"تسونامي".. الطوفان يعود من جديد!! |
|
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه |
وقد عم شواطئ دول عدة هي: إندونيسيا ( أكثرها تضررا، حيث زاد القتلى فيها على 80 ألف)، وسيريلانكا (بلغ 30ألف)، والهند (13ألف)، وتايلند (3 آلاف) ، والمالديف، وقوة الزلزال دفعت بأثره إلى بلاد بعيدة، حيث تأثرت كل من: الصومال، وتنزانيا. فقتل فيها المئات، وشعر بأثره القاطنون سواحل: عمان، واليمن. هذا الحدث الهائل صار الخبر الأهم؛ تابعه العالم كله، ورصدته الأخبار كل لحظة، وفي كل موقع، ودرسه المختصون في علوم الأرض، وتنبئوا بحدوث تغيرات في الأرض: في سرعة دورانها، وفي تحرك جزيرة سومطرة، أقرب النقاط إلى موقع الزلزال، وأكثرها تأثرا، عن موقعها تجاه الجنوب بنحو ثلاثين كيلومتر، كما تحدثوا عن المساعدات التي بدأتها تتدفق إلى تلك البلدان، وكان أسرعها مساعدات الدول الإسلامية. كل ذلك تحدثوا عنه بالتفصيل، والتكرار، وتحدثوا عن شيء أيضا، ربما لفت أنظار بعض المتابعين، هو: أن الزلزال وقع متوافقا مع اجتماع أعداد كبيرة من السياح من المسيحيين وغيرهم، الذين أتوا لهذه المناطق الدافئة، هروبا من البلاد الباردة، للاحتفال بأعياد رأس السنة وميلاد المسيح عليه السلام، فنزلوا في منتعجات على الشواطئ، اشتهرت بجمالها الأخاذ، أتوا حاملين معهم ما يسميه بعض الناس: "ثقافات وعادات اجتماعية": يشربون الخمر، ويتعرون الرجال والنساء جميعا، ويمارسون الفواحش، ويرتكبون أعمالا قبيحة وشنيعة، مع تواطؤ من بعض أهل تلك البلاد من: رؤساء، وتجار، وعامة. بتيسير كل هذا الأمور لهم، وإعانتهم عليها، حبا في المال..!!.
ولما كثرت الفاحشة وعمت: نزل
عليهم غضب الجبار. فجاءهم العذاب من حيث لم يحتسبوا، جاءهم من المكان الذي
تمتعوا به، واستنشقوا نسماته، وأكلوا من نعمه، ونعموا أبدانهم بمائه، فما
أمهلهم، ولا استمهلهم، جاءهم بغتة، فلم يتركهم إلا قتيلا، أو فقيدا، أو شريدا،
ممزقين، حيارى، نادمين، قال تعالى:
لقد خرب الزلزال منتجعات، كانت
تسمى بجنة السياح، كمنتجع "بوكيت" و "خولاك" في تايلند، فتركها وغيرها أثرا بعد
عين، ودمارا بعد عمار، وأطلالا وذكريات أليمة، زرع الحزن وقتل الفرحة:
انظر إلى الأطلال
كيف تغيرت *** من بعد ساكنها وكيف تنكرت
ترك الناس يجمعون جثث الأحباب، والخلان،
وذوي القربى، عاجزين عن دفنها لكثرتها..جاء الزلزال وما أراد إلا الشواطئ، بما
فيها من كبائر، فما أصاب إلا إياها، ومثله في قوته الهائلة، لو أصاب عمق
اليابسة، لقتل ملايين من الخلق، لكنه أراد مرتادي الشواطئ، فبدأ من قعر المحيط،
ثم مد غضبه إلى أطرافه..!!. إنها لآية..!!، لقد حكى الله تعالى لنا أقواما عذبوا، وأهلكوا بأيسر من هذا، وأخر هذا ذكرى لنا.
