يقول الزعيم محمود بهجت
سنان - عراقي - في كتابه " الكويت زهرة الخليج العربي " ( ص 162-163)
متحدثًا عن ذكرياته في الكويت : ( إن المرأة الكويتية حتى سنين قلائل كانت
ترتدي الجلباب عند خروجها من منـزلها، والجلباب رداء طويل الذيل يزحف
وراءها على الأرض ما يقارب المتر إمعاناً في ستر قدميها أثناء المسير، إذ
أن أغلبهن كن يفضلن المشي حافيات الأقدام في الطرقات، والنادر منهن من
تنتعل الحذاء أو القبقاب، ويستر
وجهها نقاب كثيف تشع عيناها من
فتحتين صغيرتين فيه تجاه العينين.
وأما الصفات التي تمتاز بها المرأة
الكويتية فهي تمسكها بتعاليم الدين وهي لا تعرف إلى التبرج سبيلاً
، ولا تستعمل من وسائل الزينة غير
الحناء في أكفها وأرجلها ورأسها، وتتعطر بدهن الورد والمسك ودهن العود، وهي
العطور المفضلة عندها ) . ( ويوم كنتُ في الكويت أقيمت مظاهرة من قبل قسم
من طالبات المدارس يطلبن رفع الحجاب، وقد جمعن ما لديهن من البراقع (البواشي
) وأحرقنها ) !
- وتقول لورنس ديونا - وهي صحفية سويسرية
زارت الكويت عام 1968م وكتبت انطباعاتها وملاحظاتها في كتابها " المرأة في
الكويت بين الحصير والمقعد الوثير " ( ص 27،22-21 ) :
( إن
جميع النساء
كن قبل ثلاثين سنة يتسربلن بالنقاب
و"العباية" ، أما "البوشية" - ذلك الحجاب الرقيق- فيخفي وراءه، وما زال
يخفي أيضاً في أوساط بعض العائلات المحافظة، وجه بنات المدينة ) .
( وفي الكويت جامعتان منفصلتان: الأولى
للفتيان، والثانية للفتيات، وهذا التقسيم الذي رغب بعض النواب في سنه
قانوناً دائماً، ومن حسن الحظ أن الأمير عبدالله السالم، المتوفى قبل سنوات
قليلة، كان قد عارضه ، يكلف البلاد مصاريف باهظة ) !!
- ويقول المؤرخ الكويتي يوسف القناعي في
كتابه " صفحات من تاريخ الكويت " ( ص 86 ) : ( وتخرج المرأة لقضاء حاجتها
من السوق أو للزيارة متحجبة،
والسفور لا يُعْرف بالكويت ) .
ويُخبرنا الأستاذ حمد السعيدان في "
الموسوعة الكويتية المختصرة " ( ص 1475) عن أول فتاة كويتية زاولت العمل
المختلط - للأسف- فيقول : ( وتعد الآنسة شيخه القطامي أول فتاة كويتية
تنخرط في سلك العمل جنباً إلى جنب مع الرجل، وكان ذلك عام 1957) . أما
عبدالله الحاتم فيرى أن ( أول فتاة كويتية اقتحمت ميدان العمل واشتغلت
موظفة هي الآنسة شريفة عبدالوهاب القطامي بدأت حياتها هذه عام 1960م بأن
اشتغلت موظفة في شركة نفط الكويت ) . " من هنا بدأت الكويت ، ص 88 " . قلت
: لعلهما أختان .
أما عن بداية تمثيل ( قلة من النساء ) على
المسرح في الكويت ؛ فقد حدثت عندما استُقدم المخرج المصري " زكي طليمات "
بجهود من الوزير الحالي صباح الأحمد - هداه الله - لتطوير ( ! ) المسرح
الكويتي . فقام طليمات باستدراج المرأة المسلمة لهذا العمل المشين بخطة
إبليسية ساعده فيها ثلة من مرضى القلوب والمغفلين .
