بسم الله الرحمن الرحيم
لا تظن أن دعاءك لم يُستجب،
ولا تظن أن كلماتك المبحوحة في جوف الليل
ذهبت أدراج الرياح،
ولا تظن أن دمعتك التي سقطت لأجل غزة ضاعت
في التراب.
لا، ثم لا، ثم ألف
لا.
إن الدعاء لا يُهمل، ولا يُنسى، ولا
يضيع،
هو يسير في طرق الغيب، يُحدث في الكون ما لا
تراه العيون،
يصنع أثره ،ويعمل في صمتٍ، لكنه يُزلزل
في الأثر.
دعاؤك يا مؤمن لم يكن كلماتٍ تُقال،
بل كان سهامًا خرجت من قلبٍ مكلومٍ إلى
السماء،
سهامًا لا تخطئ وجهتها، تُصيب في موضعٍ لا
تراه،
فتسقي أرضًا بالعون،
وتُطفئ نارًا بالرحمة، وتُبدّد ظلمةً بالنور.
دعاؤك أخرج
رجلاً كان تحت الركام،
دعاؤك أنقذ شيخًا
حُبس بين الأنقاض،
دعاؤك أعاد الحياة
لجريحٍ كانت أنفاسه تختنق،
دعاؤك وصل كدفءٍ في
ليلٍ باردٍ إلى أمٍّ فقدت أبناءها،
دعاؤك أطفأ صاروخًا
قبل أن يبلغ هدفه،
دعاؤك فتح باب رزقٍ
لمُحاصَرٍ لا يجد لقمةً،
دعاؤك قوّى قلب
مجاهدٍ حين تعب الجسد وضعُف السند،
دعاؤك صبر أرملةً
حين جفّ دمعها واشتدّ وجعها،
دعاؤك كان ستراً على
فتاةٍ خائفةٍ ترتجف في ظلمة الليل،
دعاؤك كتب الله به
حياةً جديدةً لطفلٍ خرج من الموت بأعجوبة.
كم من بلاءٍ صُرف عن أهل غزة
بدعائك،
وكم من رصاصةٍ انحرفت عن مسارها بدمعتك،
وكم من قدرٍ كان قاسيًا، فدفعه الله به لأن
قلبك خفق بالرجاء!
الدعاء لا يُقاس بنتائج مرئية،
فكم من استجابةٍ خفيّةٍ لا نعلمها إلا يوم
تكشف الأسرار،
وكم من أبواب رحمةٍ فُتحت في الغيب لأنك قلت
من قلبك:
اللهم فرّج عن أهل غزة،
اللهم احفظهم بحفظك.
حين ترفع
يديك، لا تستصغر نفسك،
فكلمة “يا رب” التي
تخرج من قلبٍ صادق
قد تغيّر مجرى
الأحداث في الأرض،
لأن الله تعالى قال:
((وَقَالَ رَبُّكُمُ
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)).
فهل بعد وعد الله شكّ؟
لا تقل: "دعونا كثيرًا ولم يتغيّر
شيء"،
بل قل: "دعونا الله، فصرف الله عنا وعنهم ما
لا نعلم من الشر، وثبّت قلوبًا، وأنزل سكينةً، وكتب نصرًا، وكتب لنا
الاجر لأن الدعاء عبادة.
إن الدعاء ليس ضعفًا،
بل هو قوة من نوعٍ آخر،
قوة المؤمن حين تُغلق الأبواب،
قوة القلوب التي ترفض أن تيأس مهما اشتدّ
البلاء.
فادعُ لغزة كما لو أن كل روحٍ فيها
من أهلك، وهم كذلك.
ادعُ كما لو أن بيتك هو الذي يُقصف،
ادعُ كما لو أنك بينهم تتنفس الغبار،
فما تدري، لعلّ دعاءك يكون هو الفرج
المنتظر،
ولعلّ الله كتب في
الغيب أن تكون أنت سبب رحمةٍ تنزل على أرضٍ صابرةٍ محاصرة.
غزة لا
تنتظر فقط الدواء والطعام،
إنها تنتظر دعاء الصادقين،
تنتظر قلوبًا تهتف باسمها في الليل،
تنتظر سجدةً تُكتب في ميزان نصرها،
تنتظر دمعةً تُطفئ نارًا وتروي أرضًا
عطشى للأمان.
فلا تملّ من
الدعاء،
ولا تقل "ما الفائدة؟"،
فالفائدة هي أن تكون ممن يقف بين يدي
الله حين يعجز كل شيء،
وأن تشارك في صناعة الفرج بصوتك الخاشع
ودمعتك الصادقة.
ادعُ، وكرّر
الدعاء، وأيقن أن الله يسمع، ويرى، ويعلم، ويُجيب،
وما كان الله ليُخلف وعده للمظلومين.
وغدًا حين يُشرق النصر من بين
الدمار،
وحين تُرفع الرايات على أطلال الألم،
سيعلم كل من دعا أن صوته لم يضع،
بل كان جزءًا من معجزةٍ
نسجها الله بدموع الصابرين ودعاء المؤمنين.
اللهم يا ناصر المستضعفين، ويا جابر
المنكسرين،
يا من لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في
السماء،
نسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تكون مع
أهل غزة،
أن تحفظهم بحفظك، وتكلأهم برعايتك، وتربط
على قلوبهم بثباتك.
اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا، اللهم
أبدل خوفهم أمنا وجوعهم شبعا وحزنهم فرحًا، ونفس كربهم وفرج همهم.
واكتب لهم نصرًا مبيناً وعليك
باليهود المعتدين اللهم خذهم أخذ عزز مقتدر اللهم عليك بالصهاينة
المعتدين.. اللهم
احصهم عددًا واقتلهم بددًا ولا تغادر منهم أحدًا
آمين يا رب العالمين.