| 
       | 
      
  
   
	بسم الله الرحمن الرحيم
		
		الحمد لله الجبار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد 
		القهار ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار ، صلوات ربي وسلامه 
		عليه ما تعاقب الليل والنهار ، وعلى آله الأطهار ، وأصحابه من المهاجرين 
		والأنصار ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى دار القرار . . وبعد :
		أب يقول إن أولاده الذين من صلبه يضربونه ويهددونه بالطرد من بيته الذي 
		بناه .
		وأم بعد وفاة زوجها يضربها أولادها بالخيزران لأجل الاستيلاء على أموال 
		إخوانهم وأخواتهم القصر ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، اللهم 
		لا تشقينا في أولادنا ، اللهم ارحم والدينا كما ربونا صغاراً ، اللهم 
		ارزقنا برهم والإحسان إليهم في حياتهم وبعد موتهم ، وارزقنا بر أولادنا في 
		حياتنا وبعد مماتنا يا رب العالمين .
		كم من الآباء والأمهات من يشكو عقوق أبنائهم وبناتهم ولا حول ولا قوة إلا 
		بالله العلي العظيم ، لقد أضحى العقوق اليوم لوناً من ألوان الحياة الأسرية 
		، وصبغة منزلية ، يتأوه خلالها آباء وأمهات حرقة العقوق ، والذين لطالما 
		ضحوا وتعبوا وسهروا وجاعوا وعطشوا لأجل أبنائهم وبناتهم ، فكان جزاء 
		الإحسان والعطف والحنان والرحمة ، العنف والغلظة والضرب وسوء الخلق ونكران 
		الجميل ، والله تعالى يقول : { هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ } 
		[ الرحمن60 ] ، من الذي تعب وحمل في بطنه ثم قاسى آلام الحمل والوحم والوضع 
		والرضاع والتربية ؟ إنها الأم ، نعم إنها الأم أيها الأبناء والبنات ، هي 
		سبب وجودكم في هذه الحياة الدنيا ، ألا تستحق هذه الأم الحنون المسكينة 
		التي قاست وعانت الكثير من الآلام ، ألا تستحق الرحمة عند كبر سنها ، ووهن 
		عظمها ، وخوار قواها ؟ والله ثم والله إنها لتستحق الكثير والكثير من 
		الرحمة والعطف والعناية والشفقة والإحسان والبر ، ولقد حذر الله تعالى من 
		قول كلمة [ أُف ] لهما فما بالنا بمن عمل أعنف من ذلك وأخطر وأعظم من ضرب 
		وهجر وطرد من البيوت وجرح بالكلام قال الله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ 
		أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا 
		يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ 
		لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * 
		وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ 
		ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [ الإسراء 24 ] . 
		وقد حرم الله عقوق الأمهات على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث 
		الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِىُّ صلى 
		الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ 
		، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ ، وَمَنَعَ وَهَاتِ ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ 
		، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ " [ متفق عليه ] .
		عقوق الوالدين من أعظم الكبائر ، وأشد الجرائم على الفرد والمجتمع ، عَنْ 
		أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضى الله عنه قَالَ : سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه 
		وسلم عَنِ الْكَبَائِرِ فَقَالَ : " الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَقَتْلُ 
		النَّفْسِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ . . . " [ متفق عليه ] .
		عقوق الوالدين دين في أعناق الأبناء والبنات ولسوف يلقون جزاءهم على أيدي 
		أبنائهم في الدنيا ، وعند الله جزاؤهم أشد وأبقى ، والجزاء من جنس العمل ، 
		هذا ما صح من الحديث ، وهذا هو الواقع بين الناس اليوم ، ولا ينكره إلا 
		فاقد عقل أو واهم أو معتوه ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : 
		قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ 
		أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا 
		يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ " [ 
		رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
		الأب هو سبب من أسباب وجود الأبناء والبنات ، وهو من يكد ويتعب ويسهر ليجلب 
		لهم الطعام والشراب واللباس ، ويوفر لهم سبل الحياة الكريمة حسب قدرته 
		واستطاعته ، إنه باب من أبواب الجنة ، فإن عُصي أو ضُرب أو طُرد فقد خسر 
		العاقون باباً من أبواب الجنة ، وفتحوا على أنفسهم باباً من النار ، عَنْ 
		أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ إِنَّ لِي 
		امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّي تَأْمُرُنِي بِطَلاَقِهَا ، قَالَ أَبُو 
		الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " 
		الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ 
		الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ ] .
		الويل ثم الويل لمن عق والديه أو أحدهما ، ألا فليعلم كل ابن وكل بنت أنهما 
		مهما قدما لوالديهما من خير وبر وإحسان فلن يوفوهما حقهما بل ولو جزء من 
		حقهما في تربيتهما ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ 
		رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" لا يُجْزِئُ وَلَدٌ 
		وَالِدَهُ ، إِلا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيُعْتِقَهُ " [ رواه مسلم ] .
		فيا من تريد بر الأبناء ، يا من تريد راحة البال ، وطمأنينة النفس ، وهدوء 
		الحال ، وبركة العمر ، وزيادة المال ، والراحة الأسرية والزوجية ، يا من 
		تريد رحمة الله تعالى ، ارحم والديك ، وتذكر عطفهما عليك ، يا من تريد جنة 
		عرضها السموات والأرض عليك ببر والديك ، والإحسان إليهما ، وإكرامهما ، 
		والعناية بهما ، فكما نظفاك من وسخك وأنت صغير ، وتعبا لأجلك ، فواجب عليك 
		أن ترد الإحسان إليهما ، وسوف تجد أثر ذلك في حياتك كلها ، خيراً وبركة 
		وأعظم أجراً ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ 
		رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ 
		يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ، 
		فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " [ رواه البخاري ] .
		أيها الأبناء والبنات ، لا تغرنكم الحياة الدنيا وزهرتها وزخرفها وأموالها 
		، وتهجروا آباءكم وأُمهاتكم ، ولا تطيعوا أوامر نسائكم فتظلموا آباءكم 
		وأُمهاتكم ، فتكون العاقبة وخيمة ، والخاتمة سيئة وعظيمة ، بروا والديكم 
		والزموا أرجلهما وقبلوا أيديهما فهناك الجنة ، واسألوا الله تعالى أن 
		يمتعكم بحياتهما وبرهما والعطف عليهما والإحسان إليهما ، فهما سبب لدخول 
		الجنة أو النار ، وهما سبب لنعيم القبر أو عذابه .
 
		كتبه
		يحيى بن موسى الزهراني
		إمام جامع البازعي بتبوك