اطبع هذه الصفحة


اقتباسات ملهمة للقرّاء
من كتب ومؤلفات الدكتور عبدالكريم بكار

كتبها بتصرف
وضاح بن هادي
@wadahhade

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 

القراءة تمكنّنا من توسيع مساحات الرؤية، وتساعدنا على امتلاك البصيرة التي من لوازمها القدرة على خطو الخطوة المناسبة، كما تساعدنا على أن نُحصّن أنفسنا من أن نُلدغ من ذات الجحر مرتين.

إذا لم يتهيّأ لنا أن نقرأ كثيرا مما كُتب على مر العصور؛ فإننا نكون قد حرمنا أنفسنا من نعمة تراكم المعرفة، الذي بواسطته نتمكّن من تجاوز كينونتنا الثقافية المحدودة.

من خلال المثابرة على القراءة الواعية يتولّد لدى القارئ نوع من الحسّ المعرفي، الذي يمكّنه من وزن الأفكار وتثمين الكتب التي يُطالعها من أول صفحة يقرؤها.

القراءة لا تصنع مفكرا عظيما، ولا تصلح لأن تكون بديلا عن التفكير، فهي لا تمدّ العقل إلا بمواد معرفية، وحين نُفكّر فيما نقرأ نجعله ملكاً لنا.

المتابع لتاريخ النمو الحضاري في الإسلام؛ يلحظ بوضوح أنه كان في توتره وتسارعه مقترنا دائما بـ‘القراءة‘، ولذا بإمكاننا القول : أن اصطحاب الكتاب والاحتفاء به سيكون أحد الحلول المهمة للخروج من وضعية التخلّف الحضاري التي تُعاني منه أمة ‘اقرأ‘.

سيكون من المؤسف والمؤلم أن تحتاج امة أول كلمة نزلت في كتابها ‘اقرأ‘ إلى من يحثّها على أهمية وجدوى وضرورة القراءة.

جَعْل القراءة أحد اهتماماتنا وعاداتنا اليومية لن يكون يسيرا؛ حيث يقتضي ذلك تغييرا جوهريا في سلوكاتنا وأهدافنا ودوافعنا تجاه القراءة.

لأن القراءة لا تتمتع بأهمية كبرى لدى الكثيرين من أبناء الأمة؛ لدى تجد لدى الكثيرين منهم براعة نادرة في اختلاق الأعاذير التي تجعل جفاءهم للكتاب يبدو أمرا طبيعيا.

المشكلة الأساسية بالنسبة إلى الذين لا يقرؤون ربما كانت أنهم لا يملكون أية أهداف أو اهتمامات يضغطون بها على جداولهم، لأجل بناء علاقة حميمية مع الكتاب والقراءة.

سيكون من المفيد ونحن نبحث عن وقت للقراءة أن نكتشف (ساعتنا الذهبية)؛ حيث يكون الواحد منّا في قوة نشاطه الذهني والبدني، فيستثمرها في التفكير وقراءة النصوص الصعبة.

إن اهتمامنا بالقراءة يتطلب منا توفير المكان المناسب للقراءة؛ إذ إن الإنسان حين يكون في وضعية غير مريحة أو مكان غير ملائم للقراءة؛ فإن إمكانية استمراره في القراءة تكون قليلة.

حتى نحصل على مردود مجزٍ من وراء قراءاتنا؛ فإن علينا أن نتدرب على كيفية اختيار الكتاب المناسب والجيد، وهذا يبدأ بتحديد أهدافنا من وراء ما نريد قراءته بوضوح.

ليس من النادر أن نَصِفْ شخصا بأنه كثير القراءة، ثم نجد أن مركبه العقلي ومستوى محاكمته للأمور لم يطرأ عليه أيّ تغيير؛ وذلك بسبب المنهجية التي يتبّعها في القراءة، أو بسبب نوعية ما يقرأ.

الكتاب الجيد ليس هو الكتاب السهل دائما، وإنما الذي يتحدّى قارئه ولا يُعجزه، ويرتقي بمستواه ولو لم يستوعبه كلّه.

القراءة الممتازة هي تلك التي تُساعدنا على امتلاك منهج قويم في التعامل مع المعرفة، وتلك التي تنمّي مرونتنا الذهنية، وتُكسبنا منهجية جديدة في التفكير.

مكاسبنا من وراء قراءة تُعطي معلومات كمكاسب شخص امتلك بعضا من القطع الذهبية، أما مكاسبنا من وراء قراءة تُحسّن الوضع الفكري لدينا فهي مثل مكاسب من امتلك مفتاح منجم من الذهب.

الكتاب من بعض الوجوه يُشبه (القميص)؛ حيث أن كثيرا من جودته يكون بسبب مناسبته للابسه.

أعتقد أن مقدمة الكتاب وفهارسه ومصادره تُساعد المرء على اتخاذ القرار الصحيح في اقتناء الكتاب من عدمه؛ ومن غير ذلك فقد نُذهب أوقاتنا وأموالنا في شراء وقراءة كتب لا تساوي المداد الذي كُتبت به.

من الكتب ما ليس جديرا بأكثر من التصفّح والنظرة الخاطفة، ومنها ما يجب أن تُقرأ برويّة وتأمل، كالفلاح الذي يحرث حرثا في أرضٍ خصبة يبتغي منها الكثير.

إشراك القارئ لبعض الحواس (كالأصابع) مع العين في عملية القراءة يُساعد على التركيز، كما يحول بينه وبين النوم والشرود والاستغراق في أحلام اليقظة.

القراءة الدائمة والمنهجية في مجال من مجالات المعرفة يُساعد على نحو أساسي على تسريع القراءة، لأن سرعة القراءة مبنية على خلفية القارئ في الموضوع الذي يقرأ فيه.

من المعلوم أن المداومة على القراءة يولّد لدى القارئ حاسة جديدة؛ يستطيع من خلالها تحديد حاجاته المعرفية بدقة.

حين نعود إلى كتابٍ في الفقه، ونودّ أن نستخلص منه فائدة تربوية أو اجتماعية؛ فإننا نكون كمن يبحث عن إبرة في كومة من القش، وتلك الفوائد التي سنحصل عليها هي أشبه بالفوائد التي نحصل عليها من وراء رحلة مثيرة خارج حدود الوطن.

صار يُعتقد اليوم وعلى نطاق واسع؛ أن جمالية التجاوب بين القارئ والكاتب لن تتحقق ما لم تكن هناك فجوة بين ما يعرفه القارئ وبيم ما يفاجئه به النص من انزياح عن الخبرة السائدة في الوسط الذي يعيش فيه.

لن يكون القارئ قارئا جيدا؛ إلا إذا استطاع دمج المعلومات الجديدة التي يحصل عليها من وراء القراءة في أنساقه المعرفية المستقرة لديه والتجديد في أطروحاته ورؤاه، وهذا هو المعنى العميق للنمو المعرفي.

علينا حين ننصح القراء بقراءة كتاب معيّن أن نتساءل : هل هذا الكتاب مناسب لمن يعيش في عصرنا، أم أنه في مقام المنسوخ الثقافي الذي فقد فاعليته ومصداقيته؟.

مع مرور الأيام وتطوّر الأذواق والحاجات؛ فإن بعض الكتب تظل محافظة على قيمتها المعرفية، وذلك مثل أمهات الكتب والمعاجم والموسوعات، وتكمن الكثير من تجددها في الدراسات الحديثة التي تكتب عنها.

كثير هم القرّاء الذين يقرؤون حتى وصلوا إلى حدّ النهم؛ لكنّ تلك القراءات لم تُحدث لديهم تقدّم عقلي وفكري ملموس، بسبب طريقة قراءتهم العقيمة، وكلُّ ذلك يتطلب جهدا ونوعية جيدة من القراءة.

بين الفكرة التي يرغب الكاتب في التعبير عنها وبين الكلمة التي يستخدمها لتوصيلها مسافة قد تطول وقد تقصر؛ والقارئ مطالب بقطع تلك المسافة من خلال الملاحظة الحادّة، والخيال الخصب، والذهن المتمرس، والخبرة بمنهجية الكاتب وطريقة استخدامه للغة.

