اطبع هذه الصفحة


كم مِنّا مَنْ أسْلم  وجهه لله عن إحسان !!

سند بن علي بن أحمد البيضاني


بسم الله الرحمن الرحيم


توطئة :

حال كثير الناس في تقلبهم مع الله سبحانه وتعالى ؛  كالجن طرائق قِددا ، فمنهم من يسلم وجهه لله مكرها ، ومنهم  مضطرا ، ومنهم لحاجة ، ومنهم  مؤقتا ، ومنهم  عادة  أو تقليدا ، ومنهم ظاهرا ، ومنهم .. ومنهم .. ، ولكن يبقى السؤال الأهم .. كم منّا من أسلم  وجهه لله عن إحسان .
 
أولا : عظيم منزلة إسلام الوجه لله عن إحسان

 
منزلة إسلام الوجه لله عن إحسان منزلة عظيمة ، وقد خصها رب العالمين بآيات  تتلى ليلا ونهارا وسرا وجهارا ، قال  سبحانه :

- ((  وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى  ))"[1]" .
-  (( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ  )) "[2]" .
قال  العلامة محمد  الأمين الشنقيطي :
((قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ الْآيَةَ، ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ لَا أَحَدَ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُحْسِنًا ; لِأَنَّ اسْتِفْهَامَ الْإِنْكَارِ مُضَمَّنٌ مَعْنَى النَّفْيِ، وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
" وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى "[3] "
وَمَعْنَى إِسْلَامِ وَجْهِهِ لِلَّهِ إِطَاعَتُهُ وَإِذْعَانُهُ، وَانْقِيَادُهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُحْسِنًا، أَيْ: مُخْلِصًا عَمَلَهُ لِلَّهِ لَا يُشْرِكُ فِيهِ بِهِ شَيْئًا مُرَاقِبًا فِيهِ لِلَّهِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ فَاللَّهُ تَعَالَى يَرَاهُ، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ إِسْلَامَ الْوَجْهِ، وَتُرِيدُ بِهِ الْإِذْعَانَ وَالِانْقِيَادَ التَّامَّ . )) "[4]".

ثانيا : عظيم مرتبة الإحسان

 
الإحسان أعلى مراتب الدين -  الإحسان ، الإيمان ، الإسلام -  ويتكون الإحسان من شطرين ، المشاهدة والمراقبة ، والمشاهدة أعلى مرتبة من المراقبة ، ودليل ذلك حديث جبريل عليه السلام عندما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم : ونصه :
 

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه ، ووضح كفيه على فخذيه ، وقال : " يا محمد أخبرني عن الإسلام " ،
فقال له : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ).
 قال : " صدقت " ، فعجبنا له يسأله ويصدقه.
 قال : " أخبرني عن الإيمان ".
 قال : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ).
قال : " صدقت " ،
قال : " فأخبرني عن الإحسان " .
 قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
قال : " فأخبرني عن الساعة " .
قال : ( ما المسؤول بأعلم من السائل ) .
 قال : " فأخبرني عن أماراتها " .
 قال :  أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان ) .
 ثم انطلق فلبث مليا ، ثم قال : ( يا عمر ، أتدري من السائل ؟ ).
 قلت : "الله ورسوله أعلم " ، قال :
( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) "[5]" .
  
ثالثا :  مفتاح الإحسان

 
الإحسان يطلق في اللغة على الإتقان والإجادة ، كقولنا : فلان أحسن عمله ، أي أتقنه وأجاده ، ومفتاح الإحسان  يتكون من ثلاثة  أصول :

 
الأصل الأول  :   معرفة ومراقبة الاعتقاد والعمل .
الأصل الثاني  :    معرفة ومراقبة النية ومجاهدتها وتنقيتها من الشوائب .
الأصل الثالث :   فقه علاقة تسلسل الأسباب بالنتائج "[6]  " .
 
رابعا : مناقشة

 
قد يقول قائل : (( إني محافظ على الصلاة والزكاة والصيام وغيرها من الواجبات وترك المنهيات عن استسلام وانقياد لله  ؛ فهل ممكن أن أكون مستلما لله عن غير إحسان ؟ )) .

الجواب :
معلوم أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، فإذا قلنا فرَضا ، أنك تصلي منذ أشهر ، فأين أثر هذه الصلاة على معاملاتك وأخلاقك وتربيتك .... أي هل أصلحت تلك الطاعات تلك المضغة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم ، حين قال :
  (( .. ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً  إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه ، ألا وهي القلبُ)) "[7]"  .
فإن قال : " تلك الطاعات  أصلحت الكثير من أعمال القلب ".
سيقال له : لكل حقيقة علامات تدل عليها ، وسوف نأخذ الأهم كمثال ،  فالإخلاص حقيقة وله علامات تدل عليه ، ومثله التوكل ، والرضا والخشية والزهد ، والحسد والغيبة والنميمة والحقد وغيرها من أمراض القلوب ....  فهل تعلم علاماتها ؟؟ . فإذا كنت لا تعلم علاماتها فمن باب أولى أن تقع في المحظور .
 
ثم كيف لأعمال الجوارح أن تصلح تلك المضغة وبالتالي أعمال الجوارح ،  والرسول صلى عليه وسلم قد أوضح بجلاء ، أن صلاح القلب يكون قبل صلاح سائر الجسد ؟!
 
خامسا  : لمراجعة ديننا ومحاسبة أنفسنا قبل فوات الأوان .

إذا أردت معــــرفة مدى قربك مــــن الله .. فانـــــــــظر  كم مــــــــرة في اليـــــــوم تسلم وجهك لله عن إحسان  ؟! وكما قال الإمام مالك رحمه الله : (( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها  )) "[8]" .
 
سادسا  : الحل

بما أن الكتاب والسنة قد اشتملا على كل معاني ومقتضيات التوحيد والعبودية وتسليم المسلم لقلبه وعقــله القاصر لله ؛ فإن كثرة  الاستخارة قد اشتملت على كل ذلك بما تمثله من برهان عملي لهذه المعاني والمقتضيات"[9] ". فكلما أكثر المسلم من الاستخارة تبرأ من حوله وقوته ولجأ إلى ربه بالتوكل عليه ، ورضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم – رسولا ، فإذا حصل ذلك ذاق طعم الإيمان  ، وزاد  تمسكه بالعروة الوثقى وتسليما لله عن إحسان"[10]".
 
وختاما ..
هذا مايسر الله إذ استخرته والخير ما يسره الله ،.. والحمد لله رب العالمين ..
 
الشيخ : سند البيضاني

------------------------------------------
[1] )   (( لقمان : 22))  .
[2] )   (( النساء :125)) .
[3] )   (( لقمان : 22))  .
[4] )  ((  أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن   /1/ 312 ) ) .
[5] )  أخرجه مسلم .
[6] ) لمزيد من التفاصيل عن هذه الأصول ، ينظر ((أصول مكاشفة النفس لإتقان الاستخارة )) .
http://www.chechar.cc/vb/showthread.php?t=29996
[7] (   أخرجه البخاري .
[8] ) لمزيد من الفائد ينظر (( مفهوم الفقه عند السلف وانحراف الخلف ))
[9] ) ولمزيد من الفائدة ينظر: (( أهمية الاستخارة )) .
 http://www.chechar.cc/vb/showthread.php?t=29942
[10] ) ينظر (( صلاة الاستخارة كيف تتقنها لتجدد إيمانك ))


 

رسائل دعوية

  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية