اطبع هذه الصفحة


وإن لم تعدلوا فواحدة

أ.خيرية الحارثي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وإن لم تعدلوا فواحدة

تعدد الزوجات شرع ، ولا يعترض على شرع الله مؤمن ، وقد وردت آيتين في كتاب الله قوله تعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا

( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما ( 129 ) )

وفي الحديث: ( من كانت له امرأتان، ولم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل ) رواه أبو داود و النسائي

فعلى المعدد أن يتزود بتجارب السابقين المتقين ليتجنب الزلل ، ويتجاوز العقبات الشداد .
، ولا نختلف هنا فاشتراك امرأة مع امرأة أخرى أو أكثر في زوج واحد لا يسعدها ولا يمنحها عيشاً هنيئاً في حياتها ، وهذا أمر لايختلف عليه إثنان ، وقد غضبت فاطمة رضي الله عنها عندما هم علي رضي الله عنه بالزواج ، حتى ظهر الغضب على وجه رسول الله ، فما تزوج عليها علي حتى ماتت
فإذا كان سيد المرسلين خشي خشية على فاطمة في دينها .
كما جاء في رواية البخاري (3110): ( وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا.

وعند مسلم (2449) : ( إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي ، وَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا .
فإن الغيرة من الأمور التي جبلت عليها المرأة ، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن تدفعها الغيرة لفعل ما لا يليق بحالها ومنزلتها ، وهي سيدة نساء العالمين. ، فكيف بحالنا ونحن ورجالنا كلانا ضعيفي إيمان ، وقليلي تقوى والله المستعان

ومن أقوال العلماء

إذا اشترطت الزوجة ألا يتزوج عليها ، فلها فراقه إذا تزوج عليها " وإذا فات الزوجة أن تشترط هذا الشرط في عقد الزواج فإن لها الحق في طلب الطلاق إذا قصر زوجها في حق من حقوقها أو ألحق بها أذى

والقضية بعد الشرع تعود إلى ركن عظيم يجب الإيمان به وهو القضاء والقدر ، فجملة أهل السنة والجماعة أن الله يقدر ويقضي ماشاء ، وما أراده ، وهذا الركن الذي ضعف عند كثير من المسلمين ، فلو أراد الله لرجل أن يتزوج بأكثر من زوجة فهذه ارادته سبحانه ، ولكن النفس البشرية قاصرة ، تود أن تساس الدنيا بحسب تصورها ، ونزواتها .

ونعود لقضية هامة ، وهي ماأصاب نساء اليوم من الرعب من التعدد لما يسمعنه من قصص عدم العدل بين الزوجات من كثير من رجال عصرنا ، وادران علقت بالتعدد ، وحطت من شأنه ، وهي ليست منه كتشريع ، ولكن لجهل كثير من المسلمين بربهم
وقلة التقوى ، واختلالا الفوضى ، وميل الرجل إلى نزواته ، ورغباته ، فكم من القصص الدامية من تعامل بعض الرجال المعددين مع زوجاتهم ، وكم نشأ من أولاد في حالة ضياع نظراً لإ نشغال الرجل بواحدة ، وإهماله للثانية وحدث ولا حرج من ظلم وظلمات خلدت إضطرابا في الأسر ، وأوغلت حقدا في صدور الأبناء والزوجات والهبت سعير البغضاء بين أبناء الرجل الواحد ، فكيف يرضى زوج مؤمن صادق الصلة بالله أن يختلق أسباباً تفسد مابين الإخوة ، فهل هذا يرتقب خيرا في عاجل أمره أو آجله .

ولاننكر أن كثيراً من الرجال يميل إلى التعدد وخاصة أن الله قد شرعه له ، ومنهم من هو سعيد في حياته ، ومشغول بلقمة عيشه ، ليس لديه الوقت لتحمل مسؤولية زوجة ثانية ، ومنهم من لديه قناعة تامة بزوحته فلا يتطرق له التفكر في غيرها .

وهنا قضية مهمة وهي أن كل رجل معدد يود أن جميع الرجال يجربون ماجربه سواء كان سعيدا أو شقيا ، وهذا ملاحظ حيث يجلس المعدد في المجالس يتشدق بالزوجات وكيف أنهن يتقاتلن على محبته ، وكل منهن تنافس الأخرى في الطعام والملبس ، والاستقبال ، وهذا الأمر إن كان عند البعض فليس عند الكل فالناس ليسوا نسخة واحدة من حيث الطباع والعطاء والنفسيات ، ، فالمرأة المجروحة قد تكيد ، وتمكر وتقلب حياته رأساً على عقب ، وكم سمعنا من زوجات وصلن إلى سحر الزوج لشدة ماتعانيه من عواصف الغيرة التي طاشت بلبها ، فلم تعد تعي ماتفعل ، فماذا يبقى لجسم قد فقد إيمانه ،وقلبه ودماغه.

وربما يشتد ألم المرأة عندما يتزوج عليها زوجها ، وخاصة عندما تكون سعيدة في حياتها معه، وتبذل جميع وسائل الراحة لإرضائه ، وتفني حياتها من أجله ، وتضحي بكل شئ مقابل إسعاد هذا الزوج ، ثم ما يلبث أن يرمي بكل ذلك أدراج الرياح ويضربها بزوجة أخرى ، ليس لحاجة في نفسه ولكن ليذوق التجربة التي ذاقها غيره من الرجال ، بل ربما لايتزوج بمن هي أفضل منها ، قد يتزوج بمن هي أقل منها حكمة وعلما ، ودينا وفهما ، وحسن تبعل .

