صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الليبرالية والحرية

مبارك عامر بقنه
@M_BU200


التفكير الليبرالي، يفتقد للاتزان العقلي والرؤية المنطقية للأشياء؛ لأنه يريد أن يعيش حياته خالية من أي قيود أخلاقية أو ضوابط دينية، فمفهوم الحرية ضيَّق مساحة العقل لدى الليبرالي وأصبح الهوى والشهوة تقود الفكر الليبرالي وليس العقل والحكمة ،
  فاعتراضه للقضايا ليس مبنيًّا على الحكمة والمصلحة، وإنما لأنها تُعارض شهوتَه وتضيِّق مساحة الحرية لدَيه، فمثلاً تجده في الغرب يَعترض على قانون منع الإجهاض لأنه يريد مزيدًا من الحرية؛ فهو يريد أن يُمارس الجنس بقدر ما يستطيع حتى ولو قتَل مِن جرَّاء ذلك جنينًا وألقى روحًا في سلة المهملات، فهذا لا يهمُّ ما دام ذلك يحقِّق شهوته.

الليبرالي يرى المسلم عدوًّا؛ لأن المسلم يحمل قيمًا وأخلاقًا تتعارَض مع قيَمِه الشهوانية، فسياسته هي تَشويه صورة الإسلام ليبدو أنه دِين إرهابي يدعو لاضطهاد حقوق الإنسان وإلى قمع الأفكار، فيُصوِّروا الأمور على غير حقيقتها كي يَبقوا في شهواتهم وأهوائهم العبثيَّة، 
فأفضل طريقة للبقاء على الرذيلة دون تأنيب الضمير أن تصور الأشياء على غير حقيقتِها، فتجعل الفضيلة رذيلة، والرذيلة فضيلة، حينها يستطيع الليبرالي أن يمارس شهواته دون إزعاج من الآخرين.

تغيير الحقائق وتشويه المعلومات ضررُها قويٌّ على التصورات، وخصوصًا أن هذا التشويه يأتي بطريقة إعلامية مؤثرة، فيُظهر لك حقيقة ما يُبطن، فيها معاني كاذبة، ونصف الحقيقة أخطر من الكذب الصريح، فمِن الكذب أنهم يصفون أنفسهم بالنزاهة والعدالة ومناصرة حقوق الإنسان، ويصفون المسلمين بالغوغائية والهمجية والإرهاب، ويُكرِّرون هذا الادعاء الكاذب بصورة مملّة حتى تصدِّقها العقول وتصبح حقيقة بتَكرارها لا بواقعها ووجودها، وتغيب الحقيقة، 
والحقيقة الغائبة أن الليبرالي ضد الإنسانية وضد المعرفة، واستخدامه للأسلوب المعرفي ادعاء زائف، أو بعبارة أصح استخدامه للمعرفة فقط كأداة لاستغلال الآخرين وتمرير قضاياه، والحقيقة الغائبة أيضًا أن الليبرالي ضد الحياة برمَّتها، فهو لا يعيش إلا لذاته، فيلوّث البيئة ويدمّر الحياة الفطرية من أجل تحقيق مَصالِحه، فهو يرى أن حماية البيئة لعنة لأنها تقف في طريق طموحه وتقيّد آماله في مزيد من الاستمتاع.

الليبرالية تدعو للحرية على جميع الأصعدة، فتدعو للحرية السياسية في اختيار الحكومة، والتخلي عن القوة الخارجية، ودعوة "لوك" بأهمية الحرية الفردية إذ يرى أنها حق طبيعي للفرد، ونفعية "بنثام" أن كل فرد هو الأقدر والأعلم بمصلحته، فالحرية بشقَّيها السلبي والإيجابي، السلبي أن تقلل القيود على حرية الأفراد، ويقتصر دور الدولة على القانون والنظام كي تضمن الدفاع عن حقوق الفرد، والإيجابي حيث يكون الأفراد قادرون على مواصلة تطوُّرهم الشخصي، وتحقيق ذواتهم، واستقلالهم، فالحرية الإيجابية تَكمن في توفير الظروف الاجتماعية كي يتمكَّن الأفراد من الاستمتاع بحريتهم، و"لوك" في "العقد الاجتماعي" يرى أن على الأفراد أن يتخلَّوا عن قدر من حريتهم من أجل إقامة نظام قابل للتطبيق؛ لذلك يمكن إعطاء الدولة السلطة لمَنْع الأفراد من إيذاء الآخرين.

الحرية بمفهومها العام مطلب إنساني لا يختلف عليه اثنان، فالناس وُلدوا أحرارًا ويريدون أن تبقى حريتهم ملازمةً لهم، وحياة دون حرية هي شبيهة تمامًا بحياة طائر في قفَص، ولكن هناك خيط دقيق رقيق بين الحرية والعبث، فالحرية حق للشخص ما لم يتعدَّ حق الله وحق العباد، وما لم يظلمْ نفسه، فهذا حق له، والعبث هو أن يتعدَّى على حق الله فيجعل نفسه هو المشرّع ويرى ذلك حرية شخصية، أن يتعدى على حق العباد فيَشتم دينهم، ويسخر من أنبيائهم ومعتقداتهم ويرى ذلك حرية شخصية، فهذه ليست حرية بل طُغْيانٌ وتعدٍّ، وفي المصطلح العصري "إرهاب فكري".

الليبرالي حين يملك القوة الإعلامية القادرة على تشويه الحقائق وإلباس الحق بالباطل، وحين يملك القوة العسكرية القادرة على فرض إرادته ورغباته على الشعوب الضعيفة، ثم يُحاول بهاتين القوتين فرض تصوراته ومفاهيمه على الأمم فهو لا يكسب المعركة أبدًا؛ لأنه بهذا يعلن إفلاسه من القيم التي يستطيع بها التأثير على الآخرين، لذلك اتجه إلى القوة، وتأثير القوة محدود؛ إذ يبقى التأثير ما بقيت القوة، وحين تتلاشى القوة يتلاشى معها تأثيرها الأخلاقي والقيمي.


لأنها قدمت نظريتها للناس عن طريق التهديد والقوة، ومنعت على الناس ما أباحته لنفسها، فمنعَت حرية الشعوب وخالفتْ مبدَأها وقيَمَها، الليبرالية سقطت لأن الكره والبغض سيطر على فكرها، ومن يَكره ويُبغض لن يكون لتصرفاته وسلوكه إطار عقلي فضلاً عن الإطار الأخلاقي، فتتلاشى الحكمة ويغيب العقل وينعدم الاتزان العقلي حين يُسيطِر الكره والبغْض على العقل، فالبغض المؤسس على الحقد والعداء ينقل الإنسان من دائرة العقلانية إلى سراديب الفوضى وضبابية الرؤية، الليبرالية تعيش فوضى في الرؤية والتصور وفوضى الرؤية يؤول إلى الانهيار والسقوط؛ لأنها ترى الأشياء على غير حقيقتها وتتعامل معها بطريقة غير صحيحة، وهذا هو السقوط الفعلي.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مبارك عامر بقنه

  • مقالات شرعية
  • مقالات تربوية
  • مقالات فكرية
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية