اطبع هذه الصفحة


توجيهات تربوية للأسر بمناسبة العيد

د. عبدالله بن معيوف الجعيد


بسم الله الرحمن والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ..... أما بعد ,,,,,,
مرحبًا بهذا الجمع الطيِّب المبارك لآل نافل في ملتقاهم العيدي السنوي لعام 1439 هجرية، وفي البداية يحضرني قول الشاعر:


حبي لأهلي وأولادي وعائلتي .... ومن يلوذُ بأهلي حب ذي شيم
فمن أحبهم أحببته علنًا ....... وباطنًا وأنا ضد لضدهم
الأقربون بهم أوصى الإلهُ وذا ... سرٍ لعارف معنى وصلة الرحم


فمرحبًا بكل من حضر هذا اللقاء البهيج الذي جمع الأحبة من ابناء العمومة والضيوف الكرام من كل حدب وصوب .. جمعهم الود والمحبة والألفة والصلة ..أدام الله عليكم هذا الحضور والتواصل وهذا الجمع المبارك .. فكم غردت القلوب فرحًا بهذا القاء ، وكم تألَّقت البسمات في محيا هذا الجمع فرحا بهذا اللقاء..السنوي
فهذا الملتقى أنتم رُبَّانه وأنتم قادته وأنتم حاضروه وأنتم منظموه في كل عام .. تشوَّقنا لأحبتنا وجمعهم المبارك، نلتقي في كل عام فيزدادُ فرحنا بهذا العيد وهو عيد لقاء الأحبة، فكما تعلمون أحبتي الكرام، فإنَّ الأمة الإسلامية جمعاء تحتفل بعيد الفطر المبارك، إلَّا إنَّنا نحن آل نافل لدينا عيدان،في هذا العيد نحتفلُ كما يحتفل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بعيد الفطر، وأيضًا نحتفل بأبنائنا الخريجين لكل عام في مثل هذه الأيام ..
والحمد لله الأجل الأكمل .. ثم الصلاة على النبي الأكرم محمد خير الورى ..صلى عليه الله والصحب الأكرم .. عيدٌ يعودُ به اللقاء يطيب وإليه تهفو أنفس وتؤوب .. عيدٌ من العود والاعتياد .. سعيدٌ من السعادة والإسعاد .. مباركٌ من البركة والتبريك .. العيد أفراحٌ بعد طاعات ولقاءٌ بعد افتراق وعناقٌ بعد اشتياق .. هي أيام كباقي الأيام طوال وساعات لكنها تعدلُ في فضلها السنوات .. فيها الأفراح واللقاءات، ارواحٌ تتجدد وهمومٌ تتبدد وأفراحٌ تتعدد .. كمالُ العيد اجتماعًا بالأحباب وصلةً بالأصحاب ..
أيها المجتمعون في لقاءكم السنوى والضيوف الكرام، كان يجتمع الأجداد لعيدهم المبارك واليوم يجتمع الآباء وغدا يحتفل الأبناء .. أماناتكم بلغتنا ودعواتكم وصلتنا ودعاؤكم أبهجنا، فسنظلُّ لكم أوفيَّاء وبكم أعزَّاء وإليكم أحبَّاء .. أيها المجتموعون والمحتفلون في هذا الملتقى البهيج أنتم يدٌ واحدة .. وأصلٌ واحد .. تجمعكم قرابة وتاريخ وأصالة ..ويتجدد فيكم انتماءٌ وولاء .. أصلٌ أصيل .. وطنٌ عظيم .. أمنٌ نعيم ..وربٌ رحيم .. تلك نِعَم تستحق الشكر.. تصافحت أياديكم في هذا المساء وزادت روابطكم .. فزالت دوافع أحزِانكم.. اليوم تكتمل صورة رسمها عرق الآباء وبرزتها دمائهم وبَنَتْها أمجادهم ونحن اليوم نحمل عنهم أماناتهم .. لتوصيلها إلى أحفادهم

