهى ما ذكره بركهارت.
والشاهد مما أوردناه من كلام الجبرتي وبركهاوت الاتفاق على غزارة علم المترجم وفضله الشيخ عبد العزيز بن حمد.
انتقل الشيخ عبد العزيز بن حمد بعد خراب الدرعية وسقوطها إلى مدينة1 عنيزة وتولى القضاء فيها ثم تحول إلى سوق الشيوخ بالعراق فولاه شيخ المنتفق  قضاءها إلى أن توفي فيما بعد المائتين والأربعين والألف رحم الله القاضي الشيخ عبد العزيز بن حمد وغفر له2.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  السحب الوابلة على ضرايح الحنابلة.
2  الغالب على الظن أن المترجم الشيخ عبد العزيز ابن الشيخ حمد ولد عام 1190هـوتوفي عام 1241هـ رحمه الله وغفر له.

 

ص -169-

الشيخ عثمان بن عبد الجبار بن شبانة
هو العالم الفقيه عثمان ابن عبد الجبار ابن الشيخ حمد بن شبانة الوهبي التميمي أخذ العلم عن عدة أشياخ كبار منهم ابن عمه الشيخ حمد بن عثمان ابن عبد الله والشيخ حمد التويجري وأخذ أيضا عن العالم عبد المحسن بن نشوان ابن شارخ القاضي في الكويت والزبير وعن الشيخ عبد العزيز بن عيد الإحسائي نزيل الدرعية وكان المترجم له فقيها له قدرة على استحضار أقوال العلماء وله معرفة في التفسير والفرائض والحساب تخرج على يديه وانتفع به خلق كثير منهم ابنه القاضي الشيخ عبد العزيز بن عثمان بن عبد الجبار والشيخ عبد الرحمن بن أحمد الثميري قاضي سدير بعد الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن "أبا بطين" والشيخ عثمان بن علي بن عيسى قاضي الغاط والزلفي وغيرهم وكان في الغاية من الورع والعبادة والعفاف عينه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود قاضيا لعسير وألمع عند عبد الوهاب "أبو نقطة" المتحمي وأقام هناك مدة ثم رجع وأرسله الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود أيضا قاضيا لعسير عند ابن حرملة وعشيرته ثم أرسله الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود قاضيا في عمان وأقام في رأس الخيمة يقضي بين الناس ويدرس طلاب العلم ومعه ابنه حمد ثم رجع ولما توفي عمه محمد قاضي بلدان سدير عينه الإمام سعود مكانه قاضيا لبلدان سدير واستمر في القضاء زمن الإمام سعود وزمن ابنه الإمام عبد الله وما بعدهما إلى أن توفي السابع والعشرين من شهر شعبان في عام1 1242هـ ألف ومائتين واثنين وأربعين رحمه الله وغفر له وعفا عنه وصلى الله على محمد وآله وسلم.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  أورد له الشيخ عثمان بن بشر ترجمة في حوادث سنة 1242هـ من الجزء الثاني من تاريخه رحم الله الجميع وغفر لهم.

 

ص -170-

الشيخ عبد العزيز بن حمد بن معمر
هو الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن الشيخ الإمام حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر ولد في الدرعية عاصمة الحكم السعودي ومركز الحركة العلمية في ذلك الحين وذلك سنة ألف ومائتين وثلاث من الهجرة ونشأ في وسط العلماء العاملين الذين كانت تزخر بهم الدرعية ونجد في ذلك الزمن فكان من شيوخه والده الشيخ حمد بن ناصر بن معمر والشيخ الإمام عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب والشيخ العلامة المؤرخ أبو بكر حسين بن غنام والشيخ أحمد بن حسين بن رشيد بن عفالق الحنبلي نزيل الدرعية غيرهم من العلماء فمهر في جميع العلوم والفنون فصار عالما محققا وفقيها متبحرا له اليد الطولى والباع الواسع في التصنيف والتأليف ونشر العلم وتخريج الكثير من الطلاب والرد على المعارضين وله عدة مصنفات وفتاوى ورسائل وأشعار ومن أشهر مصنفاته وأجلها الكتاب المسمى منحة1 القريب العجيب في الرد على عباد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  طبع بمصر سنة 1358هـ على نفقة شركة فن الطباعة بمصر وقد قال في كتابه منحة القريب المجيب بعد الخطبة والديباجة ما نصه "واعلم أن الكتاب الذي قصدنا الرد لباطله يشتمل على مقالتين. المقالة الأولى منها تنقسم إلى قسمين الأول/ في صفحة الشريعة المسيحية  والثاني/ في إثبات صحة كتب العهد الجديد يعني الأناجيل التي يعتمدها أهل النصرانية والمقالة الثانية تنقسم أيضاً إلى قسمين  الأول/ في الرد على اليهود المكذبين  والقسم الثاني/ في الرد على المسلمين  وهذا القسم أرشدك الله لما يرضيه هو الذي قصدنا الرد عليه فيه وأما ما قبله من الأقسام فهو إما في رسالة المسيح وأن دينه صحيح وهذا متفق عليه بين المسلمين قبل التبديل والنسخ بشريعة خاتم المرسلين وأما في الرد على اليهود في كفرهم بالإنجيل وقولهم بالزور في المسيح ابن البتول وهذا على الجملة صحيح مقبول لكن تلك الأقسام قد ضمنها النصراني أيضاً باطلا كثيراً ومزج بها بهتاناً وزورً وسيمر عليك –إنشاء الله – الرد عليه في ضمن ما كتبناه وذلك القسم الذي نقضناه يشتمل على خمسة فصول الخ ويقع الكتاب المذكور في 322 من القطع المتوسط.

 

ص -171-

الصليب ومن مصنفاته أيضا  اختصار نظم ابن عبد القوي للمقنع ونتقى عقد الفرائد وكنز الفوائد يوجد مخطوطة منه بالمكتبة السعودية بالرياض أخذ عنه العلم وانتفع كثير من العلماء لم يسعدني الحظ بالوقوف على أسمائهم وفي زمنه جرى على الديار النجدية والدولة السعودية ما جرى من التقتيل والتخريب فدمرت الدرعية عاصمة ملك آل السعود في ذلك الحين وتشتت علماؤها وقادة الدعوة الإسلامية الذين كانوا بها أخرجهم إبراهيم1 بن محمد علي باشا من أوطانهم ونفاهم إلى مصر وفر المترجم له الشيخ عبد العزيز بن معمر من الدرعية إلى البحرين وكان لا يزال شابا في العقد الثالث من عمره فأقام بها ولم تنقطع صلته بآل الشيخ الذين نقلوا إلى مصر فكان يكاتب الشيخ عبد الرحمن ابن حسن بأشعار يتوجع فيها على ما حل بنجد من الدمار والخراب وكانت الدولة الإفرنجية  قد مدت إصبعها في بلاد العرب وفكرت في أن تبسط نفوذها على هاتيك الربوع ومنها بلاد البحرين فإنها كانت مثار خلاف بين الإنكليز والفرنسيين والدولة العثمانية وأرسلت كل واحدة من هذه الدول مندوبا من قبلها فكان مندوب الإنكليز رجلا قسيسا اختارته انكلترا ليكون أبلغ إلى مقصودها بدهائه وعظيم مكره وليعمل على التبشير وبث الدعاية المسيحية فينشر في تلك البلاد الشبهات والشكوك النصرانية ليفتن الناس عم دينهم إن استطاع وتلك سياسة أوربا في كل الشرق الإسلامي أعظم ما تهتم له تشكيك الناس في دينهم مصدقا لقوله تعالى {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً}.
{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}
فحمل ذلك القسيس الإنكليزي كتابا أورد فيه شبهات نصرانية يزعم فيها تصحيح الملة المسيحية ودفعه إلى أمير البحرين وشيخها عبد الله بن خليفة وقد شحن القسيس كتابه بشكوك وشبهات كثيرة لظنه أنها ستروج على أهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  ولد هذا الطاغية إبراهيم باشا بقوله عام 1203 وتوفي بمصر عام 1265 قبل وفاة والده بأشهر.

 

ص -172-

تلك الديار. وطلب القسيس من الشيخ عبد الله1 بن خليفة أن يعرضه على علماء البحرين ليردوا على ما فيه أو يقروا بعجزهم وانقطاع حجتهم فعمد الشيخ خليفة إلى من كان عنده من علماء البحرين وطلب منهم الرد عليه فلما قرءوه وجدوا أنفسهم عاجزين عن الرد عليه فاعتذروا وقالوا: لا نستطيع الرد على ما فيه من الشبه ثم أرسله إلى علماء الإحساء فقالوا مثل ما قال علماء البحرين من إظهار العجز وعدم القدرة على الرد عليه وقال بعضهم: ليس هذا النصراني كفوا أن يجاب فحزن لذلك الشيخ ابن خليفة أشد الحزن واغتم به أشد الاغتمام فلما رأى من حوله من جلسائه وخواصه ما هو فيه من الهم والحزن لعجز علماء البحرين والإحساء عن دفع شبه ذلك القسيس قال له أحدهم: إنه قد نزل بالبحرين شاب من طلبة العلم النجديين فأرى أن تعرضه عليه لعل الله أن يزيح به عنا هذه الغمة فأعطاه الكتاب وأوصله إلى الشيخ عبد العزيز وقص عليه الأمر والقصة من أولها إلى آخرها فتناوله الشيخ وأمعن النظر فيه وقال: تأخذون مني دحض هذه الشبهة بعد شهر –إن شاء الله تعالى- فلبث شهرا وأتم الرد وبعث به إلى الأمير وفرح به أشد الفرح ودعي القسيس الإنكليزي وأعطاه الرد فلما طالعه عجب له واندهش جدا لما كان يظنه من عجز علماء البحرين وقال: هذا الرد لا يكون من هنا وإنما يكون من البحر النجدي فقال له الأمير نعم إنه أحد طلبة العلم النجديين.
وللشيخ عبد العزيز أشعار رائعة لا سيما رثاء الدرعية حين حل بها ما حل من الخراب والتدمير على يد إبراهيم بن محمد باشا ومنها القصيدة المعروفة عند علماء الدرعية بالطنانة أوردها الشيخ عثمان بن عبد الله بن بشر في تاريخه ونحن نوردها في هذا الموضع من ترجمته –رحمه الله- وهي هذه المقتطفات الآتية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن خليفة ولي إمارة البحرين بعد وفاة أخيه سلمان سنة 1236هـ.

 

ص -173-

إليك إله العرش أشكو تضرعا

وأدعوك في الضراء ربي لتسمعا

إلى أن قال:

وكم قتلوا من عصبة الحق فتية

هداة رضاة ساجدين وركعا

وكم دمروا من مربع كان آهلاً

فقد تركوا الدار الأنيسة بلقعا

فأصبحت الأموال فيهم نهائباً

وأصبحت الأيتام غرثى وجوعا

وفر من الأوطان من كان قاطنا

وفرق إلْفٌ كان مجتمعا معاً

إلى أن قال:

مضوا وانقضت أيامهم حين أوردوا

ثناء وذكرا طِيْبُهُ قد تضوعا

فجازاهم الله الكريم بفضله

جنانا ورضوانا من الله أرفعا

فإن كانت الأشباح منا تباعدت

فإن لأرواح المحبين مجمعا

عسى وعسى أن ينصر الله ديننا

ويجبر منا كل ما قد تصدعا

ويعمر للسمحا ربوعا تهدمت

ويفتح سبلا للهداية مهيعا

ويظهر نور الحق يعلو ضياؤه

فيضحى ظلام الشرك والشك مقشعا

إلهي فحقق ذا الرجاء وكن بنا

رؤوفا رحيما مستجيبا لنا الدعا

 

 

إلى أن قال:

ألا أيها الأخوان صبرا فإنني

أرى الصبر للمقدور خيرا وأنفعا

ولا تيأسوا من كشف ما ناب إنه

إذا شاء ربي كشف ذاك تمَزَّعا

فما قلت ذا أشكو إلى الخلق نكبة

ولا جزعا مما أصاب فأوجعا

فما كان هذا الأمر إلا بقدرة

بها قهر الله الخلائق أجمعا

وذلك عن ذنب وعصيان خالق

أخذنا به حينا فحينا لنرجعا

رقد آن أن نرجو رضاه وعفوه

وأن نعرف التقصير من فنقلعا

فيا محسنا قد كنت تحسن دائما

ويا راحما قد كان عفوك أوسعا

ص -174-

نعوذ بك اللهم من سوء صنعنا

فإن لنا في العفو منك لمطمعا

أغثنا أغثنا وادفع الشدة التي

أصابت وصابت واكشف الضر وارفعا

فجد وتفضل بالتي أنت أهله

من العفو والغفران يا غوث من دعا



توفي المترجم الشيخ عبد العزيز ابن الشيخ حمد بن معمر سنة ألف ومائتين وأربع وأربعين من الهجرة ببلدة البحرين وقد رثاه الشيخ أحمد بن علي بن مشرف بقصيدة تبلغ أبياتها ستة وعشرين بيتا مطلعها:

أشمس الهدى غابت أم البدر آفل

أم النجم أمسى لونه وهو حائل


ورثاه غيره رحم الله الجميع وغفر لهم إنه سميع مجيب وصلى الله على محمد وآله وسلم.

 

ص -175-

الشيخ أبا بطين
هو الإمام العلامة الفقيه الشيخ1 عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن سلطان بن خميس، الملقب كأسلافه أبا بطين –بضم الباء وفتح الطاء وسكون الياء- العائذي2 نسبا، الحنبلي مذهبا، النجدي بلدا.
ولد هذا العالم في بلدة الروضة من بلدان سدير، لعشر بقين من ذي القعدة سنة أربع وتسعين ومائة وألف من الهجرة، ونشأ بها وقرأ على عالمها محمد ابن الحاج عبد الله بن طراد الدوسري الحنبلي، فمهر في الفقه، ثم رحل إلى شقراء عاصمة الوشم بنجد واستوطنها، وقرأ على قاضيها الشيخ العلامة الورع التقي عبد العزيز بن عبد الله الحصين –بضم الحاء- الناصري التميمي، تلميذ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
قرأ عليه في التفسير والحديث والفقه وأصول الدين، وحتى برع في ذلك كله، وأخذ عن العلامة أحمد بن حسن بن رشيد العفالقي الإحسائي ثم المدني الحنبلي، وعن الشيخ العلامة حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر التميمي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  ترجم له صاحب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة وترجم له خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام ج4 ص232 الطبعة الأخيرة وذكر أنه رحل إلى الشام ولا أدري ما هو مصدره في ذلك.
2  من عائذ الظفير ذكر ذلك الشيخ محمد بن مانع في ص179 في تعليقه على مجموعة التوحيد المطبوعة على نفقة علي بن عبد الله آل ثاني. منشورات المكتب الإسلامي بدمشق.

 

ص -176-

صاحب رسالة "الفواكه العذاب، في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب" وجد واجتهد حتى صار إماما من أئمة العلم في زمنه -رحمه الله-.
ولما تولى الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود على الحرمين الشريفين سنة ألف ومائتين وعشرين من الهجرة، ولاه قضاء الطائف فباشره بعفة وتثبت، وعدالة تامة، وتأن في الأحكام، وجلس هناك للتدريس والتعليم، وقرأ عليه جماعة كثيرون في الحديث والتفسير، وعقائد السلف. وقرأ هو على السيد حسين الجفري في النحو1 ثم رجع إلى بلدة شقراء، وصار قاضيا عليها، وعلى جميع بلدان الوشم، وجلس مع القضاء في شقراء للتدريس والتعليم، وأخذ عنه العلم جماعة. منهم: الشيخ محمد بن عبد الله ابن سليم، والشيخ محمد بن عمر بن سليم. والشيخ علي بن محمد بن علي بن حمد بن راشد. والشيخ إبراهيم بن حمد بن عيسى وابنه الشيخ أحمد، والشيخ علي بن عبد الله بن عيسى. والشيخ سليمان بن عبد الرحمن. والشيخ عبد الله بن عبد الكريم بن معيقل. والشيخ محمد بن عبد الله بن مانع. وابنه عبد الرحمن، والشيخ صالح بن حمد بن نصر الله وغيرهم. ثم إن الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، أرسله إلى بلدة عنيزة قاضيا عليها وعلى جميع بلدان القصيم، وذلك بعد ولاية الإمام تركي بن عبد الله على نجد، بثمان سنوات أي سنة 1248هـ.
وبعد ما قتل الإمام تركي شهيداً، وتولى بعده ابنه الإمام فيصل، أقره على قضاء القصيم، فبقي قاضيا على بلدان القصيم سنين عديدة، وقد قرأ عليه خلق كثير بالقصيم، وتخرجوا عليه وانتفعوا به، وكان رحمه الله جلدا


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  وذكر الشيخ عثمان ابن الشيخ عبد الله بن بشر أن المترجم تولى القضاء في ساحل عمان للإمام عبد الله بن سعود ابن الإمام عبد العزيز وذلك حينما ذكر ترجمة الإمام عبد الله بن سعود وذكر قضائه.

 

ص -177-

على التعليم والتدريس، لا يمل ولا يضجر، كريما سخيا ساكنا وقورا، دائم الصمت قليل الكلام، كثير التهجد والعبادة، قليل المجيء إلى الناس. وقد كتب بخط يده المتقن الجيد كتباً كثيرة قيمة، وقد اختصر بدائع الفوائد للإمام ابن القيم وكتب حاشية نفيسة على شرح المنتهى. جاءت في مجلد ضخم، وكتب تعليقات على شرح الدرة المضية شرح1 عقيدة السفاريني. وقد رد على طاغية العراق وداعية الكفر والضلال، داود بن سليمان بن جرجيس البغدادي بكتاب سماه"تأسيس2 التقديسفي كشف تلبيس داود ابن سليمان بن جرجيس" وألف ردا ثانيا سماه "الانتصار3 لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين" وله فتاوى كثيرة طبعت ضمن رسائل علماء دعوة التوحيد المسماة "بالرسائل والمسائل النجدية" ولما كان في 1270هـ رجع من مدينة عنيزة إلى بلدة شقراء، بسبب إلحاح أهل شقراء على الإمام فيصل في طلب إرجاعه إليهم وأقام بشقراء مستمرا على حالته المذكورة يقضي بين الناس وينشر العلم تأليفاً وتدريساً حتى توفي في السابع من جمادى الأولى سنة 1282هـ ولا أعرف له أبناء إلا ابنه عبد العزيز كان من رجال الإمام عبد الله آل فيصل وقتل عبد العزيز4 المذكور سنة 1301هـ في وقعة الحمادة التي حصلت بين الإمام عبد الله ابن الإمام فيصل ومحمد بن عبد الله بن رشيد ولعبد العزيز "أبا بطين" المذكور حفيد هو عبد العزيز مدير مصلحة الأشغال -رحم الله- المترجم الشيخ عبد الله "أبا بطين" وغفر له.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  هي المسماة لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية النظم والشرح للشيخ أحمد بن الحاج السفاريني المتوفى 1189هـ. ترجم لمحمد بن أحمد السفاريني صاحب مسلك الدرر وصاحب السحب الوابلة.
2  طبع كتاب تأسيس التقديس سنة 1344 بمصر بمطبعة عيسى البابي الحلبي.
3  وطبع كتاب الانتصار بالمطبعة السلفية سنة 1378هـ على نفقة الشيخ عبد الملك بن إبراهيم ابن عبد اللطيف آل الشيخ.
4  عبد العزيز ابن الشيخ عبد الله "أبا بطين" المذكور هو رسول الإمام عبد الله ابن الإمام فيصل إلى مدحت باشا في القضية التاريخية المعروفة –رحم الله الجميع وغفر لهم-.

 

ص -178-

الشيخ حمد بن عتيق
هو العلامة الفاضل المحقق الشيخ حمد بن علي بن محمد بن عتيق بن راشد ابن حميضة واشتهر بابن عتيق نسبة إلى جده الثاني عتيق، وكذلك ذريته إنما يعرفون بآل عتيق.
ولد هذا العالم المحقق في بلدة الزلفي من بلدان نجد سنة ألف ومائتين وسبع وعشرين من الهجرة، وقرأ القرآن حتى حفظه، ثم بعد ذلك سمت همته وتاقت نفسه إلى طلب العلم الشريف، فسافر من بلدة الزلفي في سبيل هذه المهمة، فقدم الرياض سنة ألف ومائتين وثلاث وخمسين من الهجرة، وذلك في زمن الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، فمكث بها تسع سنين يقرأ فيها على الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وكان حريصا مجتهداً، فرغ نفسه من جميع المشاغل وأقبل على العلم برغبة شديدة فتخرج على الشيخ عبد الرحمن بن حسن المذكور، فمهر في علم الفقه والعقائد وأصول الدين والتوحيد.
وولاه الإمام فيصل قضاء الخرج ثم الحلوة ثم نقل منها إلى قضاء الأفلاج. واستقر بها وجلس لطلاب العلم، يقرءون عليه فتخرج به خلائق لا يحصون كثرة، من أجلهم علامة نجد وزعيمها الديني الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف، رحل إليه في بلدة الأفلاج عام 1294هـ. وقرأ عليه مدة سنتين. وقرأ ابنه العلامة الجليل الشيخ سعد بن حمد بن عتيق العالم المشهور. وابنه الشيخ عبد العزيز بن حمد بن عتيق. وقد ألف الشيخ المترجم