يقول الأستاذ يوسف التركي في كتابه " لمحات
من ماضي الكويت " ( ص 52) : ( وكان من جملة الأشياء التي لحظها الأستاذ زكي
طليمات خلال زيارته للكويت عام 1958 أن المسرحيات ليست مكتوبة، ولذا اقترح
أن تكتب المسرحية ثم وزع الأدوار على الممثلين لحفظها ،
كما لاحظ أن الرجال يقومون بأدوار النساء
ولذا كان من رأيه استقدام ممثلات من خارج الكويت
لعدم توافرهن في الكويت ) .
ولنستمع إلى طليمات نفسه يحكي لنا ماقام به
:
يقول - والتعجب مني - : ( حينما كنتُ في
القاهرة أحزم حقائبي للقدوم إلى الكويت، مستجيباً لدعوة كريمة من جانب
وزارة الشئون الاجتماعية والعمل لأن أتولى أمر توجيه النشاط المسرحي الذي
تشرف عليه، وأرسي أسساً صحيحة في فنون التمثيل، كان تساؤل الناس يحوطني من
كل جانب، وكأنني مقدم على مجازفة خطيرة، أو معركة غير متكافئة.
ومن مشفقٍ ما عسى أن أفعل في قِطْرٍ حديث
العهد بالتحرر الاجتماعي كما تفهمه الحياة الحديثة، وبسفور المرأة خاصة،
والمعلوم أنه عسير كل العسر أن تقوم قائمة للمسرح في قطرٍ يحكمه الحفاظ
والمحافظة. ( ! )
حق وصدق أنني أمام تجربة قاسية ومثيرة ..
ولكن ما الجديد في الأمر؟ حياتي في المسرح كلها تجارب قاسية ومثيرة، ولم
أخرج من إحداها بمال ادخرته، إذ ما زلتُ حتى الآن أركب قدمي أينما سرت، وإن
خرجتُ من هذه التجارب بنشوة الباني الذي يزهو بأنه رفع بناءً وأشاد. ( ! )
سألت نفسي: ماذا في الكويت من مظاهر النشاط
المسرحي؟ ثم ماذا تريده الكويت مني على وجه التحقيق؟ مظاهر النشاط هنا تكاد
تنحصر في الحفلات التمثيلية التي يحييها الطلاب بين جدران المدارس، ثم في
الحفلات القليلة التي يقدمها "المسرح الشعبي"، وأعضاؤه أيضاً من هواة
التمثيل، وهي حفلات يحضرها الجمهور بالدعوات المجانية، وتجري غير متتابعة،
وتقدم مسرحيات مرتجلة باللهجة الكويتية، تعالج الأحوال القائمة في أسلوب
فني متعثر، ليس من المسرحية الحقة إلا المظهر، وليس لهذه المسرحيات نصوص
مكتوبة يتقيد بها الممثلون، هذا والأداء التمثيلي يجري من جانب الممثلين
دون تقيد محكم فيما يبدونه كلاماً وإيماءةً وحركةً تبعاً لمقاييس ومعايير
تستمد قيمها من موضوع المسرحية ومن الانفصالات التي تجري في شخوصها.
ومع هذا، فإن الجمهور يستمتع بهذه الحفلات
إذ لا يجد غيرها مجالاً للتنفيس وللتعبير عما يحسه.
وفي جميع ما تقدم ذكره من مظاهر النشاط
المسرحي، يقوم الرجال بأدوار النساء؛ لأن العُرْف السائد في نواحيه
المتزمتة ( ! ) يحول دون أن تعتلي المرأة المسرح إلى جانب الرجل، حتى ولو
كانت من غير نساء الكويت.
على ضوء ما تقدم تتضح مهمتي فيما يريده مني
الكويت لمسرحه الناشئ:
الخطوة الأولى: وقد اتخذتها قبيل قدومي إلى
الكويت، إذ وافق الكرام المسئولون
على أن أستقدم معي من القاهرة ممثلتين محترفتين،
وهيئة ممن يديرون الحركة المسرحية، فاخترت السيدتين: زوزو حمدي الحكيم،
وجيهان رمزي، وكلتاهما من تلاميذي، للأولى خبرة وماض مشرِّف في خدمة
المسرح، وللأخرى استعداد خصب يبشر.