اليوم تكتسي تلك الصورة بِلوْنِ الوطن .. لون الوحدة .. لون الولاء للوطن .. هنا يتجدد التاريخ ويبقى.. هنا يعلو المجد ويرقى .. كل منكم وفيًا لأبيه وجدِّه وتاريخه .. وكل منكم فردٌ صالحٌ لوطنه ومجتمعهُ وأمته .. يد تمسك الماضي الأصيل وأخرى تتناول المستقبل الباسم الجميل .. لن يغيب عن كل مجد ولا أصل مؤصل دعوا الخلافات والاختلافات وانظروا للتاريخ .. لن تدعوا لجاهلية ولن تُحْيُوا عصبية بل تصلوها عزوة أبية لوطن يستحق الحميَّة..

فالحمد لله الذي شرَعَ لعباده مواسم الخيرات، وسَنَّ لهم سننَ الهدى وأحل لهم الطيبات.. والصلاة والسلام على خير خلق الله المعلم الأول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .. فيأيها الوطن الغالي ستظلُّ شامخًا أبيًّا ، يا موطن الآباء والأجداد ستظل آمنًا ، يا بلد التوحيد والرسالات.. ستظل مهبط الوحي ومَهْوى الأفئدة .. يا وطني لن ينال منك المغرضون فلك حكام وافون وشعبٌ لا يخون.. ومِن هنا أيها الوطن العزيز نعلن تضامننا مع حكومتنا وولاة أمورنا مستنكرين كل مظاهر الإرهاب ومتعاهدين على أن نكون لك جنودًا أوفياء خدمةً لله ولاءًا لك ووفاءًا في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين سموِّ الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه وسدد خطاه ..

أيها الأخوة الأعزاء ابناء العمومة .. أيها العيد السعيد..... إنها معادلة عميقة المعاني أصيلة المباني .. هذه التي تجمع مناسبةً شرعها الله تعالى وسنَّها النبي المصطفى وأحياها الصحابة والتابعون، هي تجمع شريعة يمارسها المسلم مع أهله وذويه.... تواصل ورحمة وتبكير وفرح وسرور. إنَّ من أجلِّ دروس العيد أنْ تتحقق فيه الصلة الكبرى ويظهر الصفاء والنقاء وتتعانق القلوب فيه قبل الأجساد. وما تجمُّعنَا هذا إلا تجسيدًا لذلك وإظهارًا له في صورة تربط الماضي بالحاضر فنستلهم من ماضينا أصالته ومن حاضرنا تواصله وانتماءه .. ولا أبالغ حين أعجز عن التعبير عن السعادة وأنا أرى شيخًا كبيرًا يستقبله ابنًا صغيرًا، وأخًا كريمًا يقْدُمَه أخٌ كريم، وصديقًا يلتقى صديقه بعد طول عهد، وقبل كل شيء فرحة بقبول طاعة فَترْسُم على محيَّاه السعادة والأنس والفرح بعد العبادة .. وليس ملتقانا أيها الكرام بغريب عليكم ولا بدعة فهو من قبل أي شيء من تعظيم شعائر الله فأنتم به تعظمونها وتحققونها، كما كان يلتقي الأجداد من قبل فتحققت بهم الصلة والتعاون وآنست بهم جمال المجالس، وها أنتم تُحْيُونَها تحقيقًا لشريعة واقتداء لسنة مع ذكرٍ لهم وترحُّمٍ عليهم فغفر الله لمن مات منهم وشفى الله من كان مريضاً وحفظ الأحياء منهم على طاعة وحسن الخاتمة..
أيها الآباء بكم نقتدي ..... أيها الأبناء بكم نرتقي .... أيها الأحفاد إليكم نعتلي .... صِلُوا ما كان عليه الآباء وَطوِّرُوه واحرصوا عليه ولا تقطعوه فأنتم الخلف وهم السلف وخير الخلف ما حرص على ما كان عليه السلف.

