اطبع هذه الصفحة


سُنَّة الكبراء!! .. ودمعة على حال أبي طالب

السعيد صبحي العيسوي
@esawi_said

 
بسم الله الرحمن الرحيم



لم يكن أتباع الجاهلية الذين حاولوا استمالة أبي طالب وتثبيت قدمه على باطلهم أن يغفلوا تلك الشبهة العظيمة التي تكبل العبد عن مكمن نجاته وخلاصه..

إنها سُنَّة الكبراء ..

كم صرفوا بها أناساً عن الحق, وكم ثبتوا بها أقداماً على الباطل, وكم أذكوا بفتيلها نيران العصبية وأهواء النفوس..

ما أن يأتي شهابُ تلك الشبهة حتى يلفح قلبه ويهز وجدانه, ليستحضر حينها صورة الكبير في ذهنه, وتغلي في دمائه وشرايينه سنته وآراءه, فتثور الأفكار في رأسه وتدور: أنا معادٍ لسنة أبي, بأي وجه أقابل الناس, وكيف أدفع تلك المسبة والعار؛ فمن المعرة مخالفة ما عليه الآباء والكبراء!!

لم تكن سنة الكبراء خاصة بأبي جهل وأضرابه في قفار مكة, بل هي هي، في كل زمان ومكان، وبما يناسب حال أهلها ومذهبهم وما يعتقدون.

فمن الجاهلية والشرك، ومروراً بالبدع ومخالفة السنن، ثم عصبية المذاهب والجمود عليها، وانتهاءً بعقد الولاء والبراء على الأحزاب والأفكار التي يروجها الكبار.

فنداء
"أترغب عن..." لازال حاضراً بنصه وبفحواها وبإيمائه في كل حديث فيه جمود ونكوس عن الحق عند قيام الحجة.

فكثيرون هم عند ردهم إلى الحق بالحجة, يلجؤون إلى تلك السنة  الجاهلية في مذهبهم ودينهم, وغلوا في ذلك, بل ادعوا على المخالف أنه يعادي كبراءهم وساداتهم ويحقد عليهم.

يقول العلامة عبد الرحمن المعلمي رحمه الله في "التنكيل":

"من أوسع أودية الباطل الغلو في الأفاضل, ومن أمضى أسلحته أن يرمي الغالي كل من يحاول رده إلى الحق ببغض أولئك الأفاضل, ومعاداتهم".. ثم قال رحمه الله: يرى بعض أهل العلم أن النصارى أول ما غلوا في عيسى عليه السلام كان الغلاة يرمون كل من أنكر عليهم بأنه يبغض عيسى ويحقره ونحو ذلك, فكان هذا من أعظم ما ساعد على انتشار الغلو؛ لأن بقايا أهل الحق كانوا يرون أنهم إذا أنكروا على الغلاة نسبوا إلى ما هم أشد الناس كراهية له من  بغض عيسى u وتحقيره ومقتهم الجمهور وأوذوا فثبطهم هذا عن الإنكار, وخلا الجو للشيطان, وقريب من هذا حال الروافض وحال القبوريين وحال غلاة المقلدين)(1).

وهذا إذا كان من الأفاضل وممن أجمعت الأمة عليهم فكيف بغيرهم، وكيف بمن مسَّت المذاهبُ الباطلة شغافَ قلبِه؟؟! وأُشرب قلبُه حبَّها؟؟!.

 فهولاء ينالهم نصيب من قول الله تعالى: {إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون}, وقوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل}, ومن قوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في قلوب الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا}.

فالآيات جمعت مدارج العصبية ومراحل اشتعالها, فما إن ينظر إلى تلك السنة –سنة الكبير- ويرى فيها هداية, حتى يعتادها, ويصل الحال إلى تشرُّبها بكامل قواه وعروقه, فإذا بلغت ذلك التمكن منه فلا جرم إذاً أن يسطو وينفي ويحارب من خالف ما يعتقد أو يشوش عليه انسجامه، ولو بآيات الكتاب البينة الواضحة.

والله أعلم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

----------------------------
(1) التنكيل لما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (1/6).

 

السعيد العيسوي
  • قولٌ في العلم وطلابه
  • الأبحاث العلمية
  • التعريف بالكتب المطبوعة
  • منتقى التغريدات
  • الصفحة الرئيسية