اطبع هذه الصفحة


فوائد من تفسير الحافظ أبي الفرج عبدالرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي [المتوفى 795هـ . رحمه الله تعالى] لسورة الفاتحة

خالد البلوشي
5alid_aj@

 
بسم الله الرحمن الرحيم

فوائد من تفسير الحافظ أبي الفرج عبدالرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي [المتوفى 795هـ . رحمه الله تعالى] لسورة الفاتحة:


‏افتتح الله السورة بهذه الأسماء الخمسة وهي كالأصول للأسماء الحسنى:

‏فإن الإسماء المتضمنة للكبرياء والعظمة والعز ونحوها ترجع إلى (رب العالمين).

‏والأسماء المتضمنة للإنعام والإفضال والعفو والمغفرة ونحوها ترجع إلى (الرحمن الرحيم).

‏والأسماء المتضمنة للقهر والبطش ونحوها ترجع إلى (مالك يوم الدين).


‏أحوال الخلق في الدارين مجموعة في أول خمسة أسماء من أسماء الله في سورة الفاتحة :

‏فـ(الإله)هو معبود الخلق.
‏و(الرب)هو موجدهم ومربيهم.
‏و(الرحمن الرحيم) هو الشامل لهم بالإحسان العاجل و الآجل.
‏و(مالك يوم الدين)هو المجازي لهم بأعمالهم في الآخرة.
‏فهذه جميع أحوال الخلق في الدنيا و الآخرة.


الحمد : هو ارتضاء صفاتِ المحمود الحسنة والإخبار عنها باللسان ، فهو إذاً : الإخبار بمحاسن المحمود مع المحبَّة لها والرضا بها.


‏قول البعض:"اللهم إنا نخافك و مخاف من لا يخافك"هو شرك فإن من لا يخاف الله إنما يتسلط على الناس بتسليط الله له إذ قلبه وناصيته بيد الله فلا معنى للخوف منه.
‏.
‏ولا يجوز قول:"أنا بالله وبك،ومالي إلا و أنت" ويجوز إن عطف بثم "أنا بالله ثم بك ومالي إلا الله ثم أنت".


‏الرب: المالك،ولا يُطلق الرب معرفاً غير مضاف إلا في اسم الله أما المخلوقون فإذا سُمي أحدهم بهذا الإسم جاز إذا كان مضافاً إلى غير مكلف كـ"رب الإبل"وأما المكلفين فلا يجوز في ملتنا كـ"رب هذا العبد"وإن كان قد ورد في ملة يوسف ﷺ فإن هذه الملة جاءت بتجريد التوحيد والحراسة من الشرك.


‏(رب العالمين) عالم اسم لما به يُعلم.
ويصدق على الموجودات كلها وإنما سُميت عالَماً لأنها علامة دالة على موجدها ﷻ ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه أن (رب العالمين) : الذي له الخلق كله : السماوات والأرض ومافيهن و ما بينهن ومانعلمه ومما لا نعلمه.

هل يُحمد على الذَّات و الصِّفات اللازمة لها ؟ فيه خلاف :
فمن الناس من قال : يُمدح عليها و لا يُحمد ذكره الرازي في تفسيره.

والصحيح أنه يُحمد عليها أيضاً لأنه مرجع الحمد وفيها يجتمع ، ولأن تنعُّم العباد بما يتعلق بالذَّات أعظم من تنعُّمهم بالمخلوقات في الدنيا بالمعرفة و الذكر و المحبة وفي الآخرة بالرؤية و النظر وقد قال تعالى : ﴿وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا﴾ [الإسراء: ١١١].

فهذا أمر بالحمد له على صفات كماله من وحدانيته و صمديته.


‏التفكر في آيات الله و مصنوعاته المشهودة يصبغ القلب بمعرفة الله ومحبته ويدل على وحدانيته و عظمته وقدرته ، ومن هنا كان السلف الصالح يُفضلون الفكرة على غيرها من الأعمال ، وعن أبي الدرداء : تفكر ساعة خير من قيام ليلة.


‏(الرحمن الرحيم)ففي الفرق بينهما اختلاف والمشهور أن(الرحمن)ذو الرحمة العامة في الدنيا والآخرة و(الرحيم)ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين في الآخرة.

والتحقيق أن (الرحمن) يطلق في مواطن التعظيم وجلب الحسنات من الإيمان وجزائه.
وأما(الرحيم)إنما يُطلق في مواطن دفع المكروهات أو من الذنوب وعقوباتها.


‏(مالك يوم الدين)مالك كل شيء وملِكه ، وإنما خصَّ يوم الدين بالملك لأنه اليوم الذي يجتمع فيه أول الخلق و آخرهم ولا يتصرف فيه إلا سبحانه وتعالى بخلاف ماكان في الدنيا.
‏.
‏(الدين)قيل الجزاء وقيل الحساب والتحقيق أن (الدين) يتضمن : القهر والجزاء والحساب والانقياد من العباد والاستسلام.


