دفع دعوى التعارض بين حديث أم سلمة وعائشة في أخذ الشعر لمن أرد الأضحية |
|
عبد الرحمن بن صالح السديس |
الحمد لله،
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، أما بعد فاختلف أهل العلم في الجمع بينهما، على مذاهب.. وليس من غرضي هنا سردها ولا توجيهها والرد عليها، فقد كتب الناس في ذلك قديما وحديثا. وقد أكثر المعاصرون من الكتابة في هذه المسألة، ورأيت من بعضهم تهوينا للقول بالمنع ومعارضته بأنواع ضعيفة من المعارضات.. وقد كان الإمام أحمد سأل الإمام ابن مهدي والإمام يحيى القطان عن هذا الإشكال، فقال: "ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي حديث أم سلمة وحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث الهدي لم يحرم عليه شيء؟ فبقي ساكتا ولم يجب. وذكرته ليحيى بن سعيد فقال: ذاك له وجه وهذا له وجه، وحديث أم سلمة لمن أراد أن يضحي بالمصر، وحديث عائشة لمن بعث بهديه وأقام. قال أحمد: وهكذا أقول، حديث عائشة هو على المقيم الذي يرسل بهديه ولا يريد أن يضحي بعد ذلك الهدي الذي بعث به، فإن أراد أن يضحي لم يأخذ من شعره شيئا ولا من أظفاره، على أن حديث أم سلمة هو عندي على كل من أراد أن يضحي في مصره". حكى ذلك كله عنه الأثرم. اهـ من "الاستذكار" والواجب عن
التعارض هو الجمع بين النصوص ما أمكن، لفظ البخاري، وعندي مسلم: "وقد بعثت بهديي، فاكتبي إلي بأمرك" وفي البخاري أيضا عن الشعبي عن مسروق: أنه أتى عائشة، فقال لها: يا أم المؤمنين، إن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر، فيوصي أن تقلد بدنته، فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل الناس، قال: فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب، فقالت: لقد «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبعث هديه إلى الكعبة، فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله، حتى يرجع الناس» وروى مسلم عن القاسم، عن أم المؤمنين، قالت: «أنا فتلت تلك القلائد من عهن كان عندنا، فأصبح فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالا، يأتي ما يأتي الحلال من أهله، أو يأتي ما يأتي الرجل من أهله».. فكلامها وحكايتها لهذا الحديث رد عليهم، وقد رواه عنها جمع، بألفاظ مختلفة بعضها مفصلة وبعضها مجملة، وأنت ترى نصها هنا على كونه حلالا، وعلى أنه لم يحرم عليه شيء حل للرجل من أهله.. فإما أن يكون اللفظ العام الذي روي عنها أنه لم يحرم عليه شيء= تريد به من أهله، كما بينته الروايات الأخرى " فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله"، أو هو من اختلاف الناقلين وروايتهم بالمعنى، أو يكون هو شيء قالته من عندها بفهمها وجعلته عاما، لما رأته لم يمتنع عن النساء والطيب كعادته. وهذه حكاية فعل فيها عموم واختلاف في النقل، واحتمال لكونها قيلت تفقها، وهذا لا يقوى على معارضة نص حديث أم سلمة وهو قولي، خاص. ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم لينهى الناس عن شيء ويخالفهم إلا ما ينهاهم عنه، فهو أتقاهم لله. ومما ينبغي
التفطن له أن حكاية عائشة هذه لم تكن إلا في عام واحد فقط، وهو عام تسع
للهجرة، العام الذي حج الصديق بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبعث معه
بالهدي، فهي تحكي مشاهدة عام واحد، وهذا العام حين بعث الصديق وفتلت قلائد الهدي لم يكن ذو الحجة قد دخل، وإنما بعثه في ذي القعدة، فلو سلم بأنها راته يأخذ من شعره وأظفاره فيكون في هذا المدة، بل إن حجة أبي بكر كلها قد قيل إنها كانت قبل ذي الحجة، فقد روى ابن سعد وغيره عن مجاهد أن حجة أبي بكر وقعت في ذي القعدة، وصححه ابن حجر. ويشهد له ما
في البخاري ومسلم عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " الزمان
قد استدار كهيئة يوم خلق السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة
حرم: ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر، الذي بين
جمادى وشعبان، أي شهر هذا "، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه
سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس ذو الحجة»، قلنا: بلى.. الحديث |