|
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين ، نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد؛
وقع الناس في حيرة عظيمة هذه الأيام ، فوباء النزفية آخذ في الفتك بالبهائم
والبشر ، ونحن نقف على عتبة عيد الأضحى ..
ومثل هذه المسائل -حتى يخلص الناس إلى حكم شرعي صحيح – لابد من استصحاب أقوال
الثقات من أهل الطب البيطري ..
وبالرجوع إلى ما قرّره البروفيسور عبد الله عبد اللطيف –وفقه الله – في العدد
5203 من صحيفة (الصحافة) ، وبالرجوع إلى غيره من الثقات في ذات المجال ، وإلى
نصوص الكتاب والسنة ، أثبت ما يلي من تنبيهات :
أولاً :
أنّ الأضحية سنة مؤكدة لا تصل إلى درجة الوجوب ، ولذلك ثلاثة أدلة :
1/ حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ
وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ
شَيْئًا» [مسلم] . فقد علّق النبي صلى الله عليه وسلم الذبح على الإرادة، والواجب لا يعلق على
الإرادة .
2/ وعن جابر رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من
منبره، وأتى بكبش فذبحه وقال: «بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح
من أمتي» [أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة] .
فقد كفا النبي صلى الله عليه وسلم من لم يضح منّا .
3/ وعن أبي سريحة أو أبي سريج الغفاري قال: أدركت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما،
كانا لا يضحيان، في بعض حديثهم: كراهية أن يقتدى بهما [أخرجه البيهقي (9/295)،
وصححه الألباني في الإرواء (1139)] .
ولو كانت الأضحية واجبة لفعلاها ؛ من أجل أن يقتدي الناس بهما ، فلما تركاها
علمنا أنها سنة مؤكدة ، وخافا أن يشق فعلهما والتأسي بهما على الناس .
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له سعة ولم يضحِّ فلا
يقربن مصلانا» [أحمد وابن ماجة] فالمراد منه التأكيد على فعل هذه السنة ، ولا
خلاف بين العلماء في أنّ الأضحية ليست شرطاً لصلاة العيد. وحديث مِخْنَف بن
سُلَيم رضي الله عنه قال: كنا وقوفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، فقال: «يا أيها الناس، إن على كل
أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة» [أحمد والأربعة] ، ضعيف ، ضعفه الألباني برقم
(6383) في ضعيف الجامع.
ثانياً :
من ترك الأضحية بسبب هذا الوباء ، فلا حرج عليه ، ولا يُلام ، وقد قال تعالى :{
مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} [المائدة:6] ، وقال :{
وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج:78] .
ومن تركها وكان من هديه وعادته فعلها ، ولم يتركها إلا لهذا العذر ، فإنه يُرجى
له أجرها كاملاً غير منقوص ، فقد دلت النصوص على أنّ من ترك عبادةً درج عليها
لعذر آتاه الله أجرها ..
فقد ثبت في صحيح البخاري ، عن أبي موسى رضي الله عنه ، قال : سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ
:«إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ
يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» .
وفضل الله أعظم من ذلك .
وأنصح من آثر عدم الذبح بأن يوكل أحد الفقراء ليذبح عنه في أي بلد فقير ، أو أن
يتصدق بثمنها .
ثالثاً :
من آثر جانب التوكل وقام بشعيرة الذبح فلا حرج ولا لوم كذلك ، ولكني أنصحه بما
يلي :
1/ أن يختار من الضأن صغير السن ؛ لأنه لا يقوى على حضانة الفايرس مدةً طويلة ،
وقد أفاد أ.د. عبد الله عبد اللطيف أنّ البهيمة من الضأن إذا أتمت العام أمكن
أن تكون حاملةً للفايرس (21) يوماً .
2/ أن يتقصد البهائم التي تأتي من المناطق التي لم يظهر الوباء فيها ، ويتجنب
الشراء العشوائي من هنا ، أو من الجزيرة ، أو من النيل الأبيض أو سنار .
3/ أن يتعامل بدرجة من الوعي مع اللحم غير المطبوخ ، فلا يمس اللحم غير المطبوخ
إلا بالقفاز والكمامة ، ويبتعد تماماً من أكل المرارة وكل شيء لم تمسسه النار .
رابعاً :
لا ينبغي لمن اختار عدم الذبح أن يُحرِّج على من ذبح ، ولا على من آثر الأضحية
أن يحرج على غيره ، وليكن حالنا كحال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .. كانوا يخرجون في الصوم ،
فمنهم المفطر ، ومنهم المسافر ، ولا يُحرِّج أحدهما على الآخر .
خامساً :
ليعلم القارئ الكريم –وفقه الله- أنّه ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولن يرفع إلا
بتوبة ، وقد قال رب العالمين :{ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى :30] .
أسأل الله أن يحفظ الجميع ، وأن يعافي كل مريض ، وأن يرفع عنّا الوباء والغلاء
.
وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه :
مهران ماهر عثمان نوري
خطيب مسجد خالد بن الوليد بأركويت 63