فالتواصل والصلة بين أفراد المجتمع وذوي الرحم أمرٌ محمود حثَّ عليه الدين الحنيف. فَلْنَتَصافَح ونبدأ صفحة جديدة مع أنفسنا. صلة الأقارب وزيارة الأرحام ومراعاة حقوق الآخرين أمَرَ به الدين الحنيف إذا وعينا بذلك نحصل على أجر جزيل .. أيها الإخوة وأبناء العمومة ، صلة الرحم مَدْعَاةٌ لرفعة الواصل، وسببٌ للذكر الجميل، وموجبةٌ لشيوع المحبة، وعزة المتواصلين، صلة الرحم تقوي المودة، وتزيد المحبة، وتتوثق بها عرى القرابة، وتزيل العداوة والشحناء، فيها التعارف، وفيها التواصل، وفيها الشعور بالسعادة والصلة ويستأثر ملتقنا آل نافل الأغر بالاستمرار على هذا النهج الكبير كل عام، فظاهر النهج هو تكريم المتفوقين والناجحين والمتميزين، وباطنه تتزايد أواصر الرحمة والقوة بيننا وبين بعضنا.. فاللهم أَدِمْ علينا جمعنا المبارك دائمًا لا ينضب ولا ينتهي أبدًا.
فالأسرة معاشر الصالحين من أهم ما يجب أن نحافظ عليه، ففيها استقرار المجتمع وراحته، وهناءته وسعادته، ولذلك دَأَبَ الأنبياء والصالحين في نصحهم لأسرهم، وتوجيههم لأولادهم، فعلى سبيل المثال كما قصَّ علينا ربنا في كتابه العزيز عن لقمان الحكيم وهو يُسْدِي لابنه النصيحة تلو الأخرى، فيذكِّره بقدرة الله تعالى، ليعزِّز إيمانه به، ومراقبته له سبحانه، فأمره بتوحيد الله وعدم الشرك، ثم أوصاه بطاعة والديه والإحسان إليهم، وأمره بمراقبة الله في السر والعلن وأمره بالصلاة وصالح الأعمال ليكون فردًا ناجحًا في حياته، إيجابيًا في مجتمعه، وفي هذا توجيهٌ ربانيٌ للآباء والأزواج أن يجالسوا ويجلسوا مع أولادهم وبالأحرى مع أسرهم فيسمعوا منهم، وينصحوهم ويصححوا لهم الأفكار والمفاهيم.

فكم لهذه الجلسة من أثر في حلول البركة، وصفاء الجلسة، وعموم المحبة، فقد اشتكى الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:"يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، فقال صلى الله عليه وسلم: (لعلكم تتفرقون؟). قلنا: نعم، قال: (اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عز وجل يبارك لكم فيه).

ومما لا شك فيه أن تجمُع الأقارب في حد ذاته أمر طيب وحسن، خاصة إذا كان التجمع العائلي تَغْمُره وتسوده أجواء المشاعر الأسرية الدافئة: من حب ومودة وحنان، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كان يجلس إلى أسرته ويستمع إليهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: بِتُّ عند خالتي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد.
وكان صلى الله عليه وسلم يجلس إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها، فكانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها.
وتجمُّعِنَا هذا أصدقائي وأبناء عمومتي، فرصة للآباء والأمهات بمتابعة أولادهم عن كَثْب وملاحظة كل تغيير يطرأ على حالتهم النفسية، كما يتيح فرصة للآباء والأمهات بإظهار اهتمامهم
ودعمهم لأبنائهم خاصة في سن المراهقة في وسط الفتن التي تَعِجُّ بها هذه الحياة الدنيا. ففي أجواء هذه الجلسات العائلية تنتقل الخبرات عبر الأجيال، وتُصَحَّحُ المفاهيم الخاطئة التي قد يلتقطها الأولاد، وتُلبِّى حاجاتُهم المُلحَّة، وتُقدم لهم التوعية في ظل المتغيرات المتسارعة، ويتبادلون وجهات النظر حول كثير من القضايا وشؤون الأسرة والمجتمع.
وهذه الجلسات فرصة ثمينة لترسيخ القيم النبيلة، وربط الأبناء والبنات بالعادات والتقاليد الأصيلة، وتعليمهم مكارم الأخلاق والآداب، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستَثْمِرُها في التوجيه والتهذيب، والتعليم والتأديب، فيقول صلى الله عليه وسلم لغلام يأكل معه: (يا غلام سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).
فاللهم اجعل أزواجنا وأولادنا مصدر سعادة لنا، وأدم المودة والرحمة في بيوتنا، ووفقنا لطاعتك وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم.

أخواتي وأصدقائي وأحبائي ..... إن ربَّكم الذي خلقكم لمَّا أراد لكم الصلةَ فيما بينكم، جعل بينكم نسبًا وصهرًا من أرحامكِم، وجعل الطريق إلى نيل رحمته من راعى هذه الأرحام في حياتكِم، فمن نال صلةً من الرحمن كان ممن وصل صِلَتَكَم، ومن قُطع عن الرحمات فهو من قَطع رحِمَكَمْ.
أليس هو القائل: «أنا الرحمن، خلقتُ الرَّحِم وشققتُ له اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته».
كما أن الله جعل قاطعُ الرحم في كتابه قرينَ من تولى وكَفَر، وأفسد في أرضه وتمادى في البَطَر، وطغا وبغى حتى استطر، فقال تعالى عزّ من قائل: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ» (سورة محمد 22).
ولما كتب الله له في الآخرة عذابا شديدا، عاقبه كذلك في الدنيا بأن يعيش شريدًا، يتجرَّعُ مُرَّ الحياة وحيدًا، ويسقى المذلة ماء صديدًا.. فإذا نزلت به نوازل الحياة انقصَمْ، وما وجد حينها قريبا حَمَى أو صديقًا عصَمْ.
ألم يفْقَهُهَا الأعرابي فيوصي أبناءه عند الموت بالوحدةِ قائلا:

تأبى الرماح إذا اجتمعن أن يتكسرا * وإذا افترقن تكسرت آحادا

فيا بشراك يا واصل الرحم بالرحمات، وبسعة الرزق والبركات، وطول عمرك في الحياة، وبالذكر الحسن بعد الممات.

إنها بشرى الحبيب المصطفى، الذي لا ينطق عن الهوى «من أراد أن يُبسَطَ له في رزقه، ويُنسَأَ له في أثرِهِ، فليصل رحمه».
يا سعدكم يا واصلي الأرحام، أنتم المختارون من بين الزحام، المرفوعون فوق الركام، تزاورتم فسماكم اللهم زواره، وتعاونتم فسماكم الله أعوانه، وتواصلتم فوصلكم الله برحماته.
إنَّ الساعين إلى اجتماع اليوم، لم يسعوا إلى دار دنيا فانية، وإنما إلى جنة باقية، ورضوان من الله أكبر لمن اتبع سبيله ورضي دينه، أتيتم تستقبلكم الرحمات، وتودعون وقد حطّت عنكم السيئات وفزتم بالحسنات.
نعم إن شاء الله، هو الكريم الذي لا تفنى خزائنُه، ومنه يرجى الخيرُ فيَّاضًا من مكامنِه، وليس أكرم ممن امتنَّ على عبيده بنعمة العائلة والرحم: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً».
فالعائلة معاشر واصلي الأرحام، من أهم ما يجب أن نحافظ عليه، ففيها استقرار المجتمع وراحته، وهناءه وسعادته، وذلك دَأْبُ الأنبياء والصالحين في نصحهم لأسرهم، وتوجيههم لأولادهم.

 

وقفات مع العيد
  • فلاشات العيد
  • عيد الفطر
  • عيد الأضحى
  • أفكار دعوية
  • أحكام العيد
  • مـقــالات
  • قصائد
  • أعياد الكفار
  • الصفحة الرئيسية