عَامٌ دِرَاسِيُّ أَطَلَّ ([1]) |
محمد بن ابراهيم بن سعود السبر |
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَعَزَّ بِالْعِلْمِ وَأَكْرَمَ، وَأَذَلَّ بِالْجَهْلِ وَأَرْغَمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَيْرُ مَنْ تَعَلَّمَ بِالْوَحْيِ وَعَلَّمَ، وَبَدَّدَ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَفَهَّمَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ صَلَاةً وَسَلَامَاً دَائِمَيْنِ مَا صُبْحٌ بَدَا وَمَا لَيْلٌ أَظْلَمَ. أمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُمْ - عِبَادَ اللهِ - وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾. وَيُطِلُ عَامٌ مِنَ الْخَيْرِ جَدِيدٌ، وَهُوَ الْعَامُ الدِّرَاسِيُّ، إِذْ يَعُودُ الطُّلَاَّبُ وَالطَّالِبَاتُ إِلَى مَقَاعِدِ الدِّرَاسَةِ بِهَمَّةٍ وَثَّابَةٍ وَخُطَىً وَاثِقَةِ، يَعُودُونَ وَالْعُودُ أَحَمْدُ- إِنْ شَاءَ اللهُ-، وَالْمَرْجُوُّ مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ يَكْوُنَ عَامَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ، وَأَنْ يَرْزُقَ الْجَمِيعَ الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ. الْعَامُ الدِّرَاسِيُّ يُشَكِّلُ مَرْحَلَةً عُمُرِيَّةً مُهِمَّةً، وَالْكَلُّ يُعَيِّشُهُ بِعَزْمِ الْاِسْتِفَادَةِ مِنْهُ تَحْصِيلًا عِلْمِيَاً وَتَرْبَوِيًا، لِيَتَأَهَّلَ الطَّالِبُ بَعْدَهُ إِلَى مَرَاحِلَ مُتَقَدِّمَةٍ مِنَ التَّعْلِيمِ، وَيَتَرَقَّى فِي خِدْمَةِ دِينِهِ وَوَطَنِهِ وَمُجْتَمَعِهِ. الْعَامُ الدِّرَاسِيُّ إطْلَالَةٌ تَسُرُّ النَّاظِرَيْنَ، فِي طَرِيقٍ نِهَايَتَهُ الْعِزُّ وَالرِّفْعَةُ، وَعَاقَبَتْهُ نُجَّاحُ الدُّنْيَا وَفَوْزُ الْآخِرَةِ؛ ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا؛ سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الْعَامُ الدِّرَاسِيُّ يَعْنِي الْجَمِيعَ آبَاءً وَأُمَّهَاتٍ وَمُرَبِينَ، فَالتَّعْلِيمُ لَهُ أهَمِّيَّةُ بَالِغَةُ فِي حَيَاةِ الْأُمَمِ؛ لَمَّا يَعُولُ عَلَى مُخْرِجَاتِهِ فِي بِنَاءِ الْفَرْدِ وَعِزِّ الْوَطَنِِ، ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾. وَلَا بَدَّ أَنْ يُصْحَبَ الْعَزْمُ بِالتَّخْطِيطِ وَالْمُتَابَعَةِ لِمَرَاحِلِ الْعَامِ الدِّرَاسِيِّ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَيَسِيرَ الطَّالِبُ بِخُطَىً مُتَوَاصِلَةٍ، فَلَا مَجَالَ لِلتَّهَاوُنِ وَالْكَسَلِ، وَهَذِهِ مَسْؤُولِيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمَدْرَسَةِ وَالْبَيْتِ، وَالْمُعَلِّمِينَ وَأَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ، فَالْكَلُ لَهُ جَانِبٌ مِنَ الْمَسْؤُولِيَّةِ؛ وَلِلْوَالِدِينِ النَّصِيبُ الْأكْبَرُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً﴾، وَفِي تَفْسِيرِ اﻵيَة قَالَ عَلِيُّ -رَضِّيَ اللهُ عَنْهُ- "عَلِّمُوهُمْ وَأَدِّبُوهُمْ"، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَلِّمَ أَهْلَهُ، مِنْ قَرَابَتِهِ وَإِمَائِهِ وَعَبِيدِهِ، مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ. إِنَّ أَثْرَ الْوَالِدَيْنِ فِي التَّرْبِيَةِ كَبِيرٌ؛ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ ﷺ: «مُرُوا أولادَكُم بِالصَلاةِ وَهُم أبنَاءُ سَبْعِ سنينَ، وَاضرِبُوهُم عليهَا وهُمْ أبْنَاءُ عَشْرٍ وفرِّقُوا بينِهُِم في المَضَاجِعِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَالْجَمِيعُ مُطَالِبُونَ بِتَرْبِيَةِ النَّشْءِ كَمَا كَانَتْ تَرْبِيَةُ الْجِيلِ الْأَوَّلِ، قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَاصٍّ- رَضِّيَ اللهُ عَنْهُ-:" كُنَّا نُعَلِّمُ أَوْلَاَدَنَا مَغَازِيَ رَسُولِ اللهِ ﷺ كَمَا نُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ". وَيَنشَأُ نَاشِئُ الفِتيانِ مِنَّا *** عَلى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ وَمَا دَانَ الفَتى بِحِجَىً وَلَكِنْ *** يُعَوِدُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبُوهُ الْأُسْرَةُ هُيَ الْعَامِلُ النَّاهِضُ الْمُسَاعِدُ لِلْمُعَلِّمِ وَالْمَدْرَسَةِ، وَدَوْرُهَا كَبِيرٌ وَمُؤَثِّرٌ فِي غَرْسِ الْعِلْمِ، وَتَقْديرِ الْمُعَلِّمِ، وَالتَّعَاوُنِ مَعَهُ، وَتَعْلِيمِ الْأَبْنَاءِ الْأدَبَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسُوا فِي مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالطَّلَبِ. إِنَّ مَسْؤُولِيَّةَ الْأُسْرَةِ مُهِمَّةٌ فِي مُتَابَعَةِ الْأَبْنَاءِ وَاِنْضِبَاطِهِمُ وَحُسْنِ سُلُوكِهِمُ فِي الْمَدْرَسَةِ، وَتَهْيِئَةِ الظُّروفِ الْمُنَاسِبَةِ لِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ، قَالَ ﷺ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مَعْشَرَ الطَّلَبَةِ هَا قَدْ عُدْتُم إِلَى مَقَاعِدِ الدِّرَاسَةِ، فَجَدِّدُوا النِّيَّةَ وَأَخْلِصُوهَا، وَاِسْتَحْضِرُوا تَقْوَى اللهِ تَعَالَى، وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السِّكِّينَةَ وَالْوَقَارَ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ، وَاِعْلَمُوا أَنَّ الْأدَبَ مِفْتَاحَ الْعِلْمَ لَا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحْدَهُ***مَا لَمْ يُتَوَّجْ رَبُّهُ بِخَلاقِ وَمَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ ذُلَّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً، بَقِيَ فِي ذُلِّ الْجَهْلِ أَبَدَاً، وَمَنْ لَمْ تَكْنِ لَهُ بِدَايَةٌ مُحْرِقَةٌ لَمْ تَكْنْ لَهُ نِهَايَةٌ مُشْرِقَةٌ. وَالْمُعَلِّمَ الْفَاضِلُ عَلَيْهِ الْمِعْوَلُ - بَعْدَ اللهِ- فِي تَكْوينِ الطَّالِبِ، وَهُوَ مَحَلُّ تَقْديرِ الْإِسْلَامِ؛ وَجَدِيرٌ بِالْمُعَلِّمِ أَنَّ يَنَالَ هَذَا التَّقْديرَ مِنَ الْمُجْتَمَعِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْرُفُ الْفَضْلَ لِأهْلِ الْفَضْلِ إِلَّا ذَوُوُهُ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: قُمْ لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبْجِيلا*** كَادَ المُعَلِّمُ أَنْ يَكُونَ رَسُولَاً مَعْشَرَ الْمُعَلِّمِينَ، مِهْنَتُكُمْ مِنْ أعَزِّ الْمِهَنِ، فَهِيَ وَظِيفَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، فَجَمِّلُوا هَذِهِ الْمِهْنَةَ بِالْإِخْلَاَصِ، وَالْجِدِّ، وَأَدَاءِ الْأمَانَةِ، وَتَحْقِيقِ الْعَدْلِ، وَأَتْبِعُوا الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ. التَّرْبِيَةُ الْحَقَّةُ تُكْتَسَبُ مِنَ الْقُدْوَةِ الصَّالِحَةِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَتَأَثَّرُ وَيَقْتَدِي بِالسُّلُوكِ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ الْمَعْلُومَةُ؛ تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِّيَ اللهُ عَنْهَا: «كَانَ خَلُقَهُ الْقُرْآنُ»، هَكَذَا كَانَ الْمُعَلِّمُ الْأَوَّلُ ﷺ يَتَمَثَّلُ الْقُرْآنَ فِي هَدْيِهِ الْأخْلَاقِيِّ، وَيُطَبِّقُهُ وَاقِعَاً عَمَلِيَّا فِي سُلُوكِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ وَدَعْوَتِهِ، فَفِي الْقُرْآنِ حِمَايَةٌ لِلْعُقُولِ، وَرِعَايَةٌ لِلْآدَابِ، وَعِنَايَةٌ بِجَمِيلِ الطَّبَائِعِ وَالْأَخْلَاَقِ: ﴿إِنَّ هذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ﴾. اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَعَلِمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَزِدْنَا عِلْمَاً وَعَمَلًا يَارَبِّ الْعَالَمَيْنِ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. الخُطبَةُ الثَّانيةُ: الْحَمْدُ للّهِ وَكَفَى، وَسَلَاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، وَبَعدُ؛ فَاِتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَتَفَقَّهُوا فِي دِينِكُمْ، وَاِقْتَدَوْا بِالْمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ ﷺ فِي تَعْلِيمِهِ، وَتَرَبَّيْتِهِ، فَفِي اِقْتِفَاءِ أثَرِهِ وَالْاِهْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ؛ الْخَيْرُ وَالْهِدَايَةُ فِي كُلِّ الشُّؤُونِ. وَصَلُوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ المُهدَاةِ، وَالنَّعَمَةِ الْمِسْدَاةِ، نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بَذَلَكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ جَلَّ فِي عُلاهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الرَّسُولِ الْمُصْطَفَى، وَالنَّبِيِّ المُجْتَبَى، وَعَلَى آله الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاِرْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بِكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَنْ بَقِيَّةِ الْعَشَرَةِ، وَأَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجَمْعَيْنَ، وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَجُودِكَ وَإحْسَانِكَ يَا أكْرَمَ الأكرَمِينَ. اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمينَ، وأَذِلَّ الشِرْكَ وَالمُشْرِكِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنَاً مُطْمَئِنَّاً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمينَ. اللَّهُمَّ وفِّقْ خَادَمَ الحَرَمينِ الشَريفينِ، وَوليَ عَهْدِهِ لمَا تُحبُ وَتَرضَى. عِبَادَ اللهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.
..................................................................... •• | لمتابعة الخطب على: (قناة التليجرام) / https://t.me/alsaberm
|