| 
       | 
      
  
   
  كم هي الوردة جميلة في منظرها ، ساحرة في لونها ، أخّاذة في عطرها ، تشدك 
      إليها في صمت ، وتأخذ بلباب عقلك في حياء ، حتى تغدو أمام غيرك شاردًا ، 
      وادعًا ، وما هي إلا لحظات وتجد نفسك هادئ النفس ، واسع الصدر ، تتمنى حينها 
      أن تبقى هذه الوردة ، لتدوم هذه النظرة ، لتستمر هذه السعادة .
      ولكن .. أنّى لهذه الوردة الفاتنة كل هذه العطاء .. إن لم تسق بالماء !! وهي 
      مع هذا آيلة إلى الذبول والفناء .
      غير أني أدعوك أن تقترب من وردة تعطيك عطاء أبلغ من عطاء هذه الوردة التي 
      انشرح صدرك لها ، وأنِسْت بالنظر إليها ، وهي مع هذا لا تعرف الفناء ، بل 
      تتسم بالخلود والبقاء !!
      وكما احتاجت تلك إلى الماء لتبقى .. ثم لتفنى ، فإن هذه الوردة تحتاج إلى أمر 
      آخر لتبقى ولا تفنى .
      لعلك 
      أدركت المقصود .. فإن مثل هذه الوردة كمَثَلِ الحياة الزوجية السعيدة ، 
      المملوءة بالمودة والصفاء ، الممزوجة بالمحبة والوفاء ، ألا يتمنى الزوجان 
      فيها أن تبقى حياتهما كذلك ، لا في الدنيا فحسب ، .. بل في الآخرة أيضًا ؟
      
      قل : نعم .. 
      إذاً ... فإنها تحتاج إلى أن تسقى بالإيمان ، وترعى بالخشية من الرحمن ، 
      وتصفو بمحبة الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم ، وتتآلف على القرآن ، 
      وتتعاهد على نبذ المعاصي ، وتتعاون على البر والتقوى ، وتنذر نفسها للدعوة 
      إلى الله .. في نفسها ، وبين الذرية والأهل والإخوان ، وتتراحم بقيام الليل ، 
      وتتزكى بصيام النهار ، وتسمو بالجود والكرم ، وتجتمع قلوبها على النصح 
      بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتتحد صفوفها أمام إغراءات المنكر ، وتسارع في 
      الخيرات ، وتقنع برزقها ، وتصبر في شدائدها ، وتهفو نفوسها إلى إعداد جيل 
      صادق مع ربه ، باذل لدينه ، عامل لوطنه .
      كم 
      تشدني تلك الصورة الزوجية الحانية التي يقول الرسول  صلى الله عليه وسلم 
      فيها :  ( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا 
      قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى ، ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ ، 
      فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً 
      قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى ، 
      فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ )  
      رواه النسائي .
      ألا 
      ما أسعدها من ساعة إيمان ، وما أرقه من نضح وفيّ ، وما أعذبه من ماء مخلص .
      ألا 
      تستحق حياة هذين الزوجين أن تبقى ولا تفنى ، ولم لا تبقى ، والله تعالى يقول 
      :  { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا 
      وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ 
      وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . سَلَامٌ 
      عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } 
      .
      وهو القائل سبحانه :  { إِنَّ 
      أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ . هُمْ 
      وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ }.
      فما أرخص حياتنا إن كانت وسيلة إلى شقوة الآخرة ، وما أغلاها إذا كانت وسيلة 
      إلى سعادتها .
      
      ----------------------
      (1) نشرت في نشرة ( التيسير 
      ) بالأحساء ، العدد الثالث ، 1/5/1421هـ ، ونشرت في العدد (  96 ) ، ربيع 
      الأول 1422هـ من مجلة الأسرة .