|
الساحة الفكرية هي الأساس ، وصحتها وضعفها يؤثران إيجابا وسلبا على جميع مناحي
الحياة بما فيها الجهاد ، ومما يدل على ذلك أن تواجد نوعية معينة من المنتسبين
للعلم أدى إلى ( إباحة ) الربا وظهور البنوك الربوية بغطاء ( شرعي ) في كثير من
البلدان الإسلامية ؛ وتواجد نوعية معينة من المنتسبين للعلم أدى إلى ( تجريم )
الجهاد في العراق وغيرها من بقاع الأرض ؛ وتواجد نوعية معينة من المنتسبين
للعلم أدى إلى إضفاء ( الشرعية ) على مَنْ بدَّلَ شريعة الله ، وأحل الحرام
وحرم الحلال وعذّبَ أولياء الرحمن ونصر أولياء الشيطان ؛ وتواجد نوعية معينة من
المنتسبين للعلم جعل مَنْ سبَّ أبا بكرٍ وعمرَ وعثمان وعامّة صحابة النبي ــ
صلى الله عليه وسلم ــ ، وقذف الطاهرة المطهرة الصدِّيقة بنت الصديق حبيبة
الحبيب ــ صلى الله عليه وسلم ــ أمَّ المؤمنين عائشة ــ رضي الله عنها ــ وقتل
رجالنا وتعدى على محارمنا جعله مسلما ، وتكلم بأن هذا كله ( خلافات على هامش
العقيدة ) .
فخَلْخَلِةْ القاعدة الدعوية . . ينعكس لا نقول على ساحة
الجهاد فقط بل على كل مناحي الحياة ، وانظر حواليك لا بد أن هناك شواهد كثيرة
تتكلم . . . في الأسرة وفي الشارع وفي المحافل التعليمة وبيوت القضاء والمتاجر
والمصانع ... كل شيء .
لذا ترتيب الصف الدعوي هو الأهم ــ ونقول الأهم وليس المهم ــ إذ بصلاحه يصلح
الباقون وبفساده يتكاثر المفسدون .
ما الهدف من طرح هذا الموضوع ؟
الساحة الدعوية ترتجف ولا تكاد تثبت ، وكلما خرجنا من دوامة فكرية دخلنا في
أخرى ، وكلما نزلت نازلة تصايحنا وعَلَى صوتنا حتى ملأ الفضاء ، وجُمْلَةُ
سيرنا خلف الأحداث ، نشاهدها ونحكيها وفي أحسن الأحوال نحللها ، هناك من يعمل
ويتركنا نتكلم ؛ وجُمْلَةُ قضايانا داخلية . وحتى المشاريع الدعوية أغلبها
مكررة ، المواقع .. المجلات . . . الصحف ... بل وأحيانا المقالات والحوارات
تتكرر هي الأخرى ، ولسنا متشائمين ولا نبثُ التشاؤم ولكن قبل الدواء لا بد من
تشخيص الداء . وهو ذاك .
نريد أن نرسم لك ـ أخي القارئ ــ بالكلمات بعض المشاهد من الساحة الفكرية لترى
ما نرى ثم نعرض عليك ما يجول في صدرورنا لتشاركنا همِّنا وتشد أزرنا ، وتشمر عن
ساعديك معنا علّ الله أن يتقبل وينفع .
ــ الدين كامل ، ولا شك ، {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
الإسلام دينا} [ المائدة : من الآية 3 ] ، {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن
شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [ الأنعام : من الآية38 ] ،
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [ النحل : 89 ] . لا أحدٌ من المسلمين
يجادل في هذا مطلقا .
ولكن :
ـ ( من بديهيات العقل أن شمولية الشريعة وكمالها وتمام حِكْمة أحكامها ، لا
يعني أبدا أن تنتقل هذه الشمولية وهذه الحِكمة المطلقة إلى المنتسبين إليها ،
بمعنى : هناك عموم الشريعة وخصوصية المنتسبين إليها ، وخاصة الدعاة .
وقد كان من الصحابة ـ رضوان الله عليه ـ خالد بن الوليد ، وكان منهم زيد بن
ثابت ، و كان منهم أبو ذر . كل شخصية لها ما تتميز به . فما سمعنا أن خالدا
تكلم في الفرائض ، أو أن أبا ذر طلب الإمارة .
واليوم يتخصص كثيرون في أمر ما ثم اعتمادا على رجاحة عقلهم ، وكثرة جلسائهم
وبما أن الشريعة كاملة يتكلمون في كل شيء ) .
ــ كل من يتكلم في النوازل سواءً أكان من أهل التحدث أم لا يتجه للجماهير يعرض
عليها وجهة نظره ، ولا بد أنه سيجد من يستحسن قوله ويؤيده ، بل ويتعصب له
أحيانا ، وقد يكون هذا الأمر يحدث عن غفلة وبدون قصد التحزب والتفرق ، وأيّا
كان فإنه موجود ، وهو سبب رئيسي في الفرقة التي نعاني منها اليوم .
ــ كلما أستأنس أحدُهم قوةً من نفسه اسْتَقَلْ ، فروح الفريق مفقودة ، ولك أن
تلاحظ تكرار المشاريع الدعوية .. إعلامية وخيرية ... الخ ، حتى أنك لا تجد فرقا
بين كثير من المشاريع إلا اسم المشرف عليها . مع أن محتويات أغلبها متشابهة إلى
حدِّ كبير ، ,أصبح الناشئة يبحث عن ذاته ، عن ما يقدمه هو من مجهود فردي في
خدمة الدين ، و( الطوب ) مهما كثر لا يقيم بناءً حتى يجتمع . فتدبر . ولا نريد
الاستطراد فنحسب أن الفكرة واضحة .
ــ ليس كل من يعرف يتكلم ، فالمشاهد أن الظهور للناس ، والتحدث إليهم ، عن طريق
محاضرات في الشريط ، أو المقال أو الوسائل الإعلامية الأخرى لا يتقنه كثيرون ،
ومن مسلمات الواقع أن كثيرا من الأخيار يقبع في المدرجات عند الطلبة النظاميين
. . . عندنا رصيد ضخم من علمائنا ومفكرينا في المدرجات وحِلَقْ العلم الصغيرة.
وعلى الساحة كثيرون ممن قلَّ علمهم بالشريعة الإسلامية ، أو ممن يتكلمون في
الشرع بآراء وأهواء شخصية وأفكارٍ غير منضبطة ، وقد دُفِعَ للساحة أيضا
المبتدعة من المتصوفة والمتشيِّعة وأصحاب أنصاف الحلول .
نقول ـ وهذا ما كتبنا لأجله ـ : ولا بد من تحريك الطيبين والإفادة منهم . لا
نطالب باستصدار فتاوى من هؤلاء الأخيار ، وإنما بإفساح مكان لهم ليعلموا ويربوا
.
ولعلَّ النقطة التالية تزيد الأمر وضوحا :
ــ في الساحة الفكرية كثر الوعاظ ــ ولا نذمُّهم بل نجلهم ونحبهم ونبحث عنهم
لنستمع إليهم ــ وقلَّ الفقهاء والمربون ، والسبب في ذلك من وجهة نظرنا أن
بضاعة الوعظ سوقها رائج يتقبلها كل الناس ، أما التربية والتأصيل فتستهدف نوعية
معينة من الناس قليلة جدا . ولكنها هي التي تصنع الحدث ، وتقود الناس .
ولا بد من تكثير المربين . لا بد من تقديم أصحاب العقول ، لا بد من تقديم من
يَنْظرون في المآلات ، ويعرفون كيف تقاد الجماهير .
ـ توجد مناطق في بعض الدول الإسلامية فقيرة من طلبة العلم والمربين .. أضف إلى
ذلك الجاليات في دول الكفر الغربية والشرقية والشمالية والجنوبية . وقد يسر
الله الاتصال عن طريق الشبكة العنكبوتية ، واستخراج المربين وإفساح الطريق لهم
، أو تفعيلهم ، من شأنه أن ينشر الدعوة في هذه الأماكن .
وما نريده هو تفعيل الشيوخ والمربين ، القابعين في المدرجات وحلقات العلم
الصغيرة في المساجد ، إحداث نقلة نوعية في الساحة الإسلامية بتغذيتها بالمربين
وأصحاب التأصيل العلمي من شيوخنا الأفاضل .
والدور الأكبر من هذه المهمة لمن يمتلك منبرا دعويا ، موقعا .. مجلة ... منتدى
... الخ ، بأن يستكتبهم أو يحاورهم ، أو ينشر أبحاثهم وكتبهم ، أو يُعَرِّفْ
الناس عليهم . فماذا لو استكتبتم الشيوخ أو استضفتموهم في شكل حوار مع رواد
الموقع ؟
نحسب أنه خير ، ونوع من التجديد في المادة العلمية ، وماذا لو أفرد كل ذي منبر
إعلامي مقروء زاوية بعنوان (قراءة في كتاب) يُلخَّصُ فيها بأسلوب سهل بسيط
الأبحاث العلمية المفيدة ، وماذا لو اعتمدت المواقع والمجلات ركنا تعريفيا
بالشيوخ وطلبة العلم ... تعريف بأشخاصهم ، وتعريف بنتاجهم العلمي ، ومجهودهم في
الدعوة لمن شاء أن يستفيد ؟.
وهنا دور لعامة المهتمين بإبراز هذه النوعية من العلماء وتزكيتهم عند عامة
الناس . ودلالة الناس على مواقع الانترنت الإسلامية التي تنقل صورة صحيحة عما
يحدث في العالم الإسلام لا تتوافر في وسائل الإعلام العامة أو الفضائيات .
فهل من مشمر ؟؟