 

ص -179-

له حمد بن عتيق مؤلفات كثيرة مفيدة.منها "أبطال التنديد، شرح كتاب التوحيد" ورسالة "بيان النجاة والفكاك"، ورسالة "الدفاع عن أهل السنة والإتباع" ورسالة كتبها لصديق بن حسن خان ملك بهوبال، ينبهه فيها على أخطاء وقعت في تفسيره، وله غير ذلك رسائل كثيرة، تبلغ مجلدا طبعت مفرقة ضمن رسائل أئمة الدعوة المسماة "بالرسائل والمسائل النجدية".
وقد كان معروفا بقوة الإيمان وصلابة الدين ونشر الدعوة، توفي سنة 1301هـ ألف وثلاثمائة وسنة من الهجرة في بلدة الأفلاج –رحمه الله-. وخلف أبناء هم الشيخ سعد بن عتيق، والشيخ عبد العزيز، والشيخ عبد اللطيف، والشيخ عبد الله، وغيرهم من أبنائه وكلهم انتقلوا إلى رحمة الله، وله اليوم أحفاد، يقطنون بلدة الأفلاج، رحم الله الشيخ حمد بن عتيق، وغفر له وأسكنه فسيح جناته، وصلى الله على محمد وصحبه وسلم.

 

ص -180-

الشيخ محمد بن سليم
هو الشيخ العلامة محمد بن عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن صالح بن حمد بن محمد بن سليم، ولد بمدينة بريدة بالقصيم ونشأ بها وقرأ القرآن ثم قرأ العلم على الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن المشهور "بأبا بطين" ثم رحل إلى مدينة الرياض وقرأ على العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وعلى ابنه العلامة الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن ثم رجع إلى مدينة بريدة ودرس بها وأفتى.
فأخذ عنه العلم بمدينة بريدة خلق كثير نذكر منهم الورع الزاهد الشيخ عبد الله بن محمد بن مفدى "فَدَّاء" والشيخ عثمان بن حمد بن مضيان الذي تولى قضاء "أبو عريش" في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن –رحمه الله-. وأخذ عنه ابنه إبراهيم بنم محمد بن عمر وإبراهيم بن حمد بن جاسر1 في  في بداية أمره وصالح بن كريديس وسليمان بن عبد الله بن حميد وعبد الرحمن بن غيث وابن عمه الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم2 قاضي القصيم بعد أخيه المذكور.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إبراهيم بن حمد بن جاسر عرض له شبه فاسدة وفارق علماء دعوة التوحيد السلفية وانحاز إلى الضد والله أعلم بما مات عليه وبما ختم له به.
2 الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم وأخوه الشيخ عمر بن محمد بن سليم يجتمعان مع شيخهما المترجم الشيخ محمد بن عمر بن سليم في جدهم صالح بن حمد بن محمد بن سليم.

 

ص -181-

ولم يزل المترجم الشيخ محمد بن عمر بن سليم قائماً بنشر العلم وبث الدعوة إلى الله إلى أن توفي سنة 1308هـ وخلف أبناء نذكر منهم إبراهيم وسليمان وعبد العزيز انتقلوا فيما بعد إلى رحمة الله، وله أحفاد أشهرهم عبد الله ابن إبراهيم ابن الشيخ محمد بن عمر بن سليم، تولى إدارة المدرسة السعودية في مدينة بريدة في أول تأسيسها ثم تولى إدارة المدرسة الأهلية بمدينة الرياض ثم تولى إدارة معهد المعلمين بمدينة بريدة وأظنه لا يزال مديرا للمعهد المذكور. رحم الله الشيخ المترجم محمد بن عمر بن سليم وغفر له وعفا عنه وجميع علماء المسلمين وعامتهم إنه سميع مجيب.

 

ص -182-

الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم
هو الشيخ العلامة محمد1 بن عبد الله بن حمد بن محمد بن صالح بن حمد ابن محمد بن سليم. ولد بمدينة بريدة بالقصيم سنة 1240هـ ونشأ بها وقرأ القرآن نظرا وعن ظهر قلب ثم اشتغل بالعلم فأخذ عن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن المشهور "أبا بطين" ثم رحل إلى مدينة الرياض فقرأ بها على العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وابنه الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن ثم رجع إلى بلده ولازم الشيخ سليمان بن علي بن مقبل قاضي مدينة بريدة وتوابعها في زمنه. ولما عزم الشيخ سليمان بن علي بن مقبل على السفر إلى مكة المكرمة للإقامة بها والمجاورة بالحرم الشريف أشار على أمير بريدة آنذاك بتولية المترجم الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم القضاء فقبل مشورته وولاه القضاء فاستمر قاضياً ومفتياً ومدرساً لطلاب العلم زهاء اثنتين وعشرين سنة وكان بينه وبين الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن مراسلات موجودة في مجموع الرسائل والمسائل النجدية.
تلامذته:
أخذ عنه العلم خلق كثير نذكر منهم: نجليه الشيخ عبد الله والشيخ عمر والشيخ عبد الله بن سليمان بن بلهيد، والزاهد الورع عبد الله بن محمد بن فداء "مفدى" وعبد الله بن دخيل قاضي بلدة المذنب وعبد الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  يلتقي مع ابن عمه محمد بن عمر في جدهم صالح بن حمد وأصلهم من أهل الدرعية.

 

ص -183-

ابن محمد قاضي مدينة عنيزة في حياته، وعلي بن مقبل، وعثمان بن حمد بن مضيان، وعبد الرحمن بن عبد العزيز بن عويد، ومحمد بن حمد بن مضيان، وأخذ عنه فوزان بن عبد العزيز صاحب الشماسية، وعبد الرحمن ابن ناصر العجاجي، وعبد العزيز بن عبد الله بن فداء وصالح بن دخيل، وعبد الله بن أحمد آل رواف وغيرهم.
توفي –رحمه الله- بمدينة بريدة سنة 1323هـ وخلف ابنين عالمين هما: الشيخ عبد الله والشيخ عمر، وسنورد لكل واحد منهما ترجمة وافية في هذا الكتاب –ان شاء الله- رحم الله الجميع وغفر لهم وعفا عنهم إنه سميع مجيب وصلى الله على محمد وآله وسلم.

 

ص -184-

الشيخ أحمد بن عيسى
هو الشيخ العلامة أحمد بن إبراهيم بن حمد بن محمد بن حمد بن عبد الله ابن عيسى من قبيلة بني زيد القبيلة المشهورة بشقراء وغيرها من بلدان الوشم بنجد وهي قبيلة قضاعية.
مولده:
ولد في بلدة شقراء سنة ثلاث وخمسين ومائتين وألف فقرأ القرآن حتى ختمه ثم شرع في القراءة على الشيخ الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن "أبا بطين" ثم ارتحل إلى مدينة الرياض فأخذ عن الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وعن ابنه العلامة الشهير عبد اللطيف ثم توجه إلى مكة لقضاء فريضة الحج وعاد ثم أخذ يتردد على مكة للتجارة وعلى جدة وكان غالب تجارته الأقمشة القطنية وعامل في التجارة والشراء عبد القادر بن مصطفى التلمساني أحد تجار جدة ومن ذوي الأملاك في القطر المصري، كان يدفع له أربعمائة جنيه ويشتري بألف ويسدد الباقي أقساطاً1 ودام التعامل بينه وبين الشيخ التلمساني زمناً طويلا. وكان لصدقه وأمانته ووفائه أثر طيب في نفس الشيخ التلمساني حتى أخذ يبيعه كل ما يحتاج إليه مؤجلا يسدده فيما بعد أقساطاً وقال له التلمساني: إني عاملت الناس أكثر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  يسدد الباقي أقساطا بكفالة مبارك المساعد البسام مولاهم وكان مبارك المذكور من تجار عنيزة بالقصيم مقيما بجدة.