وأخذنا نعمل ... أقول (نحن ) ولست (أنا )
وحدي فإذا قلت نحن، فإنني أعني المسئولين في الوزارة، ومن أجريت ذكرهم، ثم
أعضاء الفرقة (فرقة المسرح العربي ) الذين اخترتهم من الشباب الكويتي
والعربي.
أعلنت عن حاجتي إلى شباب يعمل بالفرقة التي
ترعاها الوزارة وتشرف عليها، فتقدم أكثر من مائتين وخمسين شاباً، ولم تتقدم
فتاة كويتية واحدة، واستغرق أمر اختيار الصالح منهم ثلاثة أسابيع، إذ أن
الرغبة وحدها في أن تصبح ممثلا لا تفيد ما لم يكن وراءها استعداد فطري
لتلقي فنون المسرح.
وفي أثناء هذه الفترة وقد دوت أبواق
الدعاية للفرقة الناشئة عن طريق الراديو والتلفزيون، وبعد محاضرات عدة
ألقيتها في شأن المسرح، في ماهيته، وفي أن أهدافه تحرر وتثقيف ( ! ) وليست
تحللاً وتزييفاً، وقعت أعجوبة!
تقدمت فتاتان كويتيتان موظفتين في وزارة
الصحة، لتعملا ممثلتين، على الرغم من تزمت المتزمتين ( ! ) فعانقتُ في
قدومهما الأمل الحلو في نجاح مهمتي، كما ازددت ثقة في أن الكويت على أبواب
تطور اجتماعي في حياة المرأة.
وتم إعداد المسرحية بقدوم شهر رمضان وأعلنت
استعداد الفرقة لافتتاح موسمها الأول.
ولكن أصواتاً حكيمة، ارتفعت تهمس لي بأن
أخذ التريث، وأن أرجئ افتتاح الموسم إلى ما بعد انتهاء شهر الصوم، حتى لا
تتحرك أوكار المتزمتين والرجعيين – وفي كل قطر عربي يوجد هذا الطراز من
الناس- ( ! ) فيهاجمون الفرقة بدعوى أننا لم نوقر شهر الصوم التوقير كله،
فأخرجنا النساء إلى جانب الرجال فوق المسرح، وبينهن فتاتان من الكويت .
وأخيراً: أعترف بأنني لم أكن أُقَدِّر هذا
النجاح، وعندما راجعت الأمر بين نفسي وبين مخزونها من التجارب التي تمرست
بها، ازداد يقيني بأن العمل الجيد يلقى جزاءه الطيب، لقد أحسن أعضاء الفرقة
القيام بمهمتهم فكان جزاؤهم التوفيق. ولكن فرحتي الكبرى، أنه لم يهب إعصارٌ
من جانب المتزمتين فيطيح بالفتاة الكويتية من فوق المسرح ( ! ) . إن اسمي
"مريم صالح" و"مريم غضبان" سيدخلان تاريخ المسرح الكويتي كرائدتين،
وسيكونان دائماً على رأس القائمة لمن تليهما من الفتيات الكويتيات اللواتي
سيؤلفن بنشاطهن الفني نقطة انطلاق جديدة في نشاط المرأة الكويتية ) .انتهى
حديث طليمات ؛ ( مجلة العربي ، العدد 43 ، ونقلته ظمياء الكاظمي في كتابها
: الحركة المسرحية في الخليج العربي ، ص 146-136) .
قلتُ : لقد باء الهالك بهذه السنة السيئة
التي سنها لمن جاء بعده . وقد كانت نهايته غير مأسوف عليه مأساوية ؛ حيث
فقد عدة أعضاء من جسده بالعمليات المتتالية - نسأل الله السلامة - " انظر :
صفحات من حياتهم ، لمحمد نصر ، ص 109 ) .