وكم رويت لنا من قصص من بعض الأزواج ، عاد إلى زوجته بعد طلاق الثانية وندم ، ولكن لم يجد الندم فقد وجد زوجته الأولى انحدرت إلى الذوبان ، وذابت مشاعرها ، ولم يعد لديها عطاء فقد انحرف حنانها ، وعُكر صفو عواطفها .

ولابد أن أي أمر يمر علينا في هذه الدنيا له حكمة ، وقد يدرك البشر تلك الحكم ، وقد يغيب أكثرها ، وقد يجهلون لجهلهم بالغيب والمستقبل ، وربما تظهر حكمته لنا من بدايته ، وربما تظهر مع مرور السنين ، ولكن الإنسان خلق عجولا ، وهناك حكما كثيرة نراها بعد زواج الرجل بثانية ، وربما يكون جلها في صالح المرأة
التي قد لاتراها إلا بعد مضي السنين ، حيث تظهر لها الثمرات التي كانت ترتقبها إضافة إلى أن أجرها مذخور عند الله ومضاعف خاصة فيمن كان الاحتمال والصبر ديدنها فتبدأ بشكر الله وحمده ، والثناء عليه بما هو أهله سبحانه .

وهنا نكشف بإيجاز عن بعض الجوانب الهامة التي تغيب عن كثير من الأزواج والزوجات :

أولها : أن الرجل شُغلة يريد متطلبات كثيرة ، وبعض الأزواج لايعرف مراعاة الزوجة ، ولا التنازل عن حقوقه ، سريع الغضب بطئ الفئ ، سليط اللسان ، وهذا يضيق على المرأة حياتها ، لاخروج ولا زيارات ، ولا رحمة بل ربما حتى في النفقة يقتر عليها ، فإذا تزوج اختصر الله عليها المتاعب التي كانت تعانيها ، فتحول الكدر إلى ورد ورياحين ، وهاهي تتنفس الصعداء فقد فُك قيدها وفي يوم غيابه ستكون طليقة ، وتتصرف بحريتها ، وتفعل مايحلو لها .

والأمر الثاني : أن غياب الرجل يجعله يأتي للبيت الثاني مشتاقا ، وربما تكون الزوجة الثانية لم تُهيء له وسائل الراحة فيبحث عن البيت الأول ليجد الراحة فيه فيجد الأولى تنتظره بشوق ، وتبذل مافي وسعها لراحته ، ولاشك أن للغيرة دوركبير فالود ودها ألا يفارقها ، ولايسعد إلا بقربها .

الأمر الثالث : الرجل المعدد ستفتح عليه الدنيا ، ويكثر همه ، وشغله لأنه تحمل رعاية بيتين أو ثلاث والنساء لن يتنازلن عن متطلباتهن ، بل الغيرة تعمل عملها ، فتكثر الطلبات ، ويكثر العتاب ، وتكثر المراقبة له من قبل زوجاته ، وتنهال عليه الأسئلة التي ربما يضيق بها ذرعا ، وتثير الاضطراب في سلوكه فصار حاله حال الغراب الذي راقه المشي على الأرض ، فلا استطاع الخطو كما ينبغي ، ولا هو استطاع الطيران كما خلق ، فيبحث وقتها على الاستراحات والأصدقاء ليطرد همه وينفس كربه .

الأمر الرابع : بعض الأزواج يتزوج بالثانية بعد كبر سنه ، وربما يبحث عن الصغيرة ، وفي بادئ الأمر هو لا يفكر إلا في إسعاد نفسه وتقديم مصلحته ، مذهولاً عن مصلحة الزوجة ومالها من حقوق ولم يفكر بالعواقب ، فهذه الصغيرة عندما تكبر وتنضج سيكون لها احتياجات جسدية ونفسية ، ويكون هو قد بلغ من الكبر عتيا ، فليس لديه مايعطيها ، فقد ذبل وهش عظمه ، فإن كانت ذات تقوى صبرت ، وإن كانت من أهل الهوى ربما بحثت عن طريق يريحها ، ويخفف لوعتها .

الأمر الخامس : في الغالب قد يرزق الزوج ذرية من الزوجة الثانية ، وفي الأصل كان يعيش مع الأولى في راحة فقد كبر أبناؤه ، وتضاءلت مسؤولياته ، فلن يتحمل أطفالاً صغارا بعد هذا العمر، ولن يتحمل التربية ومشاقها ، وربما لايستطيع أن يتخذ قراراً إلا بعد الرجوع إلى الزوجة لعجزه عن تحقيق رغبات الأبناء وممارسة حق الأبوة كما ينبغي .

الأمر السادس : الرجل التقي سيتحمل الهم الكثير لأنه يتحرى العدل ، فيظل دائما في حال خشية من الله لو قصر مع إحداهن ، ومال مع الأخرى ،
قال بن رجب رحمه الله :
وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك ، أما من ليس صاحب تقوى ولم يتحر العدل فالويل له يوم يبعث شقه مائل ، فلو ناقشك الحساب أيها الزوج على ظلمك ، وتغاضاك الوفاء بالثمن لعجزت .

ومن خلال البحث عن قضية تعدد الزوجات ، نجد جميع من يكتبون يبينون دائما أن هذا الأمر في صالح الرجل ، ولم يبين لنا أحدهم أنه في صالح المرأة لهان عليها
ما تجده ، فكم لها من المصالح لو لم تستعجل الحكم والنتائج .

وختاماً يامعشر الأزواج رفقاً بمشاعر المرأة فإنكم والله لاتعلمون قدر النار التي تتأجج في صدرها عندما تشاركها أنثى في زوجها ، فاتقوا الله ما استطعتم ، واجعلوا محض أعمالكم لله ، وانشدوا ثوابه وحده ... واجعلوا للرحمة والمودة مكانا ، وللعشرة إحسانا وإكراما .
 

خيرية الحارثي
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط