اطبع هذه الصفحة


همسات في أذن المنفقين
الجمعة: 16 رمضان – 1439 هـ

بقلم: رضوان بن أحمد العواضي


بسم الله الرحمن الرحيم
 


في هذا الشهر الفضيل يتسابق المسلمون من أهل اليسر والمال على جني أكبر قدر ممكن من ثمار الصدقة والعطاء، طمعا في الأجر المضاعف في هذا الموسم المبارك، واقتداء بنبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.

وفي المقابل لكم تتطلع أعناق المحتاجين، ولكم تتشوق أيديهم المعدمة الى خير أولئك ، إلا أن بعض هؤلاء من ذوي الأيدي التواقة الى عطاء المحسنين، وجود المنفقين والمتصدقين، قد يحرمون من إحسان أولئك وعطائهم؛ ليس الا لما قد ينشأ بين الطرفين – المنفق والمنفق عليه - من خصومات ونزاعات مقيتة، والتي كثرت أسبابها اليوم في زمن اختلف فيه الناس على صغير الأمر وكبيره، وهذا ما نتج عنه وبكل أسى من قطيعة للبر والصلة والإحسان، ولو كان المحروم من ذلك من أهل الصدقة ومصارفها بنوعيها الواجبة او المندوبة.

وإن مما يجب على المتصدق معرفته، وفهمه؛ أن القصد السليم والنية الخالصة لله رب العالمين، لا يُعثّر العبد المتحلي بهما شيء، ولا يعيق في طريق سيره الى مرضات ربه وثوابه أمر.

لأن قصد الثواب الأخروي وحنين العبد وشوقه لتحصيله، والظفر به، يحتم عليه تحمل مشاق مطلوبه وغايته، وتخطي كل عقباته الكؤود بكل ثبات وعزم، وهل حفت الجنة إلا بالمكاره؟!.

أيها المنفقون:

تذكروا أن ما كان لله دام واتصل، فالله الله بتجريد القصد، وتطهير النفس من دغل الغل والضغينة، ولتكن مرضات الله أعظم في نفوسكم من الإنتقام لنفوسكم، ولتداووا جراح قلوبكم ونفوسكم بالإحسان الى من أساء اليكم، فخير المتخاصمين من بدأ بالسلام، فكيف بمن بدأ بالإحسان والبر؟!.

ولتعلموا أن صدقاتكم لن تذهب هدرا- مادام القصد خالصا لله رب العالمين - ولو وضعت في كف من أساء يوما اليكم، فهي اولا لن تقع الا في يمين الجواد الكريم جل وعلا ، ولتعلموا ان إحسانكم الى من أساء اليكم برا آخر تفوزون بثوابه، لما فيه من قطع لحبال الخصام والشقاق، الذي بُشر صاحبه بالخيرية عليه، التي وعد بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .

تلمسوا معشر المنفقين المحتاجين من ذوي قرابتكم، فانهم أولى بالإحسان والصدقة، وقد قدمهم القرآن على من دونهم، فقال الحق جل وعلا: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177]، وقال سبحانه وتعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } [الروم: 38].

وفي الصحيح من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دِينَار أنفقته فِي سَبِيل الله ودينار أنفقته فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أنفقته على أهلك» رَوَاهُ مُسلم.

وفي الحديث الآخر: (الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي القرابة اثنتان صدقة
وصلة) صحيح انظر: صحيح ابن ماجة (1/ 309).

وأخيرا...

إياكم ومحبطات الإنفاق؛ من المن والأذى على المنفق عليه، فأثرهما على صدقاتكم أشد من أثر السم على الأجساد؛ فقد تبرأ الأجساد من حر السموم، لكن الصدقة لا تبرأ من أثر المن والأذى وهنا المفارقة!.

قال الحق سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264]، فكما أن الحسنات يذهبن السيئات، فكذلك السيئات تذهب الحسنات وتبطلها - على قول عند أهل العلم - فالمن على المتصدق عليه وأذيته بالتشهير به بين الناس، المقتضي لذله والإساءة اليه، مبطل لفضل الصدقة وثوابها، وليس من شيم الكرام ولا من خلالهم الحميدة المن على الأعطية او الإحسان.

أَفْسَدْتَ بِالْمَنِّ مَا أَسْدَيْتَ مِنْ حَسَنٍ ... لَيْسَ الْكَرِيمُ إِذَا أَسْدَى بِمَنَّانِ

واحرصوا – وفقنا الله وإياكم - ان تكونوا ممن مدحهم الله بقوله:
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:
262].


والحمد لله رب العالمين،،،


 

رسائل دعوية

  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية