اطبع هذه الصفحة


من باع بيته أو ثيابه أو غير ذلك من أجل كتاب أو كتب

عبدالعال سعد الرشيدي


بسم الله الرحمن الرحيم


 أحمد بن محمد بن عبدالرحمن أبو جعفر القَصْري .
فقيه من أهل القيروان له عناية بالعلم ورواية الحديث وجمع الكتب ونسخها وتصحيحها . وكان يقول : لي أربعون سنة ماجفّ لي قلم . وكان ربما باع ثيابه واشترى بثمنه كتاباً أو رقوقاً لنسخ كتاب .
وحكى أبو بكر المالكي : أنه وصل إلى سوسة برسم زيارة "يحيى بن عمر" فوجده ألف كتاباً، فلم يجد ما يشتري به رقاً يكتبه فيه ، فباع قميصه الذي عليه واشترى بثمنه رقوقاً وكتب الكتاب وقابله واتى به إلى القيروان. ([1])
 
 قال أبا زرعة الرازي :
خرجت من الري المرة الثانية سنة سبع وعشرين ومائتين ورجعت سنة اثنتين وثلاثين في أولها، بدأت فحججت ثم خرجت إلى مصر فأقمت بمصر خمسة عشر شهراً وكنت عزمت في بدو قدومي مصر أني أقل المقام بها، فلما رأيت كثرة العلم بها وكثرة الاستفادة عزمت على المقام ولم أكن عزمت على سماع كتب الشافعي، فلما عزمت على المقام وجهت إلى أَعْرَفِ رجلٍ بمصر بكتب الشافعي فقبَّلتُها منه بثمانين درهما أن يكتبها كلها وأعطيته الكاغذ وكنت حملت معي ثوبين ديبقيين لأقطعهما لنفسي فلما عزمت على كتابتها أمرت ببيعهما فبيعا بستين درهما واشتريت مائة ورقة كاغذ بعشرة دراهم كتبت فيها كتبت الشافعي. ([2])
  
 قال الحافظ ابن رجب .
بيعت كتب ابن الجواليقي في بغداد، فحضرها الحافظ أبو العلاء الهمداني، فنادوا على قطعة منها: ستين دينارًا، فاشتراها الحافظ أبو العلاء بستين ديناراً، والإنظار من يوم الخميس إلى يوم الخميس. فخرج الحافظ، واستقبل طريق همدان، فوصل فنادى على دارٍ له ، فبلغت ستين ديناراً. فقال: بيعوا. قالوا: تبلغ أكثر من ذلك. قال: بيعوا. فباعوا الدار بستين ديناراً فقبضها، ثم رجع إلى بغداد.فدخلها يوم الخميس، فوفى ثمن الكتب ولم يشعر أحد بحاله إلا بعد مدة.([3])
 
عبد الله بن أحمد نصر بن الخشاب البغدادي .                                   ذكر ابن النجار : أنه اشترى يوماً كتباً بخمسمائة دينار ولم يكن عنده شيء، فاستمهلهم ثلاثة أيام، ثم مضى ونادى على داره، فبلغت خمسمائة دينار، فنقد صاحبها وباعه بخمسمائة دينار ووفي ثمن الكتب . ([4])
 
