| 
       | 
      
  
   
	بسم الله الرحمن الرحيم
		
		
		الحمد لله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه 
		وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين . . وبعد :
		بما أن الأمة تعيش في أزمة مالية وطنية صعبة ، وغلا في المعيشة ، وصعود 
		مهول في العقار ، وارتفاع للأسعار ، كل ذلك غير مبرر ولا حقيقة له إلا 
		الجشع والطمع من قبل تجار فجار لا يخافون الله ولا يخشونه ، وإنما همهم 
		بطونهم وما تمتلئ به من أموال الناس ظلماً وعدواناً ، في غش وغدر وخيانة 
		للأمة لم يُرى لها مثيل في تاريخنا المجيد .
		ولكنهم التجار الذين قال لهم صلى الله عليه وسلم : " يَا مَعْشَرَ 
		التُّجَّارِ " ، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم 
		وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ : " إِنَّ 
		التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً إِلاَّ مَنِ 
		اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ " [ رواه الترمذي وغيره وقَالَ : حَدِيثٌ 
		حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
		وهنيئاً لمن اتقى الله في تجارته ، وكان كسبه حلالاً ، وشاب رزقه عن الحرام 
		، وأحسن مع إخوانه المسلمين ، فكان كسبه قليلاً ، لكن بإذن الله سيكون دخله 
		كثيراً .
		وطوبى لمن بر في تجارته وصدق مع إخوانه المسلمين ، وأعطى وتجاوز وأحسن 
		فبشرى له ، ومآله الجنة بإذن الله تعالى ، قال النَّبِيِّ صلى الله عليه 
		وسلم : " كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِراً 
		قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ 
		يَتَجَاوَزَ عَنَّا ، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ " [ متفق عليه ] . 
		السوق فيه خير كثير ، ورزق وفير ، وأجر كبير ، لمن صلحت نيته ، وخلص عمله ، 
		ولهذا نرى جميع العمالة الوافدة إلينا تسعى للسوق فور وصولها أرض البلاد ، 
		فيحصلون على مبالغ مالية هائلة ، ويحولون مليارات الدولارات سنوياً إلى 
		بلاد هم ، ومنهم من أقام الشقق والمحلات التجارية والشركات والمؤسسات في 
		بلده بسبب عمله في السوق المحلية لدينا ، بينما الكثير من شبابنا يقبعون 
		تحت أغطية النوم نهاراً ، وتحت أسقف المقاهي والملاهي ليلاً ، فأين الخير 
		الذي يرجونه ، وأين المال الذي يطلبونه ؟ لا يمكن أن يتحقق لهم مطلب إذا 
		استمروا على حالهم اليوم .
		ونحن إذ نشجع الشباب على الدخول في السوق للتجارة والكسب الحلال ، لندعو 
		الدولة بكل كوادرها وجهاتها توفير الجو المناسب والمال الداعم لهؤلاء 
		الشباب ، ليكونوا تجاراً ينصرون أمتهم بأموالهم ، لا يطففون في ميزان ولا 
		كيل ، يتقون الله ويخشونه ، ويتعاملون مع المسلمين بما في كتاب الله تعالى 
		وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، إذا وجد من شبابنا من يغامر ويدخل السوق 
		بمساعدة مالية من الدولة أو غيرها فسوف يحصدون رزقاً داراً بمشيئة الله ، 
		ففي التجارة خير وبركة ورزق عظيم ، وأجر في الدنيا والآخرة ، عَنْ أَبِي 
		سَعِيدٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " 
		التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ 
		وَالشُّهَدَاءِ " [ رواه الترمذي وغيره وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ] . 
		النبي صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة ، وكان يتاجر 
		لخديجة رضي الله عنها ، فالعمل ليس عيباً ، بل العيب فينا وفي نظرة المجتمع 
		الخاطئة لمن يتاجر ، وللأسف فهي نظرة ليس لها حظ من النظر ، بل المفترض أن 
		نساعد الشباب ، ونقوي عزائمهم ، ونشحذ هممهم ، ونشد على أيديهم ، وندلهم 
		على السوق ، لكسب الأجر والخير والمال الكثير ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِى 
		السَّائِبِ أَنَّهُ كَانَ يُشَارِكُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم 
		قَبْلَ الإِسْلاَمِ فِي التِّجَارَةِ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ 
		جَاءَهُ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : " مَرْحَباً بِأَخِي 
		وَشَرِيكِي ، كَانَ لاَ يُدَارِى وَلاَ يُمَارِى ، يَا سَائِبُ قَدْ كُنْتَ 
		تَعْمَلُ أَعْمَالاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ لاَ تُقْبَلُ مِنْكَ وَهِيَ 
		الْيَوْمَ تُقْبَلُ مِنْكَ " [ رواه أحمد ] .
		العمل ليس عيباً ، ولا نقصاً في حق الإنسان بل الأنبياء قبلك كانوا تجاراً 
		، فلست أحسن منهم ولا خيراً منهم أبداً ، بل هم أفضل من مشى على الأرض ، 
		وهم صفوة خلق الله وأقربهم إليه سبحانه ، كانوا تجاراً ، ولم يكونوا 
		يتسولون أو يشحذون أو يقفون في المساجد والطرقات يسألون الناس أموالهم ، بل 
		كانوا يتاجرون بأنفسهم ، لم يذلوا أنفسهم لأحد من البشر ، بل أغنياء 
		بالقناعة وما يأتيهم من كسب ولو كان قليلاً .
		عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم 
		قَالَ : " مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ 
		مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ 
		السَّلاَمُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ " [ رواه البخاري ] .
		وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله 
		عليه وسلم قَالَ : " كَانَ زَكَرِيّا _ عليه السلام _ نَجَّاراً " [ رواه 
		مسلم ] .
		وكان داود عليه السلام حداداً يصنع الدروع للقتال ، بوب البخاري : باب 
		قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً ) : الزُّبُرُ 
		الْكُتُبُ ، وَاحِدُهَا زَبُورٌ ، { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا 
		فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } قَالَ مُجَاهِدٌ : سَبِّحِي مَعَهُ 
		، { وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ } : 
		الدُّرُوعَ ، { وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ } : الْمَسَامِيرِ وَالْحَلَقِ ، 
		وَلاَ يُدِقَّ الْمِسْمَارَ فَيَتَسَلْسَلَ ، وَلاَ يُعَظِّمْ فَيَفْصِمَ ، 
		{ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .
		ألا أيها الشاب ، أيها المسلم ، يا من تخجل من العمل ، تأمل ما يقوله لنا 
		عليه الصلاة والسلام عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ 
		صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى 
		الْغَنَمَ " ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ ؟ فَقَالَ : " نَعَمْ كُنْتُ 
		أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ " [ رواه البخاري ] . 
		فالعمل ليس عيباً بقدر ما هو فخر وعز للإنسان ، انظر إلى كبار التجار اليوم 
		بماذا بدءوا ، الغزالي صاحب الماركات من الساعات ، كان يبعها على بسطة 
		صغيرة ، حتى أصبح اسمه لا يدانى في عالم الساعات ، وقد وصلت أسعار بعض 
		الساعات لديه عشرات الآلاف من الريالات , وكذلك الراجحي كان يعمل في 
		الصرافة ويتاجر فيها حتى أضحى شيئاً كبيراً في عالم المال والأعمال .
		وهكذا غيرهم كثير بدءوا صغاراً ثم أصبحوا كباراً في عالم التجارة ، فلا 
		تبتئس ولا تخذل بما تسمع من نظرات وآراء أناس ربما لم يريدوا لك خيراً ، 
		وربما لم ينظروا إلى ما تنظر إليه أنت أو غيرك في التجارة فرأوها عاراً 
		وذلة ، وإنما هي عز وشرف لك من يعمل في التجارة أياً كان نشاطه ، فالأنبياء 
		كانوا تُجاراً ، ولم يخجلوا من حرفهم وصناعاتهم التي كانوا يعملون بها .
		فهيا إلى السوق . . . فهو خير وسيلة لكسب الحلال بإذن الله تعالى ، وأعظم 
		أمر تعف به نفسك وأهلك ، ولا تتعرض فيه إلى منة أحد من الناس ، بل كل من 
		عمل يديك ، فهو خير كسب وأفضل مال ، إذا اتقيت الله فيه وبررت وصدقت مع 
		المسلمين في تعاملك وبيعك وشرائك .
		ثم احذر الحرام في مالك فهو سبيل الهلاك والدمار والحساب العسير في الدنيا 
		والآخرة ، وهو سبب الضيق والضنك والهم والغم والحزن والبلاء ، قال الله 
		تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ 
		بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ 
		مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ 
		رَحِيماً{29} وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ 
		نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } [ النساء29-30 ] 
		.
		عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى 
		الله عليه وسلم : { أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ 
		إِلاَّ طَيِّباً ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ 
		بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ 
		الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } ، 
		وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا 
		رَزَقْنَاكُمْ } ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ 
		أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، 
		وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، 
		وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ " [ رواه مسلم ] .
		
