|
الجزء الخامس
1. الكافر غير مخاطب بفروع الدين خطابا يلزمه أداء ، ولا يوجب قضاءً . 6
2. لا يلزم المحرم الحج ببذل غيره له ، ولا يصير مستطيعا بذلك ، سواء كان
الباذل قريبا أو أجنبيا ، وسواء بذل له الركوب والزاد ، أو بذل له مالا . 9
3. من تكلف الحج ممن لا يلزمه ، فإن أمكنه ذلك من غير ضرر يلحق بغيره ، مثل
أن يمشي ويكتسب بصناعة، ولا يسأل الناس ، استحب له الحج ؛لقول الله تعالى :"
يَأْتُوك رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ "فقدم ذكر الرجال . ولأن في ذلك
مبالغة في طاعة الله عز وجل ، وإن كان يسأل الناس ، كره له الحج . 10
4. يختص اشتراط الراحلة بالبعيد الذي بينه وبين البيت مسافة القصر ، فأما
القريب الذي يمكنه المشي ، فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه ؛لأنها مسافة قريبة
، يمكنه المشي إليها ، فلزمه ، وإن كان ممن لا يمكنه المشي ، اعتبر وجود
الحمولة في حقه ؛لأنه عاجز عن المشي ، فهو كالبعيد . وأما الزاد فلا بد منه ،
فإن لم يجد زادا ، ولا قدر على كسبه ، لم يلزمه الحج . 10
5. الزاد الذي تشترط القدرة عليه ، هو ما يحتاج إليه في ذهابه ورجوعه ؛من
مأكول ومشروب وكسوة ، فإن كان يملكه ، أو وجده يباع بثمن المثل في الغلاء
والرخص ، أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله ، لزمه شراؤه ، وإن كانت تجحف بماله
، لم يلزمه . 11
6. يشترط أن يجد من أراد الحج راحلة تصلح لمثله ، إما شراء أو كراء ، لذهابه
ورجوعه . 11
7. يعتبر أن يكون الزاد والراحلة فاضلا عما يحتاج إليه لنفقة عياله الذين
تلزمه مئونتهم ، في مضيه ورجوعه ؛لأن النفقة متعلقة بحقوق الآدميين ، وهم
أحوج ، وحقهم آكد . 11
8. تجب العمرة على من يجب عليه الحج قال تعالى : " أَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ " ومقتضى الأمر الوجوب ، ثم عطفها على الحج ، والأصل
التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه . 13
9. ليس على أهل مكة عمرة . نص عليه أحمد ـ يرحمه الله ـ . وقال : ( كان ابن
عباس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ يرى العمرة واجبة ، ويقول : يا أهل مكة :
ليس عليكم عمرة ، إنما عمرتكم طوافكم بالبيت ) . 14
10. تجزئ عمرة المتمتع ، وعمرة القارن ، والعمرة من أدنى الحل عن العمرة
الواجبة ، ولا نعلم في إجزاء عمرة التمتع خلافا . كذلك قال ابن عمر ، وعطاء ،
وطاوس . 15
11. لا بأس أن يعتمر في السنة مرارا . روي ذلك عن علي ، وابن عمر ، وابن عباس
، وأنس ، وعائشة ، فأما الإكثار من الاعتمار ، والموالاة بينهما ، فلا يستحب
في ظاهر قول السلف . وقال بعض أصحابنا : يستحب الإكثار من الاعتمار . وأقوال
السلف وأحوالهم تدل على ما قلناه ، ولأن النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ وأصحابه ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ ـ لم ينقل
عنهم الموالاة بينهما ، وإنما نقل عنهم إنكار ذلك ، والحق في اتباعهم . وقد
اعتمر النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و آله وَسَلَّمَ ـ أربع عمر في
أربع سفرات ، لم يزد في كل سفرة على عمرة واحدة ، ولا أحد ممن معه ، ولم
يبلغنا أن أحدا منهم جمع بين عمرتين في سفر واحد معه ، إلا عائشة حين حاضت
فأعمرها من التنعيم ؛لأنها اعتقدت أن عمرة قرانها بطلت ولو كان فيه فضل لما
أتفقوا على تركه . 16
12. فإن لم يجد المريض مالا يستنيب به ، فلا حج عليه بغير خلاف ، لأن الصحيح
لو لم يجد ما يحج به ، لم يجب عليه ، فالمريض أولى . 21
13. متى أحج المريض عن نفسه ، ثم عوفي ، لم يجب عليه حج آخر لأنه أتي بما أمر
به فخرج من العهدة . 21
14. فإن عوفي قبل فراغ النائب من الحج فينبغي أن لا يجزئه الحج(1) لأنه قدر
على الأصل قبل تمام البدل فلزمه كالمتيمم إذا رأى الماء في صلاته . 21
15. وإن برأ قبل إحرام النائب لم يجزئه بحال . 21
16. من يرجى زوال مرضه ، والمحبوس ونحوه ، ليس له أن يستنيب . فإن فعل ، لم
يجزئه ، وإن لم يبرأ لأنه يرجو القدرة على الحج بنفسه فلم يكن له الاستنابة
ولا تجزئه إن فعل . 22
17. لا يجوز أن يستنيب من يقدر على الحج بنفسه في الحج الواجب إجماعاً . 22
18. إن كان عاجزا عن حج النفل عجزاً مرجو الزوال ، كالمريض مرضا يرجى برؤه ،
والمحبوس ، جاز له أن يستنيب فيه . 23
19. إذا سلك النائب طريقا يمكنه سلوك أقرب منه ، ففاضل النفقة في ماله . وإن
تعجل عجلة يمكنه تركها ، فكذلك . وإن . أقام بمكة أكثر من مدة القصر ، بعد
إمكان السفر للرجوع ، أنفق من مال نفسه ؛لأنه غير مأذون له فيه . فأما من لا
يمكنه الخروج قبل ذلك ، فله النفقة ؛لأنه مأذون له فيه ، وله نفقة الرجوع .
26
20. إن أقام النائب بمكة سنين فله نفقة الرجعة ما لم يتخذها دارا ، فإن
اتخذها دارا ، ولو ساعة ، لم يكن له نفقة رجوعه ؛لأنه صار بنية الإقامة مكيا
، فسقطت نفقته ، فلم تعد . 26
21. إن مرض النائب في الطريق ، فعاد ، فله نفقة رجوعه ؛لأنه لا بد له منه ،
حصل بغير تفريطه ، فأشبه ما لو قطع عليه الطريق أو أحصر . وإن قال : خفت أن
أمرض فرجعت . فعليه الضمان ؛لأنه متوهم . 26
22. إن شرط أحدهما ـ أي النائب أو المستنيب ـ أن الدماء الواجبة عليه على
غيره ، لم يصح الشرط ؛لأن ذلك من موجبات فعله ، أو الحج الواجب عليه ، فلم
يجز شرطه على غيره ، كما لو شرطه على أجنبي . 26
23. جوز أن ينوب الرجل عن الرجل والمرأة ، والمرأة عن الرجل والمرأة ، في
الحج ، في قول عامة أهل العلم . لا نعلم فيه مخالفا ، إلا الحسن بن صالح . 27
24. لا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه ، فرضا كان أو تطوعا ، فأما الميت
فتجوز عنه بغير إذن ، واجبا كان أو تطوعا ؛لأن النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ و آله وَسَلَّمَ ـ أمر بالحج عن الميت ، وقد علم أنه لا إذن له ،
وما جاز فرضه جاز نفله ، كالصدقة . 27
25. إذا أمره المستنيب بحج فتمتع أو اعتمر لنفسه من الميقات ، ثم حج ؛نظرتَ
؛فإن خرج إلى الميقات فأحرم منه بالحج ، جاز ، ولا شيء عليه . وإن أحرم بالحج
من مكة ، فعليه دم ؛لترك ميقاته ، ويرد من النفقة بقدر ما ترك من إحرام الحج
فيما بين الميقات ومكة . 27
26. إن أمره بالتمتع فقرن ، وقع عن الآمر ، لأنه أمر بهما ، وإنما خالف في
أنه أمره بالإحرام بالحج من مكة ، فأحرم به من الميقات . وإن أفرد وقع عن
المستنيب أيضا ، ويرد نصف النفقة ؛لأنه أخل بالإحرام بالعمرة من الميقات ،
وقد أمره به ، وإحرامه بالحج من الميقات زيادة لا يستحق به شيئا . وإن أمره
بالقران فأفرد أو تمتع ، صح ، ووقع النسكان عن الآمر ، ويرد من النفقة بقدر
ما ترك من إحرام النسك الذي تركه من الميقات . وفي جميع ذلك ، إذا أمره
بالنسكين ، ففعل أحدهما دون الآخر ، رد من النفقة بقدر ما ترك ، ووقع المفعول
عن الآمر ، وللنائب من النفقة بقدره . 28
27. إذا استنابه رجل في الحج ؛ وآخر في العمرة ، وأذنا له في القران ، ففعل ،
جاز ؛لأنه نسك مشروع . وإن قرن من غير إذنهما ، صح ووقع عنهما ، ويرد من نفقة
كل واحد منهما نصفها ؛لأنه جعل السفر عنهما بغير إذنهما . وإن أذن أحدهما دون
الآخر ، رد على غير الآمر نصف نفقته وحده . 29
28. إن أُمِر ـ أي النائب ـ بالحج ، فحج ، ثم اعتمر لنفسه ، أو أمره بعمرة ،
فاعتمر ، ثم حج عن نفسه . صح ، ولم يرد شيئا من النفقة لأنه أتى بما أمر به
على وجهه . 29
29. إن أمرالمستنيب النائب بالإحرام من ميقات ، فأحرم من غيره ، جاز ؛لأنهما
سواء في الإجزاء . وإن أمره بالإحرام من بلده ، فأحرم من الميقات ، جاز ؛لأنه
الأفضل . وإن أمره بالإحرام من الميقات ، فأحرم من بلده ، جاز لأنه زيادة لا
تضر . وإن أمره بالحج في سنة ، أو بالاعتمار في شهر ، ففعله في غيره ، جاز
؛لأنه مأذون فيه في الجملة . 29
30. إن استنابه اثنان في نسك ، فأحرم به عنهما ، وقع عن نفسه دونهما ؛لأنه لا
يمكن وقوعه عنهما ، وليس أحدهما بأولى من صاحبه . 29
31. إن أحرم عن نفسه وغيره ، وقع عن نفسه ؛لأنه إذا وقع عن نفسه ولم ينوها ،
فمع نيته أولى . 30
32. إن أحرم عن أحدهما غير معين ، احتمل أن يقع عن نفسه أيضا ؛لأن أحدهما ليس
أولى من الآخر ، فأشبه ما لو أحرم عنهما . واحتمل أن يصح ؛لأن الإحرام يصح
بالمجهول ، فصح عن المجهول ، وله صرفه إلى من شاء منهما . فإن لم يفعل حتى
طاف شوطا ، وقع عن نفسه ، ولم يكن له صرفه إلى أحدهما ؛لأن الطواف لا يقع عن
غير مُعَيَّنٍ . 30
33. الظاهر أن الحج لا يجب على المرأة التي لا محرم لها . 31
34. نفقة المحرم في الحج علي المرأة . نص عليه أحمد ـ يرحمه الله ـ ؛لأنه من
سبيلها ، فكان عليها نفقته ، كالراحلة . 34
35. الصحيح أنه لا يلزم المحرم الحج مع امرأته الباذلة للنفقة ؛لأن في الحج
مشقة شديدة ، وكلفة عظيمة ، فلا تلزم أحدا لأجل غيره ، كما لم يلزمه أن يحج
عنها إذا كانت مريضة . 34
36. إذا مات محرم المرأة في الطريق ، فقال أحمد ـ يرحمه الله ـ : إذا تباعدت
مضت . لكن إن كان حجها تطوعا ، وأمكنها الإقامة في بلد ، فهو أولى من سفرها
بغير محرم . 34
37. ليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام ، ويستحب أن تستأذنه في ذلك . فإن
أذن وإلا خرجت بغير إذنه . فأما حج التطوع ، فله منعها منه . وليس له منعها
من الحج المنذور ؛لأنه واجب عليها ، أشبه حجة الإسلام . 35
38. لا تخرج المرأة إلى الحج في عدة الوفاة . ولها أن تخرج إليه في عدة
الطلاق المبتوت . وأما عدة الرجعية ، فالمرأة فيه بمنـزلتها في صُلْبِ النكاح
، لأنها زوجة . 35
39. متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج ، وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما
يحج به عنه ويعتمر ، سواء فاته بتفريط أو بغير تفريط . 38
40. فإن خرج للحج ، فمات في الطريق ، حج عنه من حيث مات ؛لأنه أسقط بعض ما
وجب عليه ، فلم يجب ثانيا . 39
41. لو أحرم بالحج ، ثم مات ، صحت النيابة عنه فيما بقي من النسك ، سواء كان
إحرامه لنفسه أو لغيره . 39
42. يستحب أن يحج الإنسان عن أبويه ، إذا كانا ميتين أو عاجزين ؛لأن
النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ أمر أبا رزين ، فقال
: "حُجَّ عَنْ أَبِيك ، وَاعْتَمِرْ ".ويستحب البداية بالحج عن الأم ، إن كان
تطوعا أو واجبا عليهما . وإن كان الحج واجبا على الأب دونها ، بدأ به ؛لأنه
واجب ، فكان أولى من التطوع . 41
43. إن أحرم بتطوع أو نذر من لم يحج حجة الإسلام ، وقع عن حجة الإسلام . 43
44. إن أحرم بتطوع ، وعليه منذورة ، وقعت عن المنذورة ؛لأنها واجبة ، فهي
كحجة الإسلام . 43
45. العمرة كالحج فيما ذكرنا ؛ لأنها أحد النسكين ، فأشبهت الآخر ـ أي في
المسألة السابقة والتي قبلها ـ . 43
46. إذا أحرم بالمنذورة من عليه حجة الإسلام ، فوقعت عن حجة الإسلام ،
فالمنصوص عن أحمد ـ يرحمه الله ـ أن المنذورة لا تسقط عنه . لأنها حجة واحدة
، فلا تجزئ عن حجتين . ويحتمل أن يجزئ ؛لأنه قد أتى بالحجة ناويا بها نذره ،
فأجزأته ، وهذا مثل ما لو نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم في يوم من رمضان ،
فنواه عن فرضه ونذره .44
47. إن بلغ الصبي ، أو عتق العبد بعرفة ، أو قبلها ، غير محرمين ، فأحرما
ووقفا بعرفة ، وأتما المناسك ، أجزأهما عن حجة الإسلام . لا نعلم فيه خلافا
؛لأنه لم يفتهما شيء من أركان الحج ، ولا فعلا شيئا منها قبل وجوبه . 45
48. إذا بلغ الصبي أو عتق العبد قبل الوقوف ، أو في وقته ، وأمكنهما الإتيان
بالحج ، لزمهما ذلك ؛لأن الحج واجب على الفور ، فلا يجوز تأخيره مع إمكانه ،
كالبالغ الحر . وإن فاتهما الحج ، لزمتهما العمرة ؛لأنها واجبة أمكن فعلها ،
فأشبهت الحج ، ومتى أمكنهما ذلك فلم يفعلا ، استقر الوجوب عليهما ، سواء كانا
موسرين أو معسرين ؛لأن ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه ، فلم يسقط بفوات
القدرة بعده . 46
49. الحكم في الكافر يسلم ، والمجنون يفيق ، حكم الصبي يبلغ في جميع ما
فصلناه ، إلا أن هذين لا يصح منهما إحرام ، ولو أحرما لم ينعقد إحرامهما ؛لأنهما
من غير أهل العبادات ، ويكون حكمهما حكم من لم يحرم . 47
50. ليس للعبد أن يحرم بغير إذن سيده ؛لأنه يفوت به حقوق سيده الواجبة عليه ،
بالتزام ما ليس بواجب ، فإن فعل ، انعقد إحرامه صحيحا ، لأنها عبادة بدنية
فصح من العبد الدخول فيها بغير إذن سيده ، كالصلاة والصوم . 47
51. إذا نذر العبد الحج ، صح نذره ؛لأنه مكلف ، فانعقد نذره كالحر ولسيده
منعه من المضي فيه ؛لأن فيه تفويت حق سيده الواجب ، فإن أعتق ، لزمه الوفاء
به بعد حجة الإسلام . فإن أحرم به أولا انصرف إلى حجة الإسلام ، كالحر إذا
نذر حجا . 48
52. ما جنى العبد على إحرامه لزمه حكمه . وحكمه فيما يلزمه حكم الحر المعسر
فرضه الصيام . وإن تحلل بحصر عدو ، أو حلله سيده ، فعليه الصيام . 49
53. إن أذن له سيده في تمتع أو قران ، فعليه الصيام بدلا عن الهدي الواجب
بهما . وقيل على سيده الهدي ، وإن تمتع أو قارن بغير إذن سيده ، فالصيام عليه
بغير خلاف . وإن أفسد حجه ، فعليه أن يصوم لذلك ؛لأنه لا مال له ، فهو
كالمعسر من الأحرار .49
54. إذا وطئ العبد في إحرامه قبل التحلل الأول ، فسد ، ويلزمه المضي في فاسده
، كالحر . وعليه القضاء ، سواء كان الإحرام مأذونا فيه ، أو غير مأذون ، ويصح
القضاء في حال رقه ؛لأنه وجب فيه ، فصح منه ، كالصلاة والصيام . ثم إن كان
الإحرام الذي أفسده مأذونا فيه ، فليس لسيده منعه من قضائه ؛لأن إذنه في الحج
الأول إذن في موجبه ومقتضاه ، ومن موجبه القضاء لما أفسده . 49
55. إن أعتق العبد قبل القضاء ، فليس له فعل القضاء قبل حجة الإسلام ؛لأنها
آكد . فإن أحرم بالقضاء ، انصرف إلى حجة الإسلام ، وبقي القضاء في ذمته . 49
56. إن عتق في أثناء الحجة الفاسدة ، وأدرك من الوقوف ما يجزئه ، أجزأه
القضاء عن حجة الإسلام ؛لأن المقضي لو كان صحيحا أجزأه ، فكذلك قضاؤه . 49
57. يصح حج الصبي ، فإن كان مميزا أحرم بإذن وليه ، وإن كان غير مميز أحرم
عنه وليه ؛فيصير محرما بذلك ، وإن أحرم بدون إذنه ، لم يصح ؛لأن هذا عقد يؤدي
إلى لزوم مال ، فلم ينعقد من الصبي بنفسه ، كالبيع. 50
58. إن كان الصبي غير مميز ، فأحرم عنه من له ولاية على ماله، صح . ومعنى
إحرامه عنه أنه يعقد له الإحرام ، فيصح للصبي دون الولي . 51
59. لا يضاف الأجر للولي إلا لكون الصبي تبعا له في الإحرام . 51
60. أما الأجانب عن الصبي فلا يصح إحرامهم عنه ، وجها واحدا . 52
61. كل ما أمكن الصبي فعله بنفسه ، لزمه فعله ، ولا ينوب غيره عنه فيه ،
كالوقوف والمبيت بمزدلفة ، ونحوهما ، وما عجز عنه عمله الولي عنه .52
62. يجب تجريد الصبي المحرم من الثياب كما يجرد الكبير وقد روي عن عائشة ـ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ أنها كانت تجرد الصبيان إذا دنو من الحرم . 53
63. محظورات الإحرام بالنسبة للصبي : وهي قسمان ؛ أحدهما ما يختلف عمده وسهوه
، كاللباس والطيب ، الثاني : ما لا يختلف ، كالصيد ، وحلق الشعر ، وتقليم
الأظفار . فالأول ، لا فدية على الصبي فيه ؛لأن عمده خطأ . والثاني ، عليه
فيه الفدية . ولو وطئ أفسد حجه كالكبير وفي القضاء وجهان . 53
64. حكم جنيات الصبي : الأولى أن ما زاد على نفقة الَحَضِر في مال الولي
؛لأنه كلفه ذلك ، ولا حاجة به إليه . 54
65. إذا أغمي على بالغ ، لم يصح أن يحرم عنه رفيقه . لأنه بالغ ، فلم يصر
محرما بإحرام غيره ، كالنائم ، ولو أنه أذن في ذلك وأجازه ، لم يصح ، فمع عدم
هذا أولى أن لا يصح . 54
66. من طيف به محمولاً فهو إما طيف به أم لعذر ، فلا يخلو ؛إما أن يقصدا
جميعا عن المحمول ، فيصح عنه دون الحامل ، بغير خلاف نعلمه ، أو يقصدا جميعا
عن الحامل فيقع عنه أيضا ، ولا شيء للمحمول ، أو يقصد كل واحد منهما الطواف
عن نفسه ، فإنه يقع للمحمول دون الحامل . وهو الأولى . وإن عدمت النية منهما
، أو نوى كل واحد منهما الآخر ، لم يصح لواحد منهما . 55
67. إذا كان الميقات قرية فانتقلت إلى مكان آخر ، فموضع الإحرام من الأولى ،
وإن انتقل الاسم إلى الثانية ؛لأن الحكم تعلق بذلك الموضع ، فلا يزول بخرابه
. 58
68. الصحيح أن المكي من أي الحرم أحرم بالحج جاز ؛لأن المقصود من الإحرام به
الجمع في النسك بين الحل والحرم ، وهذا يحصل بالإحرام من أي موضع كان . 61
69. إن أحرم من الحل ؛ نظرت ، فإن أحرم من الحل الذي يلي الموقف فعليه دم
؛لأنه أحرم من دون الميقات . وإن أحرم من الجانب الآخر ، ثم سلك الحرم ، فلا
شيء عليه . 62
70. لو أحرم المكي من الحل ، ولم يسلك الحرم ، فعليه دم ؛لأنه لم يجمع بين
الحل والحرم .62
71. حكم من سلك طريقا بين ميقاتين ، أنه يجتهد حتى يكون إحرامه بحذو الميقات
، الذي هو إلى طريقه أقرب ، وهذا مما يعرف بالاجتهاد والتقدير ، فإذا اشتبه
دخله الاجتهاد ، كالقبلة . 63
72. إن لم يعرف حذو الميقات المقارب لطريقه ، احتاط بحيث يتيقن أنه لم يجاوز
الميقات إلا محرما ؛لأن الإحرام قبل الميقات جائز ، وتأخيره عنه لا يجوز ،
فالاحتياط فعل ما لا شك فيه . 63
73. من سلك طريقا فيها ميقات فهو ميقاته ، فإذا حج الشامي من المدينة فمر بذي
الحليفة فهي ميقاته ، وهكذا كل من مر على ميقات غير ميقات بلده صار ميقاتا له
. 64
74. لا خلاف في أن من أحرم قبل الميقات يصير محرما ، تثبت في حقه أحكام
الإحرام . ولكن الأفضل الإحرام من الميقات ، ويكره قبله .لأن النَّبِيَّ ـ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ وأصحابه ـ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَ ـ أحرموا من الميقات ، ولا يفعلون إلا الأفضل . 65
75. من جاوز الميقات مريدا للنسك غير محرم ، فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه ،
إن أمكنه ، سواء تجاوزه عالماً به أو جاهلاً ، علم تحريم ذلك أو جهله . فإن
رجع إليه ، فأحرم منه ، فلا شيء عليه . لا نعلم في ذلك خلافاً . وإن أحرم من
دون الميقات ، فعليه دم ، سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع .69
76. لو أفسد المحرم من دون الميقات حجه ، لم يسقط عنه الدم . لأنه واجب عليه
بموجب هذا الإحرام ، فلم يسقط بوجوب القضاء . 70
77. أما المجاوز للميقات ، ممن لا يريد النسك ، على قسمين :
• أحدهما : لا يريد دخول الحرم ، بل يريد حاجة فيما سواه ، فهذا لا يلزمه
الإحرام بغير خلاف ، ولا شيء عليه في ترك الإحرام .
• القسم الثاني : من يريد دخول الحرم ، إما إلى مكة أو غيرها ، فهم على ثلاثة
أضرب ؛ أحدها : من يدخلها لقتال مباح ، أو من خوف ، أو لحاجة متكررة ،
كالحشاش ، والحطاب ، فهؤلاء لا إحرام عليهم . النوع الثاني : من لا يكلف الحج
كالعبد ، والصبي ، والكافر إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات ، فإنهم يحرمون من
موضعهم ، ولا دم عليهم . النوع الثالث : المكلف الذي يدخل لغير قتال ولا حاجة
متكررة ، فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم . 72
78. من دخل الحرم بغير إحرام ، ممن يجب عليه الإحرام ، فلا قضاء عليه . لأنه
مشروع لتحية البقعة ، فإذا لم يأت به سقط ، كتحية المسجد . فأما إن تجاوز
الميقات ورجع ولم يدخل الحرم ، فلا قضاء عليه ، بغير خلاف نعلمه ، سواء أراد
النسك أو لم يرده .72
79. لا خلاف في أن من خشي فوات الحج برجوعه إلى الميقات ، أنه يحرم من موضعه
فيما نعلمه وعليه دم . 73
80. لا ينبغي أن يحرم الحاج بالحج قبل أشهره ، وهذا هو الأولى ، فإن الإحرام
بالحج قبل أشهره مكروه ؛لكونه إحراما به قبل وقته ، فأشبه الإحرام به قبل
ميقاته ، فإن أحرم به قبل أشهره صح ، وإذا بقي على إحرامه إلى وقت الحج ، جاز
. 74
81. يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب في بدنه خاصة ، ولا فرق بين ما يبقى
عينه كالمسك والغالية(2) ، أو أثره كالعود والبخور وماء الورد . 77
82. إن طيب ثوبه ، فله استدامة لبسه ، ما لم ينـزعه ، فإن نزعه لم يكن له أن
يلبسه ، فإن لبسه افتدى ، وكذلك إن نقل الطيب من موضع من بدنه إلى موضع آخر
افتدى وكذا إن تعمد مسه بيده ، أو نحاه من موضعه ، ثم رده إليه ، فأما إن عرق
الطيب ، أو ذاب بالشمس ، فسال من موضعه إلى موضع آخر ، فلا شيء عليه . 80
83. المستحب أن يحرم عقيب الصلاة ، فإن حضرت صلاة مكتوبة ، أحرم عقيبها ،
وإلا صلى ركعتين تطوعا وأحرم عقيبهما . 80
84. أجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء ، واختلفوا في
أفضلها ، فاختار إمامنا التمتع ، ثم الإفراد ، ثم القران . 82
85. فمن أراد الإحرام بعمرة ، فالمستحب أن يقول : اللهم إني أريد العمرة
فيسرها لي ، وتقبلها مني ، ومحلي حيث تحبسني . فإنه يستحب للإنسان النطق بما
أحرم به ، ليزول الالتباس ، فإن لم ينطق بشيء ، واقتصر على مجرد النية ، كفاه
، في قول إمامنا . 91
86. فإن لبى ، أو ساق الهدي ، من غير نية ، لم ينعقد إحرامه ؛لأن ما اعتبرت
له النية لم ينعقد بدونها . 92
87. يستحب لمن أحرم بنسك ، أن يشترط عند إحرامه ، فيقول : إن حبسني حابس ،
فمحلي حيث حبستني . 92
88. إن أطلق الإحرام ، فنوى الإحرام بنسك ، ولم يعين حجا ولا عمرة ، صح ،
وصار محرما ؛لأن الإحرام يصح مع الإبهام فصح مع الأطلاق . فإذا أحرم مطلقا ،
فله صرفه إلى أي الأنساك شاء ، والأولى صرفه إلى العمرة . 96
89. إذا أحرم بنسك ، ثم نسيه قبل الطواف ، فله صرفه إلى أي الأنساك شاء ،
فأما إن شك بعد الطواف ، لم يجز صرفه إلا إلى العمرة ؛لأن إدخال الحج على
العمرة بعد الطواف غير جائز . 98
90. لا تستحب الزيادة على تلبية رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و آله
وَسَلَّمَ ـ ، ولا تكره . 103
91. يستحب ذكر ما أحرم به في تلبيته ؛ وإن لم يذكر ذلك في تلبيته ، فلا بأس
؛فإن النية محلها القلب ، والله أعلم بها . 104
92. إن حج عن غيره ، كفاه مجرد النية عنه . وإن ذكره في التلبية ، فحسن . 105
93. يستحب استدامة التلبية ، والإكثار منها على كل حال .105
94. لا يستحب رفع الصوت بالتلبية في الأمصار ، ولا في مساجدها ، إلا في مكة
والمسجد الحرام ومساجد الحرم كمسجد منى وعرفات . 106
95. الاغتسال مشروع للنساء عند الإحرام ، كما يشرع للرجال ؛لأنه نسك . وإن
رجت الحائض الطهر قبل الخروج من الميقات ، أو النفساء ، استحب لها تأخير
الاغتسال حتى تطهر ؛ليكون أكمل لها ، فإن خشيت الرحيل قبله ، اغتسلت ، وأحرمت
. 108
96. من أحرم وعليه قميص خلعه ، ولم يشقه ، وهذا قول أكثر أهل العلم . وإذا
نزع في الحال ، فلا فدية عليه ؛لأن النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و
آله وَسَلَّمَ ـ لم يأمر الرجل بفدية .في الحديث المروي عن يَعْلَى بْنَ
أُمَيَّةَ ، أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و آله
وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ
أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ ، بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ ؟ فَنَظَرَ
إلَيْهِ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ سَاعَةً ،
ثُمَّ سَكَتَ ، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك
فَاغْسِلْهُ ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ، ثُمَّ اصْنَعْ فِي
عُمْرَتِك مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك " ) متفق عليه . 109
97. اختلفت الرواية عن أحمد ـ يرحمه الله ـ في إباحة قتل القمل ؛فعنه إباحته
؛لأنه من أكثر الهوام أذى ، فأبيح قتله ، كالبراغيث وسائر ما يؤذي . والصئبان
كالقمل في ذلك ، ولا فرق بين قتل القمل ، أو إزالته بإلقائه على الأرض ، أو
قتله بالزئبق ، فإن قتله لم يحرم لحرمته ، لكن لما فيه من الترفه ، فعم المنع
إزالته كيفما كانت . ولا يتفلى ، فإن التفلي عبارة عن إزالة القمل ، وهو
ممنوع منه . 115
98. يجوز للمحرم حك رأسه ، ويرفق في الحك ، كي لا يقطع شعرا ، أو يقتل قملة ،
فإن حك فرأى في يده شعرا ، أحببنا أن يفديه احتياطا ، ولا يجب عليه حتى
يستيقن أنه قلعه . 116
99. إن خالف وتفلى ، أو قتل قملا ، فلا فدية فيه ؛فإن كعب بن عجرة حين حلق
رأسه ، قد أذهب قملا كثيرا ، ولم يجب عليه لذلك شيء ، وإنما وجبت الفدية بحلق
الشعر ، ولأن القمل لا قيمة له ، فأشبه البعوض والبراغيث ، ولأنه ليس بصيد ،
ولا هو مأكول . 116
100. لا بأس أن يغسل المحرم رأسه وبدنه برفق وفعل ذلك عمر ؛ وابنه ، وأجمع
أهل العلم على أن المحرم يغتسل من الجنابة . 117
101. الصحيح أنه لا بأس في الغطس داخل الماء ، وليس ذلك بستر ، وقد فعله عمر
وابن عباس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ ـ وهم محرومون . 118
102. يكره له غسل رأسه بالسدر والخطمي ونحوهما ؛لما فيه من إزالة الشعث ،
والتعرض لقلع الشعر . فإن فعل فلا فدية عليه . 118
103. لا نعلم خلافا بين أهل العلم ، في أن للمحرم أن يلبس السراويل ، إذا لم
يجد الإزار ، والخفين إذا لم يجد نعلين ولا فدية عليه في لبسهما عند ذلك .
120
104. إذا لبس الخفين ، لعدم النعلين ، لم يلزمه قطعهما ، في المشهور عن أحمد
، ويروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وبه قال عطاء . 120
105. لبس الخف المقطوع محرم مع القدرة على النعلين كلبس الصحيح وفيه إتلاف
ماله ، وقد نهى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ عن إضاعته
. 121
106. إذا لبس الخفين ، لعدم النعلين ، لم يلزمه قطعهما في المشهور عن أحمد ؛
والأولى قطعهما ، عملا بحديث ابن عمر ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ الصحيح "
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ ، فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ ،
وَلْيَقْطَعْهُمَا ، حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ "ـ ،
وخروجا من الخلاف ، وأخذا بالاحتياط . 120
107. إن لبس الخف المقطوع ، مع وجود النعل ، فعليه الفدية ، وليس له لبسه لأن
النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ شرط في إباحة
لبسهما عدم النعلين ، فدل على أنه لا يجوز مع وجودهما ، ولأنه مخيط لعضو على
قدره ، فوجبت على المحرم الفدية بلبسه ، كالقفازين . 122
108. أما النعل ، فيباح لبسها كيفما كانت ، ولا يجب قطع شيء منها ؛لأن
إباحتها وردت مطلقا . وهذا هو الصحيح ؛فإنه إذا لم يجب قطع الخفين الساترين
للقدمين والساقين فقطع سير النعل أولى أن لا يجب . ولأن ذلك معتاد في النعل ،
فلم تجب إزالته ، كسائر سيورها ، ولأن قطع القيد والعقب ربما تعذر معه المشي
في النعلين ؛لسقوطهما بزوال ذلك ، فلم يجب . 123
109. ليس للمحرم أن يعقد عليه الرداء ، ولا غيره ، إلا الإزار والهميان .
وليس له أن يجعل لذلك زرا وعروة ، ولا يخلله بشوكة ولا إبرة ولا خيط ؛لأنه في
حكم المخيط .124
110. أما الحجامة إذا لم يقطع شعرا فمباحة من غير فدية لما رواه ابن عباس أن
النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ أحتجم وهو محرم ولم يذكر
فدية ، فإن احتاج في الحجامة إلى قطع شعر ، فله قطعه ؛ وعليه الفدية . 126
111. لا تحل للمحرم الإعانة على الصيد بشيء . 132
112. إذا دل المحرم حلالا على الصيد فأتلفه ، فالجزاء كله على المحرم . 133
113. إن دل محرم محرماً على الصيد ، فقتله فالجزاء بينهما . ولو دل محرم
محرما على صيد ، ثم دل الآخر آخر ، ثم كذلك إلى عشرة ، فقتله العاشر ، كان
الجزاء على جميعهم . وإن وجد من المحرم حدث عند رؤية الصيد ، من ضحك ، أو
استشراف إلى الصيد ، ففطن له غيره فصاده ، فلا شيء على المحرم .133
114. إن أعار المحرم قاتل الصيد سلاًحا ، فقتله به ، فهو كما لو دله عليه ،
سواء كان المستعار مما لا يتم قتله إلا به ، أو أعاره شيئا هو مستغن عنه ،
مثل أن يعيره رمحا ومعه رمح ، وكذلك إن أعاره سكينا ، فذبحه بها . 134
115. إن أعار المحرم غيره آلة ليستعملها في غير الصيد ، فاستعملها في الصيد ،
لم يضمن ؛لأن ذلك غير محرم عليه . 134
116. إن دل الحلال محرما على الصيد ، فقتله ، فلا شيء على الحلال ؛لأنه لا
يضمن الصيد بالإتلاف ، فبالدلالة أولى ، إلا أن يكون ذلك في الحرم ، فيشاركه
في الجزاء ؛لأن صيد الحرم حرام على الحلال والحرام . 134
117. إن صاد المحرم صيدا لم يملكه ، فإن تلف في يده ، فعليه جزاؤه ، وإن
أمسكه حتى حل ، لزمه إرساله ، وليس له ذبحه . 135
118. ما حرم على المحرم ، لكونه صيد من أجله ، أو دل عليه ، أو أعان عليه ،
لم يحرم على الحلال أكله . 138
119. إذا ذبح المحرم الصيد صار ميتة ، يحرم أكله على جميع الناس . لأنه حيوان
حرم عليه ذبحه لحق الله تعالى ، فلم يحل بذبحه كالمجوسي ، وكذلك الحكم في صيد
الحرم إذا ذبحه الحلال . 139
120. إذا اضطر المحرم ، فوجد صيدا وميتة ، أكل الميتة . وبهذا قال مالك وغيره
. وقال الشافعي ، وغيره : يأكل الصيد . وهذه المسألة مبنية على أنه إذا ذبح
الصيد كان ميتة ، فيساوي الميتة في التحريم ، ويمتاز بإيجاب الجزاء ، وما
يتعلق به من هتك حرمة الإحرام ، فلذلك كان أكل الميتة أولى ، إلا أن لا تطيب
نفسه بأكلها ، فيأكل الصيد ، كما لو لم يجد غيره . 140
121. النبات الذي تستطاب رائحته 0على ثلاثة أضرب :
• أحدها : ما لا ينبت للطيب ، ولا يتخذ منه ، كنبات الصحراء ، من الشيح
والقيصوم والخزامى ، والفواكه كلها من الأترج والتفاح والسفرجل وغيره ، وما
ينبته الآدميون لغير قصد الطيب ، كالحناء والعصفر ، فمباح شمه ، ولا فدية فيه
ولا نعلم فيه خلافاً .
• الثاني : ما ينبته الآدميون للطيب ، ولا يتخذ منه طيب ، كالريحان الفارسي ،
والمرزجوش(3) والنرجس ، والبرم(4) ، ففيه وجهان .
• الثالث : ما ينبت للطيب ، ويتخذ منه طيب ، كالورد والبنفسج والياسمين
والخيري ، فهذا إذا استعمله وشمه ، ففيه الفدية ؛لأن الفدية تجب فيما يتخذ
منه ، فكذلك في أصله .141
122. إن مس من الطيب ما يعلق بيده ، كالغالية ، وماء الورد ، والمسك المسحوق
الذي يعلق بأصابعه ، فعليه الفدية ; لأنه مستعمل للطيب . وإن مس ما لا يعلق
بيده ، كالمسك غير المسحوق ، وقطع الكافور ، والعنبر ، فلا فدية ; لأنه غير
مستعمل للطيب . فإن شمه ، فعليه الفدية ; لأنه يستعمل هكذا . وإن شم العود ،
فلا فدية عليه ; لأنه لا يتطيب به هكذا . 142
123. كل ما صبغ بزعفران أو ورس ، أو غمس في ماء ورد ، أو بخر بعود ، فليس
للمحرم لبسه ، ولا الجلوس عليه ، ولا النوم عليه وذلك لأنه استعمال له فأشبه
لبسه . 143
124. إن انقطعت رائحة الثوب ، لطول الزمن عليه ، أو لكونه صبغ بغيره ، فغلب
عليه ، بحيث لا يفوح له رائحة إذا رش فيه الماء ، فلا بأس باستعماله ، لزوال
الطيب منه . 143
125. أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من قلم أظفاره ، إلا من عذر ، فإن
انكسر ، فله إزالته من غير فدية تلزمه . 146
126. لا ينظر المحرم للمرآة لإزالة شعث أو شيء من زينة ، ولا فدية عليه
بالنظر في المرآة على كل حال ، وإنما ذلك أدب لا شيء على تاركه . لا نعلم
أحدا أوجب في ذلك شيئا . وقد روي عن ابن عمر ، وعمر بن عبد العزيز ـ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَ ـ ، أنهما كانا ينظران في المرآة ، وهما محرمان . 147
127. الزعفران وغيره من الأطيب ، إذا جعل في مأكول أو مشروب ، فلم تذهب
رائحته ، لم يبح للمحرم تناوله ، نيئا كان أو قد مسته النار . 147
128. أما المطيب من الأدهان ، كدهن الورد والبنفسج والزنبق والخيري واللينوفر(5) ، فليس في تحريم الادهان به خلاف في المذهب . لأنه يتخذ للطيب ، وتقصد
رائحته ، فكان طيبا ، كماء الورد . فأما ما لا طيب فيه ، كالزيت والشيرج
والسمن والشحم ودهن البان الساذج ، فلا يحرم . 149
129. لا يقصد المحرم شم الطيب من غيره بفعل منه ، نحو أن يجلس عند العطارين
لذلك ، أو يدخل الكعبة حال تجميرها ، ليشم طيبها ، فأما شمه من غير قصد ،
كالجالس عند العطار لحاجته ، وداخل السوق ، أو داخل الكعبة للتبرك بها(6) ،
ومن يشتري طيبا لنفسه وللتجارة ولا يمسه ، فغير ممنوع منه ؛لأنه لا يمكن التحرز من هذا ، فعفي عنه . 150
130. فإن حمل على رأسه مكتلا أو طبقا أو نحوه ؛ فلا فدية عليه . 152
131. يباح للمحرم تغطية وجهه ، وروي ذلك عن عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن
عوف ، وزيد بن ثابت ، وابن الزبير ، وسعد بن أبي وقاص ـ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَ ـ ، ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم ، فيكون إجماعاً . 153
132. المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها ، كما يحرم على الرجل تغطية .
رأسه لا نعلم في هذا خلافا ـ إلا ما روي عن أسماء ، أنها كانت تغطي وجهها وهي
محرمة(7) ـ ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة ، فلا يكون اختلافا .
وذُكِرَ أنه لابد أن يكون متجافيا ؛ والظاهر خلافه ، فإن الثوب المسدول لا
يكاد يسلم من إصابة البشرة ، فلو كان هذا شرطا لبين . 154
133. لا بأس أن تطوف المرأة منتقبة ، إذا كانت غير محرمة ، وطافت عائشة وهي
منتقبة . 155
134. الكحل بالإثمد في الإحرام مكروه للمرأة والرجل ، ولا فدية فيه . ولا
أعلم فيه خلافا . 156
135. يحرم على المرأة لبس القفازين ، وفيه الفدية ؛ لأنها لبست ما نهيت عن
لبسه في الإحرام ، فلزمتها الفدية . 158
136. ظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز لبس الخلخال ، وما أشبهه من الحلي ، مثل
السوار والدملوج(8). وظاهر مذهب أحمد الرخصة فيه . وهو قول ابن عمر وعائشة
وأصحاب الرأي . قال أحمد ، في رواية حنبل : تلبس المحرمة الحلي والمعصفر .
159
137. يستحب للمرأة أن تختضب بالحناء عند الإحرام ؛لما روي عن ابن عمر ـ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ ، أنه قال : من السنة أن تدلك المرأة يديها في
حناء . وما روى عكرمة ، أنه قال : كانت عائشة ، وأزواج النَّبِيَّ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَ ـ يختضبن
بالحناء ، وهن حرم . ولأن الأصل الإباحة ، وليس هاهنا دليل يمنع من نص ولا
إجماع ، ولا هي في معنى المنصوص .160
138. إذا أحرم الخنثى المشكل ، لم يلزمه اجتناب المخيط ؛لأننا لا نتيقن
الذكورية الموجبة لذلك . وإن غطى وجهه وحده ، لم يلزمه فدية لذلك . وإن جمع
بين تغطية وجهه بنقاب أو برقع ، وبين تغطية رأسه أو لبس المخيط على بدنه
لزمته الفدية ؛لأنه لا يخلو أن يكون رجلا أو امرأة . 161
139. يستحب للمرأة الطواف ليلا ؛لأنه أستر لها ، وأقل للزحام ، فيمكنها أن
تدنو من البيت ، وتستلم الحجر . 161
140. متى تزوج المحرم ، أو زوج ، أو زُوِّجَتْ محرمة ، فالنكاح باطل ، سواء
كان الكل محرمين أو بعضهم ؛لأنه منهي عنه ، فلم يصح ، كنكاح المرأة على عمتها
أو خالتها .164
141. تكره الخطبة للمحرم ، وخطبة المحرمة ، ويكره للمحرم أن يخطب للمحلين
لأنه قد جاء في بعض ألفاظ حديث عثمان : " لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ ، وَلا
يُنْكِحُ ، وَلا يَخْطُبُ " . رواه مسلم . ولأنه تسبب إلى الحرام ، فأشبه
الإشارة إلى الصيد . 165
142. الإحرام الفاسد كالصحيح في منع النكاح ، وسائر المحظورات ; لأن حكمه باق
في وجوب ما يجب في الإحرام ، فكذلك ما يحرم به . 165
143. يكره أن يشهد في النكاح ؛لأنه معاونة على النكاح فأشبه الخطبة . وإن شهد
أو خطب ، لم يفسد النكاح . 165
144. الصحيح ـ إن شاء الله ـ أن من وطىء دون الفرج أنزل أو لم ينـزل عليه دم
ولا يفسد حجه ؛لأنه استمتاع لا يجب بنوعه الحد ، فلم يفسد الحج . كما لو لم
ينـزل ، ولأنه لا نص فيه ولا إجماع ولا هو في معنى المنصوص عليه . 169
145. أما مجرد النظر من غير مني ولا مذي ، فلا شيء فيه ، فقد كان النَّبِيَّ
ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و آله وَسَلَّمَ ـ ينظر إلى نسائه وهو محرم ،
وكذلك أصحابه .172
146. إن فكر فأنزل ، فلا شيء عليه ؛فإن الفكر يعرض للإنسان من غير إرادة ولا
اختيار ، فلم يتعلق به حكم . 173
147. العمد والنسيان في الوطء سواء . 173
148. للمحرم أن يتجر ، ويصنع الصنائع ، ـ ولا نعلم في إباحتهما اختلافاً ـ
ويرتجع زوجته المطلقة . 174
149. شراء الإماء مباح ، سواء قصد به التسرى أو لم يقصد . لا نعلم فيه خلافا
. 175
150. للمحرم أن يقتل الحدأة ، والغراب ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور ،
وكل ما عدا عليه ، أو آذاه ، ولا فداء عليه ، والغراب يجوز قتله سواءً كان
أبقع أم لا ، لأن الحديث الذي لم يذكر الأبقع أصح من الحديث الذي ذكر الأبقع
(9) ، والسبع ما كان طبعه الأذى والعدوان ، وإن لم يوجد منه أذى في الحال
سواءً كان من سبع البهائم أو الجوارح . 175
151. ما لا يؤذي بطبعه ، ولا يؤكل كالرخم ، والديدان ، فلا أثر للحرم ولا
للإحرام فيه ، ولا جزاء فيه إن قتله . 177
152. لا تأثير للإحرام ولا للحرم في تحريم شيء من الحيوان الأهلي ، كبهيمة
الأنعام ونحوها ؛لأنه ليس بصيد ؛ وليس في هذا خلاف . 178
153. يحل للمحرم صيد البحر ؛ وصيد البحر : الحيوان الذي يعيش في الماء ،
ويبيض فيه ، ويفرخ فيه ، كالسمك والسلحفاة والسرطان ، ونحو ذلك . أما طير
الماء ، كالبط ونحوه ، فهو من صيد البر ، في قول عامة أهل العلم . وفيه
الجزاء . 178
154. في صيد الحرم الجزاء على من يقتله ، ويجزى بمثل ما يجزى به الصيد في
الإحرام . 179
155. ما يحرم ويضمن في الإحرام يحرم ويضمن في الحرم ، وما لا فلا ، إلا شيئين
؛أحدهما : القمل . مختلف في قتله في الإحرام ، وهو مباح في الحرم بلا اختلاف
. الثاني : صيد البحر . مباح في الإحرام بغير خلاف ، ولا يحل صيده من آبار
الحرم وعيونه . 180
156. يضمن صيد الحرم في حق المسلم والكافر ، والكبير والصغير ، والحر والعبد
؛لأن الحرمة تعلقت بمحله بالنسبة إلى الجميع ، فوجب ضمانه كالآدمي . 181
157. من ملك صيدا في الحل ، فأدخله الحرم ، لزمه رفع يده عنه وإرساله ، فإن
تلف في يده ، أو أتلفه ، فعليه ضمانه ، كصيد الحل في حق المحرم . 181
158. يضمن صيد الحرم بالدلالة والإشارة ، كصيد الإحرام ، والواجب عليهما جزاء
واحد . نص عليه أحمد . وظاهر كلامه أنه لا فرق بين كون الدال في الحل أو
الحرم . 181
159. إذا رمى الحلال من الحل صيدا في الحرم ، فقتله ، أو أرسل كلبه عليه ،
فقتله ، أو قتل صيدا على فرع في الحرم أصله في الحل ، ضمنه . 181
160. إن أمسك طائرا في الحل ، فهلك فراخه في الحرم ، ضمن الفراخ ، ولا يضمن
الأم ؛لأنها من صيد الحل ، وهو حلال . 182
161. إن رمى من الحرم صيدا في الحل ، أو أرسل كلبه عليه ، أو قتل صيدا على
غصن في الحل أصله في الحرم ، أو أمسك حمامة في الحرم ، فهلك فراخها في الحل ،
فلا ضمان عليه .182
162. لا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش ؛ لأنه بمنـزلة الميت . ولا بأس
بقطع ما انكسر ولم يَبِنْ ؛ لأنه قد تلف وهو بمنـزلة الظفر المنكسر . 186
163. لا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان ، وانقلع من الشجر بغير فعل آدمي
. ولا ما سقط من الورق . نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا ; لأن الخبر إنما
ورد في القطع ، وهذا لم يقطع . 187
164. يباح أخذ الكمأة(10) من الحرم ، وكذلك الفقع ؛لأنه لا أصل له ، فأشبه
الثمرة . 188
165. يجب في إتلاف الشجر والحشيش الضمان . 188
166. من قلع شجرة من الحرم ، فغرسها في مكان آخر ، فيبست ، ضمنها ؛لأنه
أتلفها . وإن غرسها في مكان من الحرم ، فنبتت ، لم يضمنها ؛لأنه لم يتلفها ،
ولم يزل حرمتها . وإن غرسها في الحل ، فنبتت ، فعليه ردها إليه ؛لأنه أزال
حرمتها . فإن تعذر ردها ، أو ردها فيبست ، ضمنها . 189
167. يباح لمن وجد آخذ الصيد أو قاتله في حرم المدينة ، أو قاطع الشجر
سَلْبُهُ ، وهو : أخذ ثيابه حتى سراويله . فإن كان على دابة لم يملك أخذها
؛لأن الدابة ليست من السلب ، وإنما أخذها قاتل الكافر في الجهاد لأنه يستعان
بها على الحرب بخلاف مسألتنا . وإن لم يسلبه أحد ، فلا شيء عليه ، سوى
الاستغفار والتوبة . 192
168. يفارق حرم المدينة حرم مكة في شيئين : أحدهما : أنه يجوز أن يؤخذ من شجر
حرم المدينة ما تدعو الحاجة إليه ، للمساند والوسائد والرحل ، ومن حشيشها ما
تدعو الحاجة إليه للعلف ، الثاني : أن من صاد صيدا خارج المدينة ، ثم أدخله
إليها ، لم يلزمه إرساله . 193
169. صيد وج وشجره مباح ـ وهو واد بالطائف ـ لأن الأصل الإباحة ، والحديث
الوارد فيه ضعيف ، ضعفه أحمد ـ يرحمه الله ـ . 194
170. لا فرق بين الحصر العامِّ في حق الحَاجِّ كله ، وبين الخاص في حق شخص
واحد ، مثل أن يحبس بغير حق ، أو أخذته اللصوص وحده ؛لعموم النص ، ووجود
المعنى في الكل .195
171. كان على المحصر دين مؤجل ، يحل قبل قدوم الحاج ، فمنعه صاحبه من الحج ،
فله التحلل من الحج ; لأنه معذور . 195
172. لو أحرم العبد بغير إذن سيده أو المرأة للتطوع بغير إذن زوجها ، فلهما
منعها ، وحكمهما حكم المحصر . 195
173. إذا قدر المحصر على الهدي ، فليس له الحل قبل ذبحه . فإن كان معه هدي قد
ساقه أجزأه ، وإن لم يكن معه لزمه شراؤه إن أمكنه ، وقيل لا يحل إلا في الحرم
وهذا ـ والله أعلم ـ في من كان حصره خاصا ، وأما الحصر العام فلا ينبغي أن
يقوله أحد ؛لأن ذلك يفضي إلى تعذر الحل ، لتعذر وصول الهدي إلى محله ، ولأن
النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و آله وَسَلَّمَ ـ وأصحابه نحروا
هداياهم في الحديبية ، وهي من الحل . 196
174. من يتمكن من البيت ويصد عن عرفة ، فله أن يفسخ نية الحج ، ويجعله عمرة ،
ولا هدي عليه ؛لأننا أبحنا له ذلك من غير حصر ، فمع الحصر أولى . فإن كان قد
طاف وسعى للقدوم ، ثم أحصر ، أو مرض حتى فاته الحج ، تحلل بطواف وسعي آخر
؛لأن الأول لم يقصد به طواف العمرة ، ولا سعيها ، وليس عليه أن يجدد إحراما .
199
175. إذا تحلل المحصر من الحج ، فزال الحصر ، وأمكنه الحج لزمه ذلك إن كانت
حجة الإسلام ، أو كانت الحجة واجبة في الجملة ؛لأن الحج يجب على الفور . 200
176. إن أحصر في حج فاسد ، فله التحلل ؛لأنه إذا أبيح له التحلل في الحج
الصحيح ، فالفاسد أولى . فإن حل ، ثم زال الحصر وفي الوقت سعة ، فله أن يقضي
في ذلك العام . وليس يتصور القضاء في العام الذي أفسد الحج فيه في غير هذه
المسألة . 200
177. المحصر ، إذا عجز عن الهدي ، انتقل إلى صوم عشرة أيام ، ثم حل . 201
178. إن نوى المحصر التحلل قبل الهدي أو الصيام ، لم يتحلل ، وكان على إحرامه
حتى ينحر الهدي أو يصوم ؛لأنهما أقيما مقام أفعال الحج ، فلم يحل قبلهما ،
وليس عليه في نية الحل فدية لأنها لم تؤثر في العبادة ، فإن فعل شيئا من
محظورات الإحرام قبل ذلك ، فعليه فديته ، كما لو فعل القادر ذلك قبل أفعال
الحج . 201
179. إن أحصر الحجاج بعدو وأذن لهم في العبور ، فلم يثقوا بهم ، فلهم
الانصراف ؛لأنهم خائفون على أنفسهم ، فكأنهم لم يأمنوهم ، وإن وثقوا بأمانهم
، وكانوا معروفين بالوفاء ، لزمهم المضي على إحرامهم ؛لأنه قد زال حصرهم .
202
180. وإن طلب العدو خفارة على تخلية الطريق ، وكان ممن لا يوثق بأمانه ، لم
يلزمهم بذله ؛لأن الخوف باق مع البذل ، وإن كان موثوقا بأمانه والخفارة كثيرة
، لم يجب بذله ، بل يكره إن كان العدو كافرا ؛لأن فيه صغارا وتقوية للكفار ،
وإن كانت يسيرة ، فقياس المذهب وجوب بذله . 202
181. المشهور في المذهب أن من يَتَعَذَّر عليه الوصول إلى البيت لغير حصر
العدو ، من مرض ، أو عرج ، أو ذهاب نفقة ، ونحوه ، أنه لا يجوز له التحلل
بذلك . 203
182. إن شرط في ابتداء إحرامه أن يحل متى مرض ، أو ضاعت نفقته ، أو نفدت ، أو
نحوه ، أو قال : إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني . فله الحل متى وجد ذلك ، ولا
شيء عليه ، لا هدي ، ولا قضاء ، ولا غيره . 204
183. الحج لا يفسد إلا بالجماع ، فإذا فسد فعليه إتمامه ، وليس له الخروج منه
. لقوله تعالى : "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ " ، وروي ذلك
عن عمر ، وعلي ، وأبي هريرة ، وابن عباس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ ـ ولم
نعرف لهم مخالفا . 205
184. حرم بالقضاء من أبعد الموضعين : الميقات ، أو موضع إحرامه الأول ; لأنه
إن كان الميقات أبعد ، فلا يجوز له تجاوز الميقات بغير إحرام ، وإن كان موضع
إحرامه أبعد ، فعليه الإحرام بالقضاء منه . نص عليه أحمد . 207
185. ذا قضيا ، تفرقا من موضع الجماع حتى يقضيا حجهما . روي هذا عن عمر ،
وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ لأن التفريق بينهما خوفا من معاودة المحظور ،
وإنما اختص التفريق بموضع الجماع ، لأنه ربما يذكره برؤية مكانه ، فيدعوه ذلك
إلى فعله . ومعنى التفرق أن لا يركب معها في محمل ، ولا ينـزل معها في فسطاط
ونحوه . 207
186. التفريق مستحب ولا يجب وهذا هو الأولى . 207
187. العمرة كالحج ـ وهذا في عامة أحكام الحج ـ ، فإن كان المعتمر مكيا ،
أحرم بها من الحل ، أحرم للقضاء من الحل ، وإن كان أحرم بها من الحرم ، أحرم
للقضاء من الحل ، ولا فرق بين المكي ومن حصل بها من المجاورين . 208
188. إن أفسد المتمتع عمرته ، ومضى في فاسدها ، فأتمها ، فقال أحمد : يخرج
إلى الميقات ، فيحرم منه للحج ، فإن خشي الفوات أحرم من مكة ، وعليه دم ،
فإذا فرغ من حجه خرج إلى الميقات فأحرم منه بعمرة مكان التي أفسدها ، وعليه
هدي يذبحه إذا قدم مكة ، لما أفسد من عمرته . 208
189. ولو أفسد الحاج حجته ، وأتمها ، فله الإحرام بالعمرة من أدنى الحل ،
كالمكيين . 208
190. إذا أفسد القضاء ، لم يجب عليه قضاؤه ، وإنما يقضي عن الحج الأول ، كما
لو أفسد قضاء الصلاة والصيام ، وجب القضاء للأصل ، دون القضاء ، كذا هاهنا ;
وذلك لأن الواجب لا يزداد بفواته ، وإنما يبقى ما كان واجبا في الذمة على ما
كان عليه ، فيؤديه القضاء . 208
191. إذا دخل المحرم المسجد الحرام ، فذكر فريضة أو فائتة ، أو أقيمت الصلاة
المكتوبة ، قدمهما على الطواف لأن ذلك فرض والطواف تحية . 212
192. إن خاف فوت ركعتي الفجر ، أو الوتر ، أو أحضرت جنازة ، قدمها على الطواف
؛لأنها سنة يخاف فوتها ، والطواف لا يفوت . 212
193. يستحب للمحرم استلام الحجر ويحاذيه بجميع بدنه ، والمرأة كالرجل ، ولا
يستحب لها مزاحمة الرجال . 215
194. الرمل لا يسن في غير الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم ، أو طواف
العمرة ، فإن ترك الرمل فيها لم يقضه في الأربعة الباقية ؛لأنها هيئة فات
موضعها ، فسقطت . 220
195. الطهارة من الحدث والنجاسة والستارة ـ يريد ستر العورة ـ شرائط لصحة
الطواف . 222
196. إذا شك في الطهارة ، وهو في الطواف ، لم يصح طوافه ذلك ؛ لأنه شك في شرط
العبادة قبل الفراغ منها .224
197. إن شك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف ، لم يلزمه شيء ؛لأن الشك في شرط
العبادة بعد فراغها لا يؤثر فيها . 224
198. إن شك في عدد الطواف ، بنى على اليقين إن أخبره ثقة عن عدد طوافه ، رجع
إليه إذا كان عدلاً .224
199. إن شك في ذلك بعد فراغه من الطواف ، لم يلتفت إليه ، كما لو شك في عدد
الركعات بعد فراغ الصلاة . 224
200. إذا فرغ المتمتع ، ثم علم أنه كان على غير طهارة في أحد الطوافين ، لا
بعينه ، بنى الأمر على الأشد ، وهو أنه كان محدثا في طواف العمرة ، فلم يصح ،
ولم يحل منها ، فيلزمه دم للحلق ، ويكون قد أدخل الحج على العمرة ، فيصير
قارنا ، ويجزئه الطواف للحج عن النسكين ، ولو قدرناه من الحج لزمه إعادة
الطواف ، ويلزمه إعادة السعي على التقديرين ؛لأنه وجد بعد طواف غير معتد به .
وإن كان وطئ بعد حله من العمرة ، حكمنا بأنه أدخل حجا على عمرة ، فأفسده ،
فلا تصح ، ويلغو ما فعله من أفعال الحج ، ويتحلل بالطواف الذي قصده للحج من
عمرته الفاسدة ، وعليه دم للحلق ، ودم للوطء في عمرته ، ولا يحصل له حج ولا
عمرة . ولو قدرناه من الحج ، لم يلزمه أكثر من إعادة الطواف والسعي ، ويحصل
له الحج والعمرة . 225
تـابـع
الموضوع
====
(1) ولعل هذا يقيد بما إذا لم يقف بعرفة فالحج عرفة .
(2) الغالية : اخلاط من الطيب كالمسك والعنبر .
(3) من الرياحين دقيق الورق بزهر أيض عطري .
(4) زهر أصفر طيب الرائحة لشجر تسمي شجرة إبراهيم .
(5) ضرب من النبات ينبت في المياة الراكدة تظهر أوراقه وزهره على سطح الماء .
(6) قال المحقق : ( هكذا قال ـ يرحمه الله ـ مع أنه لا يجوز التبرك بالمخلوق
؛ لا الكعبة ولا غيرها ، وما صح من تبرك الصحابة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ ـ
بما انفصل من جسم الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فهذا
من خصائصه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ حال حياته ) والصحيح
أنه من خصائصه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ حال حياته وبعد
مماته أي يجوز التبرك بآثره المنفصة عنة ولو بعد مماته ؛ كما ثبت في الصحيح
وغيره أن أم سلمة ـ رضي الله عنهاـ كان عندها جلجل من فضة فيه شعر لنبي ـ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فكان الناس يستشفون به فيشفون ،
والإستشفاء به نوع من التبرك ، ولا يعرف أنه بقي شيئ من آثار النبي ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ .
(7) أخرجه مالك متاب الحج ، باب : تخمير المحرم وجهه .
(8) الدملوج : سوار يحيط بالعضد .
(9) الحديث الأول " خَمْسٌ فَوَاسِقُ , يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ :
الْحَيَّةُ , وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ , وَالْفَأْرَةُ , وَالْكَلْبُ
الْعَقُورُ , وَالْحِدَأَةُ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ . قال الموفق ـ رحمه الله ـ
: وَهَذَا يُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ , وَلَا يُمْكِنُ
حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ ; بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُبَاحَ مِنْ الْغِرْبَانِ
لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ . وَلَنَا , مَا رَوَتْ عَائِشَةُ ; قَالَتْ : " أَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ
وَالْحَرَمِ : الْحِدَأَةِ , وَالْغُرَابِ , وَالْفَأْرَةِ , وَالْعَقْرَبِ ,
وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ " . وَعَنْ ابْنِ عُمَر , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم قَالَ :" خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ , لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ
جُنَاحٌ فِي قَتْلِهِنَّ " . وَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ عَائِشَةَ . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ , فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : { خَمْسٌ
لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتْلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ } .
(10) الكمأة : الفقع نبات يشبه البطاطس ( البطاطا ) ينبت في داخل الأرض ويوجد
في موسم الأمطار .