وقلبٌ في الأزمات يعود |
|
د. فيصل بن سعود الحليبي |
والقلوب في استجابتها لنداء الرحمن أنواع : فقلب تنفعه الكلمة الطيبة حينما
تنساب من قلب ناصح مخلص حكيم ، وفيه يقول الله تعالى :
{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ
الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } ، ويقول سبحانه :
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }
. غير أن بقية الإيمان في هذا القلب كانت محلاً لنداء الله لها بأن تحيى
بنداءات الله ورسوله صلى الله عليه وسلم : إن هذا النوع من القلوب وإن استثقل الذكرى القولية أو ما شابهها ، فلا ينبغي
أن نستبعد حياته من جديد بنوع آخر من التذكير ، التي يتمثل في وقوع المصائب
أو حلول الكوارث والحروب ، فقط إنها تحتاج لفتة دعوية أخرى مشحونة بالأمل ،
فليست القلوب سواء ، وليس أعظم من الشرك طغيانًا وفسادًا ، ومع هذا فالله
يحكي عن المشركين رجوعهم إليه حينما تحل بهم النوائب ، فاقرأ إن شئت قوله
سبحانه : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ } ، وإنما كان رجوعًا مؤقتًا لفقدان الإيمان في قلوبهم بالكلية قبل
البلاء {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } . والفرصة في حال البأساء والضراء ليست في حق المقصرين ـ وكلنا مقصر ـ بل إنها
فرصة للدعاة أيضًا لينالوا من أجور النصح والتوجيه حينما يقومون بواجبهم تجاه
من شط عن نبع الإيمان الصافي ، ليبذلوا كل وسيلة حكيمة لينة لإخوانهم هؤلاء
فيمدونهم بأقداح الطهارة والسعادة الإيمانية ، بعدما تجرعوا سموم المعاصي
والفواحش ، فيبينون لهم عظمة الله تعالى ، وفضل دينهم وجلالة قدره ، ويرسمون
لهم أسهل الطرق للطاعة وتجنب المعصية ، موضحين لهم ثمار ذلك كله في عبارة
سهلة ميسرة ، مصحوبة بشفقة ورحمة وحكمة ، وكلي أمل أنهم سيجدون منهم قلوبًا
في مثل هذه الأحوال العصيبة أقرب إلى الإنابة ، وأسرع في الاستجابة ، وليس
هذا فحسب ، بل ربما عادوا مع إنابتهم بشوق إلى خدمة دينهم وأمتهم ، حتى ترخص
منهم الأنفس ، وتجود منهم الدماء .
كفى حزنًا أن تلتقي الخيل بالقنا ***
وأُترك مشـــــــدودًا عليَّ وَثاقيا
فحلّت عنه قيوده ، وحُمل على فرس كان في الدار، وأُعطي سلاحًا ، ثم خرج يركض
حتى لحق بالمسلمين في المعركة ، فأبلى بلاء لفت أنظار سعد رضي الله عنه فجعل
يتعجب ويقول : مَنْ ذاك الفارس ؟ قال : فلم يلبثوا إلا يسيرًا حتى هزمهم الله
، ورجع أبو محجن وردَّ السلاح وجعل رجليه في القيود كما كان ، فجاء سعد ،
فقالت له امرأته : كيف كان قتالكم ؟ فجعل يخبرها ويقول : لقينا ولقينا ، حتى
بعث الله رجلاً على فرس أبلق ، لولا أني تركت أبا محجن في القيود لقلت : إنها
بعض شمائل أبي محجن ، فقالت : والله إنه لأبو محجن ، كان أمره كذا وكذا ،
فقصّت عليه قصته .
وأخيرًا : دعونا نحوَّل أزماتنا اليوم
إلى ساحات عمل دعوية جادة ، نؤلف فيها
القلوب على الإيمان ، وننادي الأنفس إلى السعادة ، ونوقظ الضمائر على نور
الهداية ، ونستثير الهمم لحماية الدين وأهله وأرضه . |