 

ص -185-

من ثلاثين عاماً فما وجدت أحسن من التعامل معك يا وهابي، ويظهر أن ما يشاع عنكم يا أهل نجد مبالغ فيه من خصومكم السياسيين بسبب الحروب التي وقعت بينكم وبين أشراف مكة والمصريين والأتراك. فقد أشاعوا عنكم أقولا منكرة فسأله الشيخ أحمد أن يبينها له. فقال له الشيخ التلمساني: يقولون إنكم لا تصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تحبونه. فأجابه الشيخ أحمد: سبحانك هذا بهتان عظيم كيف ونحن نعتقد أن من لا يصلي عليه في التشهد الأخير صلاته باطلة ونعتقد أن من لا يحبه كافر، وإنما نحن أهل نجد ننكر الاستغاثة والاستعانة بالأموات، لا نستغيث إلا بالله وحده ولا نستعين إلا به سبحانه كما كان على ذلك سلف الأمة، واستمر النقاش بينه وبين التلمساني ثلاثة أيام وأخيراً هدى الله الشيخ التلمساني للحق وصار موحداً ظاهراً وباطناً، ثم سأله الشيخ التلمساني أن يوضح وجه الخلاف بينهم وبين خصومهم في باب أسماء الله وصفاته ونعوت جلاله فقال الشيخ أحمد: إنا نعتقد أ، الله فوق سماواته بائن عن مخلوقاته مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته من غير تشبيه ولا تجسيم ولا تأويل وهكذا اعتقادنا في جميع آيات الصفات وأحاديثها، كما جاء عن الإمام أبي الحسن الأشعري في كتابيه الإبانة في أصول الديانة ومقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ودامت المناظرة بينهما في هذه المسألة خمسة عشر يوماً لأن الشيخ التلمساني كان أشعرياً درس في الجامع الأزهر كتب العقائد الأشعرية، السنوسية وأم البراهين وشرح الجوهرة وغيرها وقد انتهت هذه المناظرات الطويلة بإقناع الشيخ التلمساني بأن عقيدة السلف هي الأسلم والأحكم والأعلم، ثم بعد هذا صار الشيخ التلمساني –رحمه الله- من دعاة العقيدة السلفية وطبع على نفقته كتباً كثيرة وكان يوزعها مجاناً، مثل "الصارم المنكي في الرد على السبكي" لابن عبد الهادي، والكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية المعروفة بالنونية للإمام ابن القيم، والاستعاذة من الشيطان الرجيم لابن مفلح والمؤمل في الرجوع إلى

 

ص -186-

الأمر الأول لأبي شامة المؤرخ الدمشقي والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان للإمام أحمد بن تيمية والرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي1 مع رسائل أخرى ضمن الرد الوافر، وغاية الأماني في الرد على النبهاني للسيد محمود شكري الألوسي البغدادي وقد هدى الله كذلك الوجيه الحجازي الشهير الشيخ محمد بن حسين بن نصيف –رحمه الله- على يد المترجم.
مؤلفاته:
ألف المترجم الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى ردودا كثيرة على علماء الضلال وأنصار البدع، منها كتاب تنبيه النبيه والغبي في الرد على المدواسي2 والحلبي وله الرد على ما جاء في خلاصة الكلام من الطعن على الوهابية والافتراء لدحلان (خ) والرد على شبهات المستعين بغير الله رد به على شبهات داود ابن سليمان بن جرجيس البغدادي (ط) وكتاب توضيح المقاصد وتصحيح3 القواعد شرح به نونية الإمام ابن القيم "المسماة بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية" طبع بمطابع المكتب الإسلامي بدمشق وهو يقع في جزأين.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ابن ناصر الدين هو محمد بن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن علي القيسي الدمشقي الشافعي الشهير بابن ناصر الدين.
2  كتاب تنبه النبيه والغبي طبع ضمن مجموعة الرد الوافر لابن ناصر وهو يقع في 85 صفحة من القطع الكبير استهله بقوله "الحمد لله الذي علا في سمائه وجلا باليقين قلوب أوليائه" إلى أن قال "أما بعد فقد وقعت على مؤلف لبعض المعاصرين من أهل مدارس حاصله هذيان ووسواس مسمى بالتنبيه والتنزيه فرأيت فيه ألفاظا في غاية الركاكة وكلمات ملحونة لا يتكلمها إلا الحاكة". وقال في آخره: "وكان الفراغ من إتمام هذا الرد المبارك يوم الاثنين المبارك ثاني عشر جمادى الآخر سنة 1320هـ ووافق ذلك بمكة المكرمة حماها الله تعالى وسائر بلاد الإسلام على يد راقمه ومؤلفه أحمد بن إبراهيم بن عيسى" وتحته ما نصه "وكان الفراغ من إتمام طبعه في الثاني والعشرين من شهر شعبان المعظم سنة 1329هـ".
3  كان يوجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة الشيخ فوزان السابق سفير الحكومة السعودية في مصر والمتوفى سنة 1373 بمصر –رحمه الله وغفر له-.

 

ص -187-

تلامذته:
أخذ عنه العلم خلق كثير في نجد والحجاز وأعرف منهم الشيخ عبد الستار الدهلوي، والشيخ أبا بكر خوقير الحنبلي والشيخ سعد بن حمد بن عتيق حج ومكث ستة أشهر قرأ فيها على المترجم شرح الزاد "الروض المربع شرح زاد المستقنع".
وقد جالس المترجم الشيخ أحمد بن عيسى أثناء إقامته بمكة وتردده عليها أمير مكة عون بن محمد بن عبد المعين بن عون المتوفى سنة 1323هـ فأقنعه بهدم القباب المشيدة على القبور في مكة وجدة والطائف، فهدمها إلا قبة قبر حواء وقبة قبر خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقبة قبر ابن عباس بالطائف فإنه لم يهدم هذه القباب الثلاث خوفا من السلطان عبد الحميد العثماني أن يعزله عن الإمارة.
وقد رجع المترجم إلى نجد بعدما توفي الشريف عون سنة 1323هـ واستقر بها وولاه الأمير عبد العزيز بن متعب بن رشيد قضاء المجمعة وجميع مقاطعة سدير فبقي في قضاء مقاطعة سدير حتى قتل عبد العزيز بن متعب ودانت المجمعة لجلالة الملك عبد العزيز آل سعود وذلك سنة 1324هـ فعزله الملك عبد العزيز عن القضاء وولى مكانه الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري وقد كان المترجم الشيخ أحمد بن عيسى عادلا فيس القضاء مشكور السيرة إلى أن توفي بعد صلاة يوم الجمعة رابع جمادى الآخر سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وخلف ابناً لا يزال موجودا إلى اليوم وله أبناء رحم الله الشيخ أحمد وغفر له وعفا عنه إنه سميع مجيب.

 

ص -188-

الشيخ ابن محمود
هو الشيخ الفقيه محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمود بن منصور ابن عبد القادر بن محمد بن علي بن حامد، يمت بنسبه إلى علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء رضي الله عنها ويجتمع مع آل حامد المعروفين في السيح من قرى الأفلاج في جدهم حامد المذكور.
مولده:
ولد سنة خمسين ومائتين وألف من الهجرة ببلد ضرماء نمن بلدان العارض بنجد ونشأ بها بين والديه إلى سن التمييز ثم صار في حضانة أمه وقرأ القرآن حتى ختمه نظرا وعن ظهر قلب ثم اشتغل بقراءة العلم على قاضي بلدة ضرماء آنذاك عبد الله بن نصير وقي سنة خمس وستين ومائتين وألف قدم مدينة الرياض فقرأ فيها على الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وابنه الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن والشيخ عبد الرحمن بن عدوان أحد قضاة الرياض في زمنه والشيخ عبد العزيز بن شلوان من قضاة الرياض آنذاك ثم أرسله الإمام فيصل بن الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود لأهل وادي الدواسر قاضياً وأقام عندهم ثلاث سنين ثم أعفي من القضاء ورجع إلى مسقط رأسه بلدة ضرماء ثم عين قاضيا لها ومكث في قضاء بلدة ضرماء إلى سنة 1280هـ وفي سنة 1283 بعد وفاة الإمام فيصل نقله الإمام عبد الله ابن الإمام فيصل إلى قضاء مدينة الرياض فاستقر فيها وصار إلى

 

ص -189-

جانب القضاء يقوم بتدريس الفقه الحنبلي ويصلي بالناس الفروض الخمسة بمسجد الجامع الكبير، فأخذ عنه عدة تلاميذ نذكر من فضلائهم ما يأتي:
تلامذته:
الشيخ إبراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف.
والشيخ عبد الله ابن الشيخ حسن رئيس القضاة في حياته رحمه الله.
والشيخ حسين ابن الشيخ حسن المتوفى في عمان –بتخفيف الميم-.
والشيخ محمد ابن الشيخ عبد اللطيف.
والشيخ عمر ابن الشيخ عبد اللطيف.
والشيخ عبد الله بن مسلم.
والشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن.
والشيخ عبد الله الحجازي.
والشيخ محمد بن عياف آل مقرن.
والشيخ عبد الله بن جريس من أهل ضرماء.
وغير هؤلاء.
توفي المترجم الشيخ محمد بن محمود في مدينة الرياض في شهر صفر 1333هـ عن ثلاث وثمانين سنة وقبر بمقبرة العود رحمه الله وغفر له. وخلف ثلاثة أبناء هم: عبد الله وعمر وعلي وكلهم انتقلوا إلى رحمة الله ولهم أبناء وأحفاد في بلدة منفوحة.

 

ص -190-

الشيخ عيسى بن عكاس
هو العلامة الورع التقي الشيخ عيسى بن عبد الله بن عكاس ينتهي نسبه إلى قبيلة سبيع القبيلة المعروفة بنجد وكان أجداده يسكنون في عنيزة بنجد ثم رحلوا إلى الإحساء عام 956هـ فطابت لهم الإقامة فيها وكثر نسلهم، تزوج والده عبد الله بشريفة بنت أحمد بن إسماعيل المدني سنة 1250هـ فأنجبت أولادا منهم المترجم له وكان مولده بالإحساء عام 1268هـ ونشأ بها.
وكان كفيف البصر له نور ضئيل يشع من إحدى عينيه، فحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب ثم اشتغل بالقراءة على أشياخ وقته بالإحساء فقرأ الفقه المالكي على الشيخ أحمد بن مشرف قاضي الإحساء في حياته والمتوفى عام 1285هـ وقرأ الفقه الحنبلي وعقائد السلف الصالح على الشيخ عبد الرحمن الوهيبي قاضي الإحساء في حياته والمتوفى عام 1282هـ وبعد ما ارتوى من معين المعرفة جلس لطلاب العلم في الإحساء يقرأون عليه في الموطأ وفقه الإمام مالك وفي النحو والحديث والتفسير وعلم العقائد وكان نادرة في الحفظ والاستحضار1 وحسن الهدي والسمت فطلبه الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني حاكم قطر للإقامة عنده لنشر العلم وعقيدة السلف فسافر إلى قطر وأقام بها سنة ينشر العلم والعقيدة ثم رجع إلى الإحساء واستمر في تدريس العلم على حالته المذكورة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  قال عنه فضيلة الشيخ عبد الله بن عمر بن دهيش: سمعته يملي كتاب موطأ الإمام مالك من حفظه –رحمه الله-.

 

ص -191-

توليه القضاء:
ولما استولى الملك عبد العزيز ابن الإمام عبد الرحمن ابن الإمام فيصل آل سعود على الإحساء في ثمانية وعشرين جمادى الأولى عام 1331هـ عينه قاضياً للإحساء وذلك في غرة محرم عام 1334هـ واستمر في القضاء مدة حياته وكان -رحمه الله- يأبى أشد الإباء أن يأخذ على القضاء أجرا زهادة منه وتورعا.
تلامذته:
قرأ عليه وتخرج به عدد غير قليل من أهل الإحساء وغيرهم قبل أن يتولى القضاء وبعد ولايته القضاء نذكر منهم على النحو التالي:
1. الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى مؤلف كتاب عقد الدرر وكتاب بعض الحوادث الواقعة بنجد.
2. محمد الباهلي من أهل الرياض النازحين إلى الإحساء.
3. أحمد بن محمد بن بريك الأحسائي.
4. الشيخ سيف المدفع قاضي الشارقة بعمان.
5. عبد العزيز بن سويلم من أهل الرياض النازحين إلى الإحساء.
6. إبراهيم بن طوق من أهل الدرعية النازحين إلى الإحساء بعد خراب الدرعية.
7. حسين بن على بن نفيسة من أهل ضرماء.
8. حمد بن عبد الرحمن بن عمران من أهل الرياض المقيمين بالإحساء.
9. فهيد بن سويدان من أهل منفوحة المقيمين بالإحساء.
10. الشيخ عبد العزيز بن عمر بن عكاس المتوفى عام 1383هـ رحمه الله. 
11. محمد بن سليمان أبا الغنيم من أهل نجد المقيمين بالإحساء.

 

ص -192-

وقرأ عليه غير هؤلاء خلق كثير من أهل نجد وأهل قطر ورأس الخيمة والشارقة وعمان وأم القيوين وقرأ عليه فضيلة الشيخ عبد الله بن عمر بن دهيش قال فضيلته: قرأت عليه الموطأ للإمام مالك قبل وفاته بسنتين أي سنة 1336هـ وقال عنه أيضاً: كان الشيخ عيسى بن عكاس يقرر العلوم من حفظه على تلاميذه ليلا ونهارا في مسجد بجوار داره وكان في بيته أكثر من ثلاثين طالباً من المغترين من أهل نجد وعمان وقطر يقوم بنفقتهم من المأكل من ماله الخاص وقال فضيلته عنه أيضاً:كان الشيخ عيسى قوي الحجة بلغي أنه لما وردت عليه كتب الإمام صديق بن حسن عالم بهبال من الهند وهي كتاب الدين الخالص للإمام محمد بن علي الشوكاني وكتب أخرى وذلك عام 1317هـ عارضه في توزيعها أناس من أهل الاحساء وجرت بينه وبينهم مناظرة فقطعهم بالحجة والبرهان وأقام الدليل الواضح بأنها من كتب السلف تدعو إلى التمسك بالكتاب والسنة وعدم التعصب المذهبي فقنعوا واستمر في توزيعها –رحمة الله-. وقال فضيلته أيضاً:وكان الشيخ عيسى ابن عكاس يقرض الشعر على طريقة العلماء نظم باب الحيض وقد سقط من منظومة شيخه الشيخ احمد بن مشرف لكتاب العبادات. وكان محباً للدعوة السلفية التي قام بنشرها الإمام محمد بن عبد الوهاب ونصره على ذلك الإمام محمد بن سعود وأحفاده من بعده إلى هذا اليوم خلد الله ملكهم. وقال أيضاً وكان الشيخ عيسى محباً للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود يلهج بالثناء عليه والدعاء له بالعز والنصر والتمكين.
أبناؤه:
تزوج الشيخ عيسى بلطيفة بنت إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد المدني ابنة عم والدة فضيلة الشيخ عبد الله بن عمر بن

 

ص -193-

دهيش لطيفة بنت حسين بن إسماعيل المدني وأنجبت منه خمسة أبناء عبد الله وعمر وعثمان وعلي وحسن.
وفاته:
توفي المترجم الشيخ عيسى بن عكاس في رابع شوال عام 1338هـ بالإحساء وخلف أبنائه الخمسة المذكورين آنفا فأما ابنه عبد الله فتوفي بعده وأما عمر فهو الآن في الوقت الحاضر إمام مسجد الجميح بجدة وأما علي وعثمان فكل واحد منهما إمام مسجد بالطائف رحم الله الشيخ عيسى بن عكاس وغفر له وأسكنه فسيح جنته. وقد رأيت له في صغري وثائق عند والدي في الأحكام بين الناس ووثائق في بيع وشراء العقارات يقول في آخر الوثيقة مانصه "أملاه الفقير إلى رب الناس عيسى بن عبد الله بن عكاس" ويضع في آخرها ختمه –رحمه الله- هذا وقد استقيت مواد ترجمته من فضيلة الشيخ عبد الله بن عمر بن دهيش جزاه الله خيراً ونفع بعلومه وصلى الله على محمد وآله وسلم.

 

ص -194-

الشيخ إبراهيم بن عيسى
هو الشيخ العالم المؤرخ الشهير إبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن حمد بن عبد الله بن عيسى، من قبيلة بني زيد1 القبيلة المعروفة في شقراء وفي غيرها من بلدان الوشم، ولد ببلدة أشيقر2 سنة ألف ومائتين وسبعين من الهجرة ونشأ بها وتلقى العلم فيها على مشاهير علمائها ثم قام برحلات متعددة إلى الهند والإحساء والبصرة والزبير وجد في طلب العلم فأخذ عن الشيخ العلامة عيسى بن عكاس قاضي الإحساء في زمنه ولازمه مدة عشر سنوات وأخذ عن الشيخ صالح بن حمد المبيض أحد علماء الحنابلة3 المقيمين ببلدة الزبير. وأخذ عن ابن عمه الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى وكان –رحمه الله- ذا قناعة في الدنيا وزهد في المناصب يتباعد عنها ولا يرغبها، فقد طلب منه أعيان مدينة عنيزة أن يتولى القضاء في مدينتهم فأبى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  بنو زيد عشيرة المترجم يرجعون في أصل نسبهم إلى قضاعة بني مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير على رواية علي بن محمد بن حزم في الجمهرة ص444 ورواية القلقشندي في نهاية الأرب ص400 ومن أراد معرفة جميع بطون هذه القبيلة قبيلة بني زيد وأراد معرفة جميع فروعها المنتشرة في بلدان نجد فليراجع كتاب المنتخب في معرفة أنساب العرب لعبد الرحمن بن زيد المغيري اللامي طبعة المدني بمصر.
2   أشيقر بلدة قريبة من شقراء وأكثر سكانها في الزمن الأول إلى ما قبل أربعين سنة وهبة تميم وقد ذكرها الحفصي بقوله "الأشيقر باليمامة قرية بني عكل قال مضرس بن ربعي:

تحمل من وادي أشيقر حاضره

وألوى بريعان الخيام أعاصره

3   صالح بن حمد المبيض توفي في شهر شوال سنة 1315هـ وكان قاضيا لبلدة الزبير -رحمه الله-.

ص -195-

وكان يجلس لطلبة العلم في بلدة أشيقر في المسجد الجامع بعد طلوع الشمس وفي المسجد الجنوبي بعد صلاة الظهر، وقد كتب بخطه من الفوائد ما يقارب عشرين مجموعا وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع في تعليقه1 على مجموعة التوحيد النجدية المطبوعة بمنشورات المكتب الإسلامي في بيروت على نفقة الشيخ علي بن عبد الله بن ثاني ص436 ان الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى المترجم خمسين ترجمة لعلماء نجد الذين أهمل ذكرهم صاحب "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة2".
تلامذته:
وقد أخذ عنه العلم تلاميذ تخرجوا على يديه -رحمه الله تعالى- منهم الشيخ عبد الله بن زاحم رئيس قضاة المدينة المنورة في حياته -رحمه الله- والشيخ عبد الله بن جاسر رئيس هيئة التمييز بالمنطقة الغربية والشيخ محمد بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  محمد بن عبد العزيز بن مانع توفي بمدينة بيروت سنة 1385هـ ونقل إلى قطر ودفن فيه –رحمه الله- وسنورد له ترجمة في هذا الكتاب إن شاء الله.
2  صاحب " السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" هو محمد بن عبد الله بن علي بن عثمان بن حميد من أهل مدينة عنيزة المشهورة بالقصيم ولد بها سنة 1236هـ وقرأ العلم على قاضيها آنذاك الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن "أبا بطين" ثم رحل إلى مكة المكرمة وقرأ على علمائها في الحرم الشريف ثم قام برحلات إلى اليمن والشام ومصر والعراق وفلسطين ثم عاد إلى مكة وعكف على التدريس بالمسجد الحرام، وألف كتباً منها السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، ترجم فيه العلماء الحنابلة وبدأ من حيث وقف قلم عبد الرحمن بن رجب إلى أن أتى على العلماء المعاصرين لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وترجم لهم وأهمل ذكر علماء دعوة التوحيد السلفية شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وتلامذته وأبنائه وأحفاده وأهمل ذكر معاصريه اللذين عاش في عصرهما وهما الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وابنه العلامة الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن وسبب ذلك خلاف عقائدي حصل بين ابن حميد والعلامة الشيخ عبد الرحمن ابن حسن فرد عليه الشيخ عبد الرحمن برد سماه "المحجة في الرد على اللجة" واللجة لقب ابن حميد المذكور.