 سند بن علي .
قال أحمد بن يوسف ابن الداية الكاتب .حدثني شجاع بن أسلم الحاسب، قال: قلت لسند بن علي: من كان سببك إلى المأمون، حتى اتصلت به، وكنت في جلسائه من العلماء فقال:أحدثك به ، كان والدي يتكسب بصناعة أحكام النجوم مع قوم من أسباب السلطان يودونه ويحبونه. وتعلق قلبي بعد فراغي من قراءة كتاب أقليدس بكتاب المجسطي وكان - في أيام المأمون بسوق الوراقين- رجلٌ يعرف بمعروفٍ، يورق هذا الكتاب ويبيعه - بعد تكامل خطه وأشكاله وتجليده - بعشرين ديناراً فسألت والدي ابتياعه لي، فقال: أنظرني يا بني إلى أن يتهيأ لي شيء آخذه، إما من رزقٍ وإما من فضل، وأبتاعه لك .
وكان لي أخٌ لا يشتهي مما تقدمت أنا فيه من العلم شيئاً؛ إلا أنه كان يخدم أبي في حوائجه والإشفاق عليه ، فلما سوفني أبي بالكتاب وطالت المدة فيه، ركبت معه لأمسك دابته في دخوله إلى من يدخل إليه، ولي إذ ذاك سبع عشرة سنة ، فخرج إلي غلمان من كان عنده فقالوا: (( انصرف، فقد أقام أبوك عند مولانا )). فمضيت بالدابة فبعتها بسرجها ولجامها بأقل من ثلاثين ديناراً، ومضيت إلى معروفٍ فاشتريت الكتاب بعشرين ديناراً.
وكان لي بيتٌ أخلو فيه، وجئت إلى أمي فقلت لها: قد جنيت عليكم جنايةً ، واقتصصت عليها القصة، وحلفت لها: إن شحذت أبي علي حتى يمنعني من النظر في الكتاب لأخرجن عنهم إلى أبعد غاية، ورددت عليها فضل ثمن الدابة، وقلت لها: أنا أغلق باب هذا المنزل الذي لي، وأرضى منكم برغيفٍ يلقى إلي كما يلقى إلى المحبوس ، إلى أن أقرأه جميعه ، فتضمنت لي بتسكين فورته، ودخلت البيت وأغلقته من عندي ، فمضى أخي إلى والدي في الموضع الذي كان فيه، فأسر إليه الخبر، فتغير وجهه، وتلجلج في حديثه، فقال له من كان عنده: قد شغلت قلبي وقلب من حضر بما ظهر منك، فبحقي عليك إلا أخبرتنا لم ذا؟ ، قال فحدثته، فقال: هذا والله
يسرنا في ولدك فاتَّعِدْ فيه بكل جميل ، ثم استحضر من إسطبله بغلاً أفره من بغل أبي، وسرجاً خيراً من سرجه، وقال لأبي: اركب هذا البغل، ولا تكلم ابنك بحرفٍ،
قال سند: وأقمت ثلاث سنين كيومٍ واحدٍ، لا يرى لي أبي صورة وجهٍ، وأنا مجدٌّ حتى استكملت كتاب المجسطي .
ثم خرجت وقد عملت أشكالاً مستصعباتٍ ووضعتها في كمي، وسألت: هل للمهندسين والحساب موضعٌ يجتمعون فيه فقيل لي: لهم مجلس في دار العباس بن سعيد الجوهري تِرْبِ المأمون، يجتمع فيه وجوه العلماء بالهيئة والهندسة ، فحضرته، فرأيت جميع من حضر مشايخ، ولم يكن فيهم حدثٌ غيري، لأني كنت في العشرين سنة. فقال العباس: من تكون؟ وفيم نظرت؟ فقلت: غلام يحب صناعة الهندسة والهيئة . قال:(ما قرأت؟) قلت: (أقليدس والمجسطي) قال: (قراءة إحاطة؟)، قلت: (نعم) ، فسألني عن شيء مستصعب في كتاب المجسطي، كان تفسيره في الأوراق التي كانت في كمي، فأجبته. فعجب وقال: (من أفادك هذا الجواب؟)، قلت: استخرجته قريحتي، وما سمعته من غيري، وهو وغيره فيما مر بي في ورقٍ معي، قال: (هاته). فلما رآه اغتاظ واضطرب، ثم قال لبعض من بين يديه من غلمانه: (السفط)، فجيء به، فنظر إلى خاتمه فوجده بحاله، ثم فضه وأخرج منه كراسةً فجعل يقابل بها الورق الذي كان معي، فكان الكلام فيما معه أحسن رصفاً من الكلام الذي معي. والمعنى واحد.
فقال: هذا شيءٌ توليت تبيينه من كتاب المجسطي، فلما أحضرتنيه توهمت أنه سرق مني، حتى تبينت اختلاف اللفظين مع اتفاق المعنى . ثم أمر أن تقطع لي أقبية، وترتاد لي منطقةٌ مذهبة، ففرغ من جميع ذلك في تلك الليلة، ودخل بي إلى المأمون، وأمرني بملازمته؛ وأجرى لي أنزالاً ورزقاً. ([5])
 
 عبد الله بن المبارك بن الحسن العكبري المقرىء الفقيه ويُعرف بابن نيال.                                                                            وكان خَيِّراً مِن أهل السنة ، وتفقه على أبي الوفاء بن عقيل، وأبي سعد البرداني ، وكان يصحب شافعاً الحنبليَّ، فأشار عليه بشراء كتب ابنِ عقيل، فباع ملكاً له واشترى بثمنه كتاب ( الفنون ) وكتاب ( الفصول ) ووقفها على المسلمين. ([6])
 
 خلف أبو القاسم مولى يوسف بن بهلول البلنسي المعروف بالبربلي .
مفتي بلنسية في وقته وعظيمها ومن أهل العلم والجلالة له كتاب في شرح المدونة واختصارها سماه ( التقريب ) استعمله الطلبة في المناظرة وانتفعوا به ، ذكر أنه لما أكمل خلف كتابه دخلت منه نسخة صقلية وعبد الحق بن محمد بن هارون السهمي القرشي أبو محمد بها وكان فقيهاً فهماً صالحاً ديّناً مقدماً فلما قرأه ونظر فيه إلى أقواله وما أدخله فيه من كتابه استحسنه وأراد شراءه فلم يتيسر له ثمنه فباع حوائج من داره واشتراه فغلا الكتاب وتنافس فيه الناس عند ذلك. ([7])
 
 الشيخ الفاضل الكبير محمد نعيم بن عبد الحكيم بحر العلوم الأنصاري . اللكهنوي، أحد كبار العلماء . ولد ونشأ بلكهنؤ وحفظ القرآن، ثم اشتغل بالعلم على والده وتخرج عليه، ثم تصدر للتدريس فدرس وأفاد مدة من الزمان ببلدته، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، وأسند الحديث عن السيد أحمد بن زين دحلان الشافعي المكي ومن في طبقته من المحدثين، ثم رجع إلى الهند واعتزل في بيته مفيداً مدرساً ، وكان عالماً كبيراً فقيهاً أصولياً، متكلماً ناصحاً مفيداً .
وكان غاية في الزهد والقناعة، والتوكل على الله والتبتل إليه، والتسليم والرضا والصبر، ذا سخاء وإيثار ، يطعم الأضياف، ويعيش طلقاً ذا بشاشة للناس، لم يطلع أحد قط على فقره وفاقته.
كان حريصاً على جمع الكتب النفيسة، يقبل هدايا الكتب، وإنه باع داره التي كانت على جسر (فرنكي محل)، واشترى بثمنها حاشية الطحطاوي على الدر المختار بستين ربية. ([8])
 
 طرائف ولطائف:

 
فخر الدين عثمان المعروف بابن الطاغي .
قال ابن حجر - رحمه الله -  خازن كتب المدرسة المحموديّة بالقاهرة وهي من جمع القاضي برهان الدين ابن جماعة في طول عمره وهي من أنفس الكتب الموجودة الآن بالقاهرة فاشتراها محمود من تركة ولده ووقفها وشرط أن لا يخرج منها شيء من المدرسة وباشر - فخر الدين عمله - بقوة وصرامة وجلادة وعدم التفات إلى رسالة كبيرٍ أو صغير حتى أن أكابر الدولة وأركان المملكة بها يحاوله الواحد منهم على عارية كتاب واحدٍ ، وربما بذلوا له المال الجزيل فيصمم على الامتناع حتى اشتهر بذلك، فرافع عليه شخص من الناس أنه يرتشي في السر، فاختُبِرتْ الكتب وفُهْرِسَت فنَقُصَتْ العُشْرَ سواء، لأنها كانت أربعة آلاف مجلدة فنقصت أربعمائة، فأُلْزِم بقيمتها فقومت بأربعمائة دينار فباع فيها موجوده وداره وتأَلَّم أَكثر الناس له. ([9])
 
 
 
المرجع : ( الشذرات في أخبار الكُتب والكُتاب والمكتبات ) .
عبدالعال سعد الرشيدي
الكويت
--------------------------------
([1]) الأعلام .للزِّرِكْلي (1/206) معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان (3/12رقم185) تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب . لـ عبدالحي الكتاني ( 167 ) .
([2]) الجرح والتعديل ( 1/340 ) .
([3]) ذيل طبقات الحنابلة ( 3/ 275رقم148 ) .
([4]) ذيل طبقات الحنابلة ( 3/ 267رقم145 ) .
([5]) المكافأة وحسن العقبى . لأحمد بن يوسف ابن الداية الكاتب ( ص109رقم 71 ) .ط مكتبة الخانجي
([6]) ذيل طبقات الحنابلة ( 3/ 154رقم81 ) .
([7]) الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب .لابن فرحون المالكي ( 1/ 352 رقم6) .
([8]) الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام . المسمى (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر) (8/ 1375رقم 485).
([9]) إنباء الغمر بأبناء العمر (3/ 299سنة 826هـ ).بتصرف يسير .

 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة