صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطبة في انتصاف شعبان

 

محمد بن ابراهيم بن سعود السبر

  

الحمد لله، الذي أكملَ لنا الدينَ، وأتمَّ علينا النعمة، وجعلَ أمَّتَنا خيرَ أمة، أحمدُه وأشكره على نعمِه الجمَّة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تكونُ لمن اعتصَمَ بها خيرَ عِصمة، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أرسلَه الله للعالمين رحمةً، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه صلاةً تكونُ نورًا من كل ظُلمة، وسلم تسليماً مزيداً.

أما بعد، فاتقوا الله معاشر المؤمنين؛ فقد فازَ من اتَّقى، وضلَّ من قادَه الهوى، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.]  آل عمران: 102[.

عباد الله، إن من أصول الإسلام وقواعده المقررة النهي عن البدع، والإحداث في الدين، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) متفق عليه، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس يوم الجمعة قال : (أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ)، رواه النسائي، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفِيتُم" ، وقال الإمام مالك -رحمه الله-: " من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة:3]، فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناَ".

فكل عبادة لا دليل عليها من الكتاب والسنة؛ فهي طريقة مبتدعة وزيادة مخترعة، ولو استحسنها من استحسنها، فاحذروا من البدع والهوى، فقد خاب من افترى.

ألا وإن من الليالي التي أحدث فيها بعض الناس ما أحدثوا من البدع؛ ليلة النصف من شعبان، ومن ذلكم اعتقاد بعضهم أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة المعنية بقول الله تعالى في سورة الدخان: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾، [الدخان:3-4]، وأنها التي يُقدَّر فيها الآجال والأرزاق، وهذا خطأ بَيّن قال ابنُ كثير -رحمه الله- عند تفسيره لهذه الآية:" من قال إنها ليلة النصف من شعبان فقد أبعد النجعة فإن نص القرآن أنها في رمضان".

ومن البدع تخصيص ليلها بالقيام، ونهارها الصيام، كالصلاة الألفية، وزعموا أنها تقضي حوائج الناس، والحديث في ذلك موضوع كما يقول أهل العلم.

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: " ومن البدع التي أحدثها بعض الناس بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان وتخصيص يومها بالصيام وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه، وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، أما ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع، والذي أجمع عليه جمهور العلماء: أن الاحتفال بها بدعة، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة وبعضها موضوع، وأن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم. (انتهى بتصرف).

ومن البدع التي تجرى على ألسنة بعض الوعاظ، ويتمُ تداولها عبر رسائل الجوال طلبُ المسامحة ليلة النصف من شعبان، والشريعة جاءت بالحث على العفو عن الناس في كل الأزمان.

إخوة الإسلام شعبان شهرٌ كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يخصُه بالصوم أكثر من غيره فـ «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا»، وتقول عائشة رضي الله عنها: «وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» أخرجه مسلم، وكان يسمى عند السلف: شهر القراء، لكثرة تلاوتهم ومعاهدتهم للقرآن الكريم، استعدادًا لرمضان.

فاتقوا الله -رحمكم الله- في أعمالكم وأقوالكم، واحرصوا على لزوم السنة واتباعها، ونبذ البدعة واجتنابها.

وخيرُ الأمور السالفاتُ على الهدى*** وشر الأمور المحدثاتُ البدائعُ

أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد: فاتقوا الله رحمكم الله، واعتبروا بمرور الأيام والليالي؛ فلقد انتصف شهر شعبان، ولم يبق على رمضان إلا القليل فبادروا بقضاء ما عليكم من رمضان فإن دَيْنَ الله أحقُ بالوفاء، وجدوا وشمروا وأحسنوا استقباله بتوبة وأوبة، وعزم صادق على صيامه وقيامه.

اللهم بلغنا رمضان في صحة وعافية، وأعاننا فيه على الصيام والقيام وتلاوة القرآن إيماناً واحتساباً، ياذا الجلال والإكرام.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحب وترضى، يا ذا الجلال والإكرام..

 

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • خطب دعوية
  • مقالات دعوية
  • تحقيقات وحوارات صحفية
  • الصفحة الرئيسية