والعبرة واضحة للمؤمن، فما وقعت مصيبة إلا
بذنب، ولا رفعت إلا بتوبة، لكن أنى للقاسية قلوبهم أن يفهموا هذا..؟!!، وقد حكى
الله تعالى عنهم فقال: فكم أولئك الذين يرددون: أن لا علاقة بين الكوارث من زلازل ونحوها والذنوب. أن لا علاقة بين الزلازل وغضب الله تعالى؛ وأنها ظواهر طبيعة محضة، تحدث لأسباب فلكية، وجيولوجية. ويتخذ للتوصل إلى هذه النتيجة مقدمات، هي في حقيقتها شبهات لا تقوم أمام حجج النقل والعقل، فمنها: كيف تكون الزلازل عقوبة مع الإنعام؟. الزلازل لها أسبابها الطبيعية المحضة، وهي تجري على سنة ثابتة، لا علاقة لها بأحوال الناس المتغيرة. إذا كانت الزلازل عقوبات، فلم يصاب بها المسلمون والكافرون على حد سواء؟. وهذا الفهم والتحليل خطأ مصادم لنصوص صريحة في القرآن والسنة، تبين أن الكوارث إنما تصيب الإنسان والأمم لغضب الله تعالى عليها، لركوبها المعاصي، وهذا تفصيل تلك الشبهات وتفصيل الجواب عليها:
الشبهة الأولى: أن الزلازل تصيب دولا وأمما
متقدمة غنية، فإذا كانت هذه الكوارث دليل غضب الله، فلم يعطيها من النعم وهو
عليها غاضب ؟.
المقدمة الأولى: النعمة والنقمة لا تجتمعان في
محل واحد.
النتيجة: الزلازل ليست نقمة ولا عقوبة على ذنب،
بل ظاهرة طبيعية محضة، كطلوع الشمس وغروبها. فالعقل لا يمنع من اجتماع النعمة والنقمة في محل واحد، ونحن نرى هذا ونفعله، من أصاب أحسنّا إليه، فإن أخطأ عاقبناه، وقد يخطئ وهو في عمل حسن، فنعاقبه على خطئه، ونثيبه على إحسانه في الوقت نفسه، وهكذا القاعدة في تعامل الأمم فيما بينها، يعرف لها إحسانها وإساءتها، فتعامل بقدر كل شيء.
وفي الشرع: فإن
النصوص أشارت إلى القواعد التي يتعامل بموجبها مع خطايا البشر، وهي:
لكن ذلك النعيم لم
يكن خالصا، بل خالطه العذاب والعقوبة، قال تعالى:
هذا مع كونهم في
الآخرة من الخاسرين، لكن ذلك لم يمنع من متاعهم في الدنيا، قال تعالى:
وكذا ما حصل لكفار
مكة، قال تعالى:
المقدمة الأولى: الزلزال ظاهرة طبيعة ثابتة. النتيجة: لا علاقة للزلزال بأعمال الناس الحسنة والسيئة. وللجواب نقول: يسلم لكم بجزء من الأولى، ولا يسلم لكم بالجزء الآخر منها. كما لا يسلم لكم بالثانية.
فالزلزال ظاهرة طبيعة، هذا صحيح، لكن ادعاء ثبوتها، وعدم تغيرها ألبتة فيه نظر،
فإن خرق الظواهر الطبيعة أمر وارد، ثابت بالوقائع والأدلة، وهاكم الأدلة:
أليس السبب هو طاعته وإيمانه وقربه من الله تعالى؟، بلى كذلك، هذا وحدث نحوا من
هذا للتابعي الجليل أبي مسلم الخولاني، ألقي في النار فكانت بردا وسلاما عليه،
ألقاه فيه الأسود العنسي، فوجده قائما يصلي، (انظر: الحلية لأبي نعيم، وصفوة
الصفوة، ترجمته)، فخرق السنن الكونية ليست خاصة بالأنبياء.
فالزلازل قد عرف أن لها أسبابا خلقها الله تعالى، كضعف القشرة الأرضية، أو حركات في باطن الأرض، فمتى وجدت هذه الأسباب وجد الزلزال.. نعم هذا صحيح.. لكن ذلك لا يمنع أبدا من تغير هذه السنة، ووقوعها في مناطق صلبة، فزلزال ذمار في اليمن وقع في منطقة صلبة القشرة، وكذا ما وقع في تركيا قبل أعوام، والأصل: أن السنة الكونية قد تتغير، وذلك بأمر الله وإرادته، يقول للشيء: كن فيكون.
هذا لإبطال دعوى: أن السنة الكونية لا تتغير بحال. بل الصحيح: أنها مضطردة. ولا
يستحيل عليها التغير. وفي حكم الشرع يقول تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}. كذلك: لا يسلم لهم بالمقدمة الثانية: بأنها محضة، لا علاقة لها بما يفعل الناس من حسنات وسيئات. كلا، بل هي للعبرة والعظة، وأمور يعلمها الله تعالى، فما خلق الله تعالى شيئا، ولا قدره إلا لحكمة، وحصر الحكمة والعلة في الظواهر الطبيعة، من تغير في سير الأرض، ومواقع الجزر والقارات: تحكم بغير دليل.
بل الدليل دل على أن الحكمة من حصول هذه الكوارث مرتبطة
بالإنسان، الذي خلقه الله تعالى في هذه الأرض، وسخر له ما فيها:
فما يحدث في الأرض إنما للإنسان منه أكبر النصيب، فعزله عن أحداث الأرض: عظة وانتفاعا. عزل له عن علاقته بالأرض ذاتها، وهذا باطل، ولا دليل عليه. وإذا انتفت المقدمتان انتفت النتيجة إذن. الشبهة الثالثة: إذا كانت الزلازل عقوبات، فلم يصاب بها المسلمون والكافرون على حد سواء؟.
هذه الشبهة مبنية على استحالة وقوع العقوبة ذاتها
على المسلمين والكافرين، فهي مقدمتين ونتيجة: النتيجة: الزلزال ليس بعقوبة، بل ظاهرة طبيعية محضة. وللإجابة نقول: إذا أثبتنا بطلان المقدمة الأولى تهاوت النتيجة، والمقدمة باطلة عقلا وشرعا، وبيان ذلك:
أن العقوبات جزاء المعاصي، والمعصية حاصلة من
المسلم، ومن باب أولى الكافر، وهذه حقيقة، فليس المسلم بسالم من الخطايا، فإذا
ثبت وقوع المعصية من المسلم، وتبين أن العقوبات سببها المعاصي، لم يمتنع أن يقع
على المسلمين من العقوبات، مثل ما يقع على الكافرين، وهذا الجهاد يقع فيه على
المسلمين من الألم ما يقع على الكافرين، كما قال تعالى: وبذلك تبطل المقدمة، وببطلانها تبطل النتيجة إذن. والشبهة أتت من جهة: أنه كيف يعذب المؤمنين، كما يعذب الكافرين، فما فضل المؤمنين حينئذ؟.
ونقول: أن هناك فرقا بين ما يصيب المؤمن وما يصيب
الكافر من عقوبات: فالمؤمن إذا أصيب بعقوبة عامة كزلزال، أو خاصة كمرض ونحوه،
فذلك:
أما الكافر فإذا أصيب بعقوبة فليس ابتلاء ولا
تكفيرا:
بل ما يصيب الكافر إنما هو عظة وعبرة له لعله يتقي،
أو انتقام منه جزاء جرمه، كما قال تعالى: ***
وقد كان محصل كلامهم أن الزلازل ليست بعقوبة..!!.
أليست الزلازل من المصائب التي تصيب الإنسان، بما فيها من ألم نفسي وبدني
ومالي؟..
وبهذا يتبين علاقة
الكوارث ومنها الزلازل بالذنوب، مما يتوجب على العباد التوبة إلى الله تعالى،
الاتعاظ بهذه الحوادث، فما وقعت إلا لتنبيه الناس وتحذيرهم، ولنحذر أن نكون
كقوم فرعون، أرسل الله عليهم الآيات والعقوبات ليتقوا فما انتفعوا فانتقم
منهم، قال تعالى:
ولنحذر أن نكون من
الذين لا ينتفعون بالآيات والنذر، كما قال تعالى:
فإن شيئا من
المعاصي التي كان عليها السياح في شواطئ المحيط الهندي موجودة في شواطئ:
الخليج، والبحر الأحمر، والأبيض المتوسط. وقد ضرب قبل خمسة أعوام الساحل التركي
بزلزال، فقتل ثمانين ألفا، وقبله خليج العقبة، فعم منطقة تبوك حتى المدينة، ومن
قبل جنوب الجزيرة، في منطقة ذمار، فالمجاهرة بالمنكرات جرم عظيم، وأعظم منه صرف
الناس عن الانتفاع بهذه الموعظة، والتلبيس على الناس، برد الأسباب إلى أسباب
طبيعية محضة، والسعي بين الناس وبين أن يفهموا هذه العبرة، فإن هذا إضلال لهم،
وقد توعد الله تعالى الذي يضلون الناس بعقوبة لم يتوعد بمثلها غيرهم، فقال:
فعلى المسلمين أن
يتقوا الله، ويتواصوا بالحق والصبر، ويدافعوا المنكرات، ولا يسكتوا، فإن هذا هو
الضمان الوحيد لسلامتهم ونجاتهم، كما قال تعالى:
وفي ختام هذه
الذكرى، أذكر بقوله تعالى: |