(خراب العمران ) |
|
بندر بن فهد الايداء |
بسم الله الرحمن الرحيم
وكذلك نرى في كل يوم دليلاً جديداً على أن هذه
الأمة ، أمة محمد صلى الله
عليه وسلم والشعب العربي
منها على التخصيص ، لا تؤخذ بالعنف ولا تصبر على الضيم ، وإن هي اضطُرّت إلى
الصبر حيناً فستثور عليه حتماً ، فإن هي ثارت فلمن ظَلمها الويل ، لأنها لا
تبالي حينئذ بشيء، ولا يقف أمام ثورتها شيء، لأن الحق معها ، ومن كان الحق معه
فإن الله معه ،ومن كان الله معه لم يُغْلب أبداً (
ذكريات علي الطنطاوي 1/213) .
وإيّاك والظلم
المبيَّن إنني ... أرى الظلم يغشى بالرجال المغاشيا
إن الظلم مؤذن بخراب العمران وإن العدوان على
الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن
غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم، وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها
انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا
عن السعي في الاكتساب، فإذا كان الاعتداء كثيرا عاما في جميع أبواب المعاش كان
القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها
(مقدمة
ابن خلدون ص 294). وعندي قروض الخير والشر مثله . . . فبؤسى لذي بؤسى ونعمى لأنْعُمِ وجازاهم الله من جنس أعمالهم (ولا يظلم ربك أحداً)_الكهف : 49_ فمن طرد الشريعة ونحاها طرده الله،ومن حاصر المسلمين في غزة حاصره الله في بلده ، ومن كذّب بالوحي وسفك الدماء واتهم المؤمنين بالجرذان،سُفك دمه بعد أن سحب من أنابيب الصرف الصحي .......!!! واعلم وأيقن أنّ ملكك زائل . . . واعلم بأنَّ كما تدين تدان إن من كرم الله على عباده أن يريهم مصارع الظلمة ، وهلاكهم ، وذلّهم ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة ) _ التوبة : 42_ ،فبعد أن كنا نقرأ في كتاب الله وفي صفحات التاريخ السالف عن مصارع الأمم الظالمة والحكام الطغاة ، أصبحنا نشاهد هذا كله لحظة بلحظة ( إن في ذلك لذكرى ) _ ق : 37_ وهذا كله ليزداد الإيمان واليقين بأن ليل الظلم قصير وإن طال ( فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين) _ القصص : 58 _ فأهلِكوا بعذاب حصّ دابرهم . . . فما استطاعوا له صرفاً ولا انتصروا وليعلم من تولى أمر العباد بأن سنة الله ماضية فلا يغتر ( والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين ) _ الزمر : 51_ وليعلم المظلوم بأن له رباً لا يعجره شيء ، فلتطمأن نفسه ، وليسكن خاطره ، فإن الله هو العلي الكبير ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيد الخير إنك على كل شيء قدير) _ آل عمران :27 _لقد أخذ هؤلاء فرصتهم كاملة،لكنهم حرموا التوفيق ،وعميت عليهم الأنباء، وغُلِّقت أسماعهم،وكانوا من الغافلين ،حتى طلبوا ثبات ملكهم في أسباب زواله وهلاكهم (وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر) _ النساء : 39_ إلى حتفي سعي قدمي . . . أرى قدمي أراق دمي إن سنة الله التي لا تبدلُّ ولا تُغيّر تبشرنا بهلاك بشار طاغية الشام ، وزوال ملكه، وبأن عاقبته وخيمة فقد أربى على من سبقه قاتله الله ، وتخبرنا بأن حاكم اليمن الذي ذاق بعضاً من نار الدنيا فما اتعظ ، بأن جمهوريته إلى خراب (فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس ) _ يونس : 24_ طريد عشيرة ورهين جرم . . . بما جرمت يدي وجنى لساني
ذكر السيوطي في
تاريخ الخلفاء صفحة (192) :
أن الجراح بن عبد الله كتب إلى عمر بن عبد العزيز: إن أهل خراسان قومٌ ساءت
رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا
السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن
في ذلك. فكتب إليه عمر: أما
بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا
السيف والسوط، فقد كذبت؛ بل يصلحهم العدل
والحق، فابسط ذلك فيهم.
والسلام. وكانت كعنز السوء قامت لحتفها . . . إلى مدية تحت الثرى تستثيرها
قال ابن خلدون في
مقدمته صفحة (160) :
ما زلت تدفع كل أمر
فادح . . . حتى أتى الأمر الذي لا يدفع أيها الظالمون : "قد كانت سيوفكم لا تجف ، ونقمتكم لا تؤمن ، ومدائنكم لا ترام ،وعطاياكم لا تفقد ، ومنزلكم مرهوب ، وملككم غالب ، وضياؤكم لا ينكشف ، فها هو ضياؤكم قد خمد ، ونقمتكم لا تخشى ، وعطاياكم لا ترجى ، وسيوفكم لا تقطر ، ومدائنكم لا تمتنع ، وصوتكم قد انقطع وملككم قد اتضع " ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) _ الأنعام : 45_
|