 

ص -196-

علي البيز قاضي جدة ثم الطائف وغير هؤلاء من لم أقف على أسمائهم، وقد تصدى المترجم الشيخ إبراهيم ن صالح بن عيسى لخدمة تاريخ نجد وكتابته فكان ما كتبه ذيله على كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد للشيخ عثمان بن عبد الله بن بشر النجدي تلبية لأمر جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود –رحمه الله- وقد سماه "عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في أواخر القرن الثالث عشر وأول القرن الرابع عشر" وبدأه من السنة التي وقف عليها الشيخ عثمان بن عبد الله بن بشر وهي سنة ألف ومائتين وثمان وستين من الهجرة وألف كتاب "تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد" وقد لبث رحمه الله في بلدته أشيقر ينشر العلم تدريساً ويجمع ما يستطيع جمعه من أخبار بلاد نجد حتى أرهقته الشيخوخة فانتقل في الحادي عشر من صفر سنة 1342هـ إلى مدينة عنيزة بالقصيم فعاش فيها بقية حياته القصيرة إلى أن وافته المنية في الرابع والعشرين من شهر شوال سنة 1343هـ في مدينة عنيزة وخلف ابنين هما عبد الرحمن وعبد العزيز رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جنته إنه سميع مجيب وصلى الله على محمد وآله وسلم.

 

ص -197-

الشيخ حمد بن فارس
هو الشيخ حمد بن فارس بن محمد بن رميح من قبيلة سبيع ولد سنة ثلاث وستين ومائتين وألف تقريباً فنشأ على يد والده فارس ورباه تربية طيبة ولازمه ملازمة تامة فتخصص عليه في علم الفرائض والحساب وغيرهما من العلوم ثم قرأ على الشيخ عبد الله بن حسين المخضوب الهاجري1 صاحب الخطب المنبرية المشهورة ثم قرأ على الشيخ العلامة عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن ابن حسن في الفقه والنحو وصار أنحى علماء زمنه بنجد وتولى حفظ بيت مال للإمام عبد الله بن فيصل ثم للإمام عبد الرحمن ثم لجلالة الملك عبد العزيز آل سعود فكانت تجبى إليه زكوات الحبوب والتمور من بلدان نجد2 ويقوم على حفظها في مخازن معدة لها بقصر الرياض ويقوم بتوزيعها حسب الأوامر العالية وكذلك أوقاف آل سعود وضحاياهم كانت موكولة إليه وهو المسئول عنه -رحمه الله-.
وكان له معرفة في الفلك وداوم على التعليم في مسجد الشيخ عبد الله ابن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  توفي الشيخ عبد الله بن حسين المخضوب بالخرج حيث كان قاضياً لها عام 1315هـ.
2 خلفه في حفظ الزكوات إبراهيم بن عبد الله الشايقي وفي أقاف آل سعود وضحاياهم ابنه محمد بن حميد بن فارس وفي عهد إمام المسلمين الملك فيصل بن عبد العزيز أصدر أمره الكريم إلى الجباة بأن زكوات ثمار كل بلد تعطى فقراءه فورا ولا تحتاج إلى نقل كما كانت. زنظم أوقاف آل سعود واعتنى بحفظ وصاياهم وأضحيتهم فأسس لها دائرة في بناية خاصة مكتوب عليها "دائرة أوقاف آل سعود" ووكل أمرها إلى لجنة من المشهورين بالأمانة والتقوى تستلم غلالها وتقوم بإخراج معيناتها من الأضاحي وغيرها أيد الله إمام المسلمين بتوفيقه ونصره إنه سميع مجيب.

 

ص -198-

الشيخ عبد اللطيف من بعد صلاة الصبح إلى الساعة الرابعة نهارا في النحو والفقه وأخذ عنه هذين العلمين كثير من العلماء لا يحضرني عددهم. وكان -رحمه الله- يرى صيام يوم الثلاثين من شهر شعبان إذا حال من دون رؤية الهلال ليلة الثلاثين من شعبان قترٌ أو غيم وذلك على القول المرجوح  رحمه الله وعفا عنه وسامحه.
وفاته:
توفي في الساعة العاشرة بعد العصر في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وألف وصلي عليه في جامع الرياض وأم الناس في الصلاة عليه الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ وشيعه خلق كثير ودفن في مقبرة العود وخلف ابناً هو محمد توفي عام 1387هـ وخلف عدة أبناء رحم الله الشيخ حمداً وابنه محمداً وغفر لهما وجميع المسلمين وصلى الله على محمد وآله وسلم.

 

ص -199-

الشيخ سليمان بن سحمان
هو العلامة الشهير صاحب المؤلفات والردود الذي حرد قلمه وسخر يراعه لنصرة الإسلام والنضال عن عقيدة التوحيد الشيخ سليمان بن سحمان بن مصلح ابن حمدان بن مسفر بن محمد بن مالك بن عامر الخثعمي التبالي العسيري  النجدي وأصله –رحمه الله- من تبالة قرية من أعمال بيشة كانت مضرب المثل في الرخاء والخصب قال لبيد بن ربيعة العامري:

فالضيف والجار الجنيب كأنما

هبطا تبالة مخصبا أهضامُها

أصل الشيخ من هذه القرية المشهورة فنزح والده منها إلى مدينة أبها عاصمة عسير فولد الشيخ في قرية1 من أعمال أبها تسمى السقا وذلك سنة 1266هـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  لما استقر والده بمدينة أبها تزوج امرأة من أهالي القرا محلة من محلات أبها وأنجبت منه ثلاثة أبناء: الشيخ سليمان ومحمدا وعبد الكريم وكانت قد تزوجت قبل سحمان بزوج ورزقت منه بابن اسمه فايع ولما نزح سحمان من عسير إلى نجد ونزح معه بابنيه الشيخ سليمان ومحمد ترك ابنه عبد الكريم ووالدته بأبها ولما وصل مدينة الرياض فتح مدرسة لتحفيظ القرآن بجوار مسجد الشيخ بحي دخنة وأخذ يعلم أبناء آل الشيخ القرآن وغيرهم من أبناء أهل مدينة الرياض وتزوج امرأة من آل مزيعل سكنة "أبا الكباش" من أعمال مدينة الرياض وأنجبت منه ابنا اسمه إسماعيل ابن سحمان استشهد في وقعة البكيرية عام 1322هـ وهو غاز في جيش الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وخلف ابنا اسمه ناصر بن إسماعيل بن سحمان طالب علم توفي بمدينة الرياض عام 1350هـ أخذ الشيخ سحمان والد المترجم له يعلم القرآن في مدينة الرياض وبعد وفاة الإمام فيصل ابن الإمام تركي بسنتين أي 1284هـ رحل بابنيه الشيخ سليمان ومحمد إلى بلدة العمار من بلدان الأفلاج بنجد وأخذ يدرس أبناء بلدة العمار القرآن إلى أن توفي ببلدة العمار عام 1289هـ فخلفه في تدريس القرآن ابنه محمد وقد أنجب محمد ابناً اسمه عبد العزيز وعبد العزيز أنجب ابناً اسمه عبد الرحمن وعبد الرحمن المذكور هو قاضي الأفلاج حالياً.

 

ص -200-