		لقد قضى على أسواقنا عمالة لا تعرف لله طريقاً ، أكثرهم لا يصلون ، بل ربما 
		أتوا بجوازات سفر فيها الجنسية : مسلم ، وهو لا يدين بدين الإسلام ، وهذا 
		مشاهد ملموس ، وكثير منهم في قلبه مرض من حقد وحسد وكراعية وبغضاء وانتقام 
		على المسلمين عموماً ، وعلى أهل البلد خصوصاً ، فتركت هذه الأمور تأثيراً 
		سلبياً في أسواقنا ، من غش وتدليس وكذب وخيانة وعمالة للخارج ، وبضاعة 
		مقلدة ومعيبة ، بل ولها آثار جانبية خطيرة على صحة الناس ، تحكموا في 
		أسواقنا وشبابنا غافلون ، وضعوا الأسعار التي يردونها بتواطئهم وخيانتهم 
		وشبابنا متقاعسون .
		فهيا شباب الإسلام ، السوق مفتوح ذراعيه ، أقبلوا عليه ، فهناك الخير 
		والرزق والكسب الحلال ، ودعوا الكسل والملل ، واكسروا حاجز الخوف والخجل ، 
		فالخجل كل الخجل أن يبقى الشاب حبيس المنزل كالفتاة ، لا يعمل ولا يكد ولا 
		يكسب ولا يتعب ، بل ربما كان عالة على أُسرته ومجتمعه وأًمته ، ثم يطالب 
		بنفقة وراتب وهو جالس في البيت ، مع أن الرزق مصدره معروف ، ومكانه لا يخفى 
		على أحد ، فشدوا الهمة ، وتاجروا التجارة الرابحة ، فهناك الخير المدرار 
		بإذن الله الغني الحميد .