اطبع هذه الصفحة


حول الاحتفال بأعياد ميلادنا:
هل نتخذ موقفاً مُغايراً أو مُسايراً ؟!"

خبَّاب بن مروان الحمد
@khabbabalhamad


يُمكن القول ببساطة أنَّنا نعيش في عصر الأعياد؛ لكثرة أعياده التي تعتاد مُجتمعاتنا الإسلامية من الشرق والغرب؛ بل صارت هذه الأعياد طريقة للترفيه عن النفس وإجمامها وإسعادها.. عند جمع من الناس..
ويغفل كثير من المسلمين أنَّ لهذه الأعياد / غير الإسلامية = بُعد خطير ينشأ عنه التأثير والمزاحمة للخصوصيَّة الدينية والثقافية والحضارية للأمَّة الإسلامية؛ فكم من شخص صار لا يعبأ بالأعياد الدينية ولا يجد لها في قلبه سروراً وأنساً وحُبوراً؛ وهو في المقابل يضحك بملء فيه أثناء هذه الأعياد التي اصطنعها الإنسان لنفسه ولم يشرعها له ربُّه تعالى، وصدق من قال: "ما ابْتَدع قومٌ بدعة إلاَّ نزَعَ الله عنهم من السُّنة مثْلَها"!!
ثم ها أنت ترى أنّنا ما ننتهي من عيد حتَّى يُقابله عيد مقتبس من أعياد الغرب؛ والغريب أنَّنا لا نراهم يأبهون بأعيادنا أو على الأقل يتشبَّهون بها؛ فيما نرى كثيراُ منَّاً يتسابقون للتشبه بأعياد أولئك القوم زرافات ووحدانا!!
إنَّ حالة الهوس والتقليد الببغائي في مجتمعاتنا المسلمة لتقليد الآخرين من الغربيين وغيرهم من المجتمعات غير المسلمة = صارت مُعبِّرة عن مدى الهزيمة الذاتية وضعف الشخصيَّة والتراجع النفسي والشعور بالنقص والدونية أمام قوَّة الغرب وحضارته التي ملأت الكرة الأرضية وأشغلت الناس!
وإنَّ النبوءة التي تنبَّأ بها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلَّم وخشي على أمَّته من الوقوع في حالة الضعف النفسي والانبهار ومن ثمَّ الانهيار أمام ثقافات الآخرين وحضاراتهم وفكرهم؛ قد حقَّقها بعض المسلمين وللأسف؛ وذلك أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"، قالوا: اليهود والنصارى؟! قال: "فمن؟!" الحديث صحيح.
ولو أنَّك فتّشت عن احتفال الناس بأعياد ميلادهم الشخصي قبل مائة سنة؛ لما رأيت ذلك موجوداً؛ بل إنَّك تسمع أنّ كثيراً منهم لا يعرف بالضبط متى مولده وهذا شائع معروف في كبار السن!
بل أزيد فأقول:إنَّ تحديد موعد ميلاد رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم كذلك لم يُضبط بشكل دقيق واضح فقد اختلف أهل السيرة في ذلك على عدَّة أقوال؛ وكذلك عدد من أنبياء الله وهم خِيرةُ الخلق كعيسى وموسى ومن قبله من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
بل إن رسول الله حينما تذكَّر مولده لم يقم بالأكل والشرب وإنما قام بالصيام فهو لما سئل عن صيام يوم الاثنين قال: (ذلك يوم ولدت فيه) والواحد فينا حين يتذكر مولده يتذكره بالطعام والشراب!
قِبالة ذلك نجد حالة الاستغراق في الضبط الذاتي لمولد المولود؛ تأخذ من حيِّز تفكيرنا شيئاً ضرورياً؛ لكي يتذكّر مولده للاحتفال به؛ وما هي إلا عادة جديدة دخلت في بلادنا المسلمة.
ما علينا من ذلك فليتم تحديد موعد الميلاد بالساعة والدقيقة والثانية، ولكن هل يعني ذلك أن نقوم باحتفال سنوي بمضي عام أو عامين أو .... على ميلادنا؟!

* تسليع الأعياد ... فكرة لم نلتفت لها !

يذكر المفكر المصري عبد الوهاب المسيري - رحمه الله - أنَّ " أعياد الميلاد تحولت إلى هجمة سلعية حقيقية ، وكذا عيد الأم ، وبدأ المسوّقون يخلقون مناسبات سلعيّة جديدة".
وهذا يعني أنَّها أعياد ذات بُعد سِلَعِي ترويجي تسويقي لمزيد من بذل الأموال وجني الأرباح لأصحاب رؤوس الأموال؛ لكي يعتاد المجتمع على الشراء للكعك والشمع وأطباق الحلوى والشطائر احتفالاً بمولده عدا الطقوس المُصاحبة لذلك؛ وكله نتيجة من فكر رأسمالي هيمني يُحاول السيطرة على الأموال؛ التي يبذلها الشخص لشراء حاجيات الاحتفال بعيد ميلاده؛ ولو أنَّ كل فرد في المجتمع قد احتفل بعيد مولده؛ فاحسب الأرباح التي يجنيها التجَّار من مثل ذلك!!

* علام يحتفل المرء بمولده؟! وإلام يقصد باحتفاله هذا؟

إنَّ من تدبَّر لحظة من وقته؛شرط أن يصرف الفكر عن الضغط العائلي والتأثير الواقعي الرهيب على فكره؛ في تشبه الناس بعضهم ببعض لأنهم كما وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية "والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض!!"
أقول: لو تفكَّر المرء في حقيقة احتفاله بعيد ميلاده أو ميلاد أولاده وزوجه؛ لعلم أنَّه ما من يوم مضى من عمره إلاَّ ويُقرِّبهم إلى القبر؛ وقد فهم من ذلك سلفنا الصالح فالحسن البصري يقول:"يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك"!!
ونحن في كل يوم نمضي إلى الله ويقترب رحيلنا من هذه الدنيا فهذه الأيام التي تمضي تُقرِّبنا إلى الموت؛ ولا أحد يحب أن يسمع بخبر موته.
لا ؛ بل للأسف نعلم ذلك ونفرح ونلهو ونمرح !
وقد يقول قائل: هل هذا يعني أن نبكي وننوح؟!!
كلا... ولكن نتخذ الموقف الوسط بعدم القيام بهذا ولا ذاك..
إنَّما نستغل وقتنا بالإنجاز والعمل وسؤال الله حسن الخاتمة فنحن جميعاً نكدح، كما قال تعالى :"إنك كادح إلى ربك كدحًا فملاقيه" لهذا يقول الشيخ علي الطنطاوي: "ينقضي العام فتظن أنك قد عشته وأنت في الحقيقة قد (مُتَّه) فعمرك ينقص، فلماذا تحتفل؟!"
إن الفرحة بمولد الإنسان لا تكون بمضي أيامه وعمره؛ وإنَّما تكون حين وُلد وخرج لهذه الحياة إلى نور الدنيا؛ وإن كانت هنالك فرحة أخرى فهي فرحة خروجه من الكفر للإسلام أو من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة.

* ما البديل الشرعي؟!

إن شريعة الإسلام أعطت فرحة لنا حينما نُولد وذلك بالعقيقة عن الذَّكر والأنثى؛ وتقديمها لوجه الله تعالى؛ وبإمكان المرء أن يفعلها في اجتماع عام يكون فيه الأنس والسعادة ويفرح بفضل الله تعالى ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)...
أما أن يفرح بشيء مبتدع مُحدث مخترع ليس له أصل في الدين ويفعله أو يشارك في فعله ويحضره؛ فإنَّه قد حضر مجلساً لم يكن وسيلة لطاعة الله تعالى؛ فالواجب اجتنابه وتركه فالله تعالى يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )و"كل ما فتح باباً للممنوع كان ممنوعاً" كما يقول شيخنا الفقيه ابن عثيمين.

ومن أراد أن يُفرح أولاده ويطعمهم الكعك والكيك فليطعمهم إياه كما يحب فلا أحد يمنعه، أو ليشجعهم على حفظ القرآن وكلما حفظ أحد أولاده شيئاً من القرآن أو السنّة الصحيحة أعطاهم مكافأة هدية كما يحبون ويشاؤون...
فديننا إن كان قد أمر بسدَّ ذرائع التشبُّه بالكفار وموافقة أهل البدع؛ فهو كذلك قد حث على فتح ذرائع التشبه بأهل الخير وكل ما ينشأ عنه من خير كتشجيع فعله والثواب عليه .
إن المسلم معتز بدينه وله هويته وشرعته والله تعالى قال: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) فالمسلم لا يتشبه بالآخرين ولا يتبعهم في اعتقاداتهم وبدعهم وأعيادهم وأهوائهم وطقوسهم فالله تعالى يقول: ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾، ويقول: ﴿وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾

أختم بكلمة راقت لي لأحدهم حيث قال:
"علموّا أولادكم أن يحتفلوا بإنجازاتهم لا بأعمارهم !"
تحياتي لكم ....

 

خباب الحمد