يستحضر الكتّاب الجيدون عند صياغة كتبهم وتقديم أفكارهم ومقولاتهم فئة أو شريحة معينة من القرّاء يوجّهون إليها خطابهم؛ وعلى القارئ أن يسأل نفسه قبل اقتناء الكتاب والشروع في قراءته : هل هو من الشريحة التي يستهدفها المؤلّف أم لا؟.

ستكون فائدة القارئ مما يقرأ أعظم؛ إذا استطاع أن يعرف على وجه حسن (هُوية) الكتاب، والجنس المعرفي الذي ينتمي إليه، ومكانته بين الكتب التي أُلّفت في التخصص نفسه.

من المهم أن يكون القارئ على وعي بمدى استيعابه وفهمه لما يقرأ؛ كأن يختبر نفسه عن طريق مجيئه بأمثلة وملاحظات على الأفكار والقواعد والمسائل التي ترد عليه في الكتاب.

من أحسن الأدلة على استيعابنا لما قرأناه؛ أن نحاول تلخيصه بأسلوبنا الخاص، وإذا كرّرنا ذات أسلوب المؤلف فهذا دليل على أننا لم نستوعب ما اطلعنا عليه على النحو المطلوب.

القارئ الجيد لا يستسلم لما يقرأ، وإنما يسأل نفسه : ما المسائل التي حاول الكاتب حلّها وتقديم رؤى جديدة حولها؟ وإلى أي مدى هي مجدية تلك الحلول؟ وما الأسئلة الجديدة التي طرحها في القضايا التي عالجها؟ ... الخ.

الكلمة الأخيرة في الكتاب ليست للكاتب وإنما للقارئ؛ فهو من سيتفاعل مع ما يقرأ، وهو من سيقتنع وينقل انطباعاته إلى غيره.

ينبغي أن لا نتخذ موقفا ناقدا تجاه كتابٍ ما قبل أن نقرأه ونتأكد من أننا فهمنا مراد الكاتب على نحو جيد، والقارئ الجيد هو الذي يملك القدرة على الإعلان بأنه لم يفهم ما قاله الكاتب، وهو بذلك يحمي نفسه من الفهم الخاطئ.

نحن في حاجة إلى أن نكون منصفين وعادلين في المواقف التي نتخذها من الكتب التي نقرؤها؛ فالقارئ الجيد ليس هو من يستطيع اكتشاف أخطاء الكتاب الذي يقرؤه فحسب، بل يكتشف أيضا مساحات الجمال في النصوص التي قرأها، ويستطيع القبض على الأفكار والإضافات الجديدة التي تمكّن الكاتب من شرحها على نحو ممتاز.

الكُتّاب الجيدون لا يكتبون دائما كتبا جيدة، والمكتبات قد تحظى أحيانا بكتب جيدة لكتّاب ليسوا مشهورين؛ وهذا يعني أن يكون اعتمادنا في شراء الكتاب ما نلمسه فيه من جودة وملاءمة لحاجاتنا، وليس شهرة مؤلفه.

كثير من الناس يعتقدون أن الكتاب الجيد هو من يكشف لهم عن كل مكنوناته من أول وهلة، بل الكتاب المفيد حقا لا يكون كذلك إلا لأن فيه أشياء تستعصي على فهم فئة من القرّاء، ولأن فيه أشياء جديدة وأشياء تثير نوعا من الخلاف والنقاش لدى مختلف القرّاء.

في الساحة الثقافية قرّاء رديئون؛ يتعاملون مع الكتب التي يقرؤونها وكأنها كاملة، فيستسلمون لها ولمؤلفيها على نحو غريب، وعلى الضد هناك قرّاء يقفون موقفا مضادا؛ حيث لا يكون لهم من همٍّ سوى العثور على الثغرات والهفوات، ولعل الموقف الصحيح يكون في التوسط بين هؤلاء وهؤلاء.

 

وضاح هادي
  • القراءة
  • التربية والدعوة
  • مشاريع قرائية
  • قراءة في كتاب
  • تغريدات
  • أسرة تقرأ
  • الصفحة الرئيسية