| 
       | 
      
  
  
	إن مما يقوّي إيمان العبد بربه ويزيده ثباتاً على دينه واستقامة في سيره لله أن 
	يلاحظ قصر الدنيا وسرعة انقضائها ، فما هي إلا أمل مخترم ، كما فعل بالأشياع من 
	قبل.
	
	ولنتدبر قول الله – تعالى - : ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة 
	من نهار .. الآية ) ، وقوله : ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها 
	) ، وقـوله : ( قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم 
	فاسأل العادّين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ) ، وقوله : ( 
	يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا * يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا 
	عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبتم إلا يوما ) ، فهذه 
	الآيات الكريمة توحي بأن الدنيا لا نقول لن يخلّد فيها فحسب ، بل ستنقضي أيامها 
	سراعا.
	
	وحـول هذا المعنى جاء في خـطـبة للنبي – صلى الله عليه وسـلم – قوله لأصحابه – 
	والشمس كانت على رؤوس الجبال قبل غروبها - : ( إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى 
	إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه ) رواه الترمذي وحسنه ابن حجر.
	
	فليتأمل العاقل الناصح لنفسه هذا الحديث ، وليتأمل أي شيء حصل له من هذا الوقت 
	الذي قد بقي من الدنيا بأسرها ! .. سيجد أنه قد كان في غرور .. العاقل الناصح 
	لنفسه لا يبيع سعادة الأبد والنعيم المقيم بحظ خسيس لا يساوي شيئا ، ولو طلب 
	الله والدار الآخرة لأعطاه خيراً في الدنيا والآخرة ، كما قال لقمان الحــكيم – 
	رحـمه الله – : ( ابن آدم .. بع الدنيا بالآخرة ؛ تربحهما جميعا ، ولا تبيع 
	الآخرة بالدنيا ؛ تخسرهما جميعا ).
	
	وقال معاذ بن جبل – رضي الله عنه – : ( ابن آدم .. أنت محتاج إلى الدنيا وأنت 
	للآخرة أحوج ، فإن بدأت بالدنيا أضعت الآخرة وكنت من الدنيا على خطر ، وإن بدأت 
	بالآخرة فزت بالدنيا والآخرة فانتظمتهما جميعا ). 
	
	وقال عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – في خطبته : ( أيها الناس .. إنكم لم 
	تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى ، وإن لكم معادا يجمعكم الله – عز وجل – فيه للحكم 
	فيكم والفصل بينكم ، فخاب وشقي عبد أخرجه الله – عز وجل – من رحمته التي وسعت 
	كل شيء وجنته التي عرضها السماوات والأرض ، وإنما يكون الأمــان غدا لمن خاف 
	الله – تعالى – واتقى ، وباع قليلا بكثير ، وفانياً بباق ، وشقاوة بسعادة ، ألا 
	ترون أنكم في أسلاب الهالكين ، وسيخلفكم بعدكم الباقون ؟! ألا ترون أنكم في كل 
	يوم تشيعون غاديا إلى الله ورائحا قد قضى نحبه وانقطع أمله ، فتضعونه في بطن 
	صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد ، قد خلع الأسلاب وفارق الأصحاب وواجه الحساب 
	).
	
	نعم .. أيها القارئ الكريم إن هذه الكلمات تحدونا للوقوف كثيرا للاعتبار.
 
		
  سلطان بن عثمان البصيري