‏التسمية بالمَلِك لا تجوز للخلق إذا أُضيفت إلى الأملاك و الخلق أو الملوك وفي الصحيحين مرفوعا (إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك) فأما اطلاقه وصفا لمن قامت به هذه الصفة فيجوز لقوله ﷻ ((إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا)).


‏اسم (الله) دال على الألهية،منه ظهر الأمر والنهي في الشرع وفيه افترق الخلق.

‏اسم (الرب)منه ظهر الخلق و الرزق والقضاء والقدر وفيه اجتمع الخلق كلهم فكلهم مقهورون تحت ربوبيته.

‏اسم (الرحمن)يشمل أهل الدنيا كلهم بالرحمة.

‏اسم (الرحيم)خاص بأهل التوحيد في دفع العقاب عنهم في الآخرة.

‏اسم (مالك يوم الدين)اقتضى جزاء الخلق كلهم بأعمالهم وادانتهم بها يوم القيامة.

‏فاسمه(الإله)اختص بالمؤمنون به في الدنيا واسمه (الرب)و(الرحمن)اشترك فيه جميع الخلق في الدنيا واسمه(الرحيم)اختص به المؤمنون في الآخرة واسمه(مالك يوم الدين)شمل الخلق كلهم في الآخرة.


‏(إياك نعبد)متعلق بالإلهية (وإياك نستعين)متعلق بالربوبية ، وهداية الصراط المستقيم متعلق بالرحمة ، وانقسام الخلق ثلاثة اقسام يتعلق ابتداؤه بالربوبية وآخرة بالمُلك ليوم الدين.


‏قال ﷻ :
‏﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾

‏كان السلف لمعرفتهم بحقِّ هذه الآية يحصل لهم عند قرائتها من المواجيد و الأذواق الإيمانية والأحوال الزكية ما يظهر عليهم فقد قام بها أحمد بن أبي الحواري في الثغر ليلة يرددها فيها إلى الصباح.


‏التَّالي للفاتحة لما أثنى على الله سبحانه و تُقبِّل ثناؤه حصل له بذلك تقريب لم يكن حاصلا قبلُ فخاطب حينئذ مخاطبة الحاضر فقال : ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾.


‏العبادة في اللغة : أصلها الذل و المحبة ، الحب أصل التعبد والذل والخضوع لازم له،وعبادة الله سبحانه تنبني على ثلاثة أركان:

خوفه،رجاؤه،محبته،ولابد للعبد من تحصيل هذه الثلاثة على وجهها وكلها ملازمة للمحبة،فإن من أحب شيئا خاف فواته و رجا حصوله وسارع في التوصل إلى حصوله.


‏لا بد في الدين من هذين الأمرين:المعبود والعبادة فالمعبود إله واحد لاشريك له والعبادة طاعته،وفاتحة الكتاب متضمنة لذلك كله فإن في أولها ذكر المعبود الحق و وسطتها ذكر عبادته وآخرها الدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم وهو تفاصيل عبادته الظاهرة والباطنة وماعدا ذلك فهو دين باطل.


‏﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾
‏العبادة تشمل كل ما يحبه الله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.

الاستعانة داخلة في العبادة فهلَّا اكتفى بذكر العبادة عنها؟
‏الجواب:

‏1-أن تكون العبادة والاستعانة من باب ما تختلف دلالته بالافراد والاقتران.

‏2-أن يكون من باب عطف الخاص على العام.


‏﴿إياك نعبد﴾
‏يستفاد منه وجوب النية في العبادات.
‏والنية نوعان:

‏1-تتعلق بالمعبود ، وهي نية الإخلاص ليتميز عمل المؤمن من عمل المنافق و المرائي.

‏2-نية العبادة المقصود بها تمييز أجناس العبادات وأنواعها.

‏والمعنى الأول هو الذي يكثر ذكره في الكتاب والسنة وكلام السلف.


‏﴿إياك نعبد﴾ ينفي الرياء ﴿وإياك نستعين﴾ ينفي العُجب.

‏﴿إياك نعبد﴾ فيه إثبات عمل العبد وعبادته خلاف ما يقوله المُجبرة.

‏﴿وإياك نستعين﴾ فيه إثبات إعانة الله للعبد والمعتزلة ينفون ذلك.


‏﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾
‏جاء الدعاء هنا بلفظ الجمع وكذا في غالب الأدعية ، لأن هذا أبلغ في التعظيم والعبودية ، لأن القائل بصيغة الجمع يشير إلى أنه وجميع أبناء جنسه من لدن آدم يعبدون الله ويسألونه ويطلبون منه الهداية.


‏الهداية في كتاب الله تطلق على أربعة أنواع:

‏1-الهداية العامة المشتركة بين الخلق ناطقهم وأعجمهم نباتهم و جمادهم(الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى).

‏2-هداية البيان والدلالة.

‏3-هداية التوفيق والإلهام.

‏4-الهداية إلى الجنة أو النار.

‏وسؤال المؤمنون هنا سؤال تثبيت على الهداية.


‏والإنسان مع إيمانه وتقواه لا يزال يترقى في مراتب الهداية فكلّ ما حصل للعبد في الدنيا من مزيد الإيمان والمعارف والعلوم والأعمال الصالحة فهو من الهداية ومراتب المعرفة والعلم بالله لا تتناهى ، فلذلك كان النبي ﷺ يسأل الله الهُدى في كل أحواله.


‏﴿الصراط المستقيم﴾ قد تكلم الناس في تفسير الصراط المستقيم
فقيل:إنه القرآن.
وقيل:الإسلام.
وقيل:هو ماتركنا عليه النبي ﷺ وكله حقٌ،وحقيقة ذلك أنه دين الله الذي لايقبل من أحد سواه وهو الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه وكل الطرق مسدودة إلى الله سواه.


‏﴿صراط الذين أنعمت﴾
‏إن الطريق يكون مستقيماً ولكن يحصل لسالكه استيحاش من قِلة سالكيه،فإن النفوس مجبولة على الوحشة من التفرد،وبتذكُر السالكين على الصراط يزول الاستيحاش ، وهم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.


‏﴿صراط الذين أنعمت﴾
‏إذا تصور الداعي أن أهل هذا الصراط هم المخصوصون بإنعام الله ، وأنهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون كان ذلك حاملاً على شدة الاعتناء بهذا الدعاء (اهدنا الصراط المستقيم).


‏﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾

‏تضمنت الآية انقسام الخلق إلى ثلاثة أقسام:
‏المنعم عليهم،والمغضوب عليهم،والضالون.

‏فإن كل أحد إما عالماً بالحق متبع له أو عالم به غير متبع له أو غير عالم به ولا متبع له.


‏‏﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾
‏الذين أنعم الله عليهم:هم النبي ﷺ ومن معه.

‏المغضوب عليهم:هم اليهود.=علِموا الحق وخالفوه.
‏الضالين:هم النصارى.=دينهم الجهل والضلال.

‏فلذلك احتجنا إلى سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم الذي لم يسلكوه عمداً أو جهلاً به


‏هذه الأمة وسط عدل خيار كما أخبر ﷻ ، فاليهود يزعمون أن ما شرعه الله لا ينسخه أبدا،والنصارى يزعمون أن لأحبارهم ورهبانهم نسخ شرائعهم،والمسلمون يقولون:ما أمر الله به لا ينسخه إلا الله فله الخلق والأمر،فكما لا يخلق غيره لا يأمر غيره.


‏﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾

‏في الذين أنعم الله عليهم ذُكر فاعل الإنعام وهو الله وفي المغضوب عليهم والضالين لم يُذكر لماذا؟

‏في حذف فاعل الغضب من الإشعار بإهانة المغضوب عليه وتحقيره وتصغير شأنه.


‏﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾

‏فإن قيل:لِم ذكر أهل الغضب باسم المفعول وأهل الضلال باسم فاعل؟

‏قيل:لأن الغضب لا يفعله الإنسان بنفسه وإنما يُفعل به،بخلاف الضلال فإنه هو اكتسبه واختاره.


‏قدَّم ذكر المغضوب عليهم على الضالين لوجوه ومنها:
‏أنهم متقدمون عليهم في الزمان.

‏أن ذمهم هو الأصل والضالون فرع عنهم فإن الإنجيل فرع على التوراة وتابع لها.

‏اليهود أشد كفراً من النصارى وأغلظ.

‏الغضب ضد الإنعام فقُرن بينهما فإن هذه السورة مثاني والمثاني:هو مايُذكر فيه الشيء ومقابلُه.


‏في الصحيحين:"إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا".
‏قال أبو المصبح المقرائي:كنا نجلس إلى أبي زهير النميري رضي الله عنه فيُحدِّث بأحسن الحديث ، فإذا دعا الرجل منَّا بدعاء قال : اختموها بآمين ، فإن آمين في الدعاء مثل الطابع على الصحيفة.
‏.
‏تم بحمد الله.


*انتقاء : خالد البلوشي.
*تويتر : 5alid_aj@



 

فوائد وفرائد
  • فوائد وفرائد من كتب العقيدة
  • فوائد وفرائد من كتب الفقه
  • فوائد وفرائد من كتب التفسير
  • فوائد وفرائد من كتب الحديث
  • فوائد وفرائد منوعة
  • غرد بفوائد كتاب
  • فوائد وفرائد قيدها: المسلم
  • فوائد وفرائد قيدها: عِلْمِيَّاتُ
  • الرئيسية