صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مخالفات البصر

د.محمد بن إبراهيم النعيم

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن من شكر الله تعالى على نعمه أن تُصرف هذه النعم في مرضاته، أما من صرفها في معصية الله فقد كفر تلك النعمة وجحدها.
وإن من أكبر نعم الله على العبد أن جعله بصيرا، يبصر الأشياء من حوله؛ ولهذا من حرمه الله من نعمة البصر وصبر على ذلك كان جزاءه الجنة، فقد روى أبو هريرة t أن رسول الله r قال: يقول الله تعالى: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ أَذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ»([1]).
‌ ولقد روي في الأثر وهو حديث ضعيف أن عابدا من بني اسرائيل عبد الله خمس مائة عام ومات وهو ساجد فحاسبه ربه عز وجل ثم قال عز وجل: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ: قَايِسُوا عَبْدِي بِنِعْمَتِي عَلَيْهِ وَبِعَمَلِهِ فَتُوجَدُ نِعْمَةُ الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَةِ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَبَقِيَتْ نِعْمَةُ الْجَسَدِ فَضْلًا عَلَيْهِ فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي النَّارَ قَالَ: فَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ فَيُنَادِي: رَبِّ بِرَحْمَتِكَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ...)([2]).
 فهذا الحديث فيه عبر كثيرة تدل على عظم نعمة البصر، وأننا لا نقوى على أداء شكر هذه النعمة على الوجه الأكمل، مما يحتم علينا ألا نصرف هذه النعمة في معصية الله، إلا أن كثيرا من الناس خالفوا أمر الله عز وجل وسخّروا أبصارهم فيما يغضب الله عز وجل؛ وذلك بالنظر إلى ما نهوا عن النظر فيه.

 وإليك أخي الكريم بعض مخالفات البصر التي وقع فيها كثير من الناس؛ لعلنا نتوب منها:

فمن أخطر آثام البصر والتي حصل فيها التهاون الأمور التالية:
(أولا): إطلاق البصر إلى ما حرم الله عز وجل بالنظر إلى النساء الأجنبيات أو إلى المردان من الغلمان، وقد قال تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الخبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)، ولقد حصل تساهل كبير في هذا الأمر؛ وبخاصة في هذه الأزمنة التي تبرجت فيها المرأة بشكل لم يسبق له نظير، وأصبحت المرأة ومفاتنها تعرض بصور متعددة، وتولى الإعلام بشتى مجالاته المقروء والمشاهد كِبَر هذه المفاسد والفتن، ولم يسلم في هذا الزمان من فتن النظر إلى الأجنبيات وإلى صورهن إلا من رحم الله عز وجل، وبخاصة بعد ظهور القنوات الفضائية وشبكات الإنترنت التي أقبل عليها كثير من الناس ومنهم بعض أهل الصلاح الذين يريدون تقديم الخير من خلالها، فلا يلبث المتعامل مع هذه الأجهزة ومع مرور الوقت إلا أن يألف مناظر النساء، بل إن الانفراد بهذه الأجهزة على هذه الحال أشبه كمن يخلو بالمرأة الأجنبية، حيث يكون الشيطان ثالثهما، فكما تغري الخلوة بالمرأة بالفجور بها؛ فإن الخلوة بهذه الأجهزة تغري باقتحام المواقع التي فيها النساء الفاجرات من باب الفضول تارة، وتارة يبرر له الشيطان ذلك باستبانة سبيل المجرمين ورصد المواقع المفسدة، فلا يلبث هذا المسكين أن يقع في شباك الشيطان ولا يستطيع الصبر عن هذه المناظر، ولا يعلم إلا الله عز وجل مدى ما يترتب على ذلك من الفساد وضعف الإيمان والاستقامة، والدليل على ذلك ما نسمعه من كثير من الناس في مجالسهم وهو يتغزلون في جمال مقدمات الأخبار أو بعض البرامج في كثير من القنوات الفضائية.
فعن جرير بن عبدالله t قال: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ r عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي»([3])،  وقال r لعلي بن أبي طالب: «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ»([4]) .
 قال ابن الجوزي: وهذا لأن الأولى لم يحضرها القلب ولا يتأمل بها المحاسن ولا يقع التلذذ بها، فمن استدامها مقدار حضور الذهن كانت الثانية في الإثم.
وقد تساهل كثير من الناس بإطلاق أبصارهم إلى النساء المتبرجات؛ سواء كنّا نساء في الأسواق أو ممرضات في المستشفيات أو خادمات في البيوت؛ حيث يرون أن ذلك من الصغائر أو يدعَّون أنهم ينظروا إليهنَّ بدون شهوة، وهذا من تزيين الشيطان للعبد حتى يلقيه في حبائله.
وقديما قال الشاعر:

كل الحوادث مبداها من النظر --- ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها --- فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والعبد ما دام ذا عين يقلبها --- في أعين الغيد موقوف على خطر 
يسر ناظره ما ضر خاطره --- لا مرحبا بسرور عاد بالضرر

(ثانيا) ومن مخالفات البصر: النظر إلى السماء أثناء الصلاة، فقد ورد النهي عن فعل ذلك حيث قالr  «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَا يَرْفَعْ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ أَنْ يُلْتَمَعَ بَصَرُهُ»([5]).
 ويكثر هذا الفعل أثناء دعاء الناس في صلاة الوتر، وقد حدد لنا رسول الله r مواضع النظر داخل الصلاة، فأمرنا r أن ننظر إلى موضع سجودنا أثناء الوقوف، وأن ننظر إلى موضع القدمين أثناء الركوع، وأن ننظر إلى السبابة أثناء الجلوس، ونهانا أن نلتفت بأبصارنا يمينا وشمالا كالتفات الثعلب، وبين لنا أن الالتفات داخل الصلاة إنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد.
(ثالثا) ومن مخالفات البصر: نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة؛ سواء كان ذلك إلى العورة المغلظة أو التي دونها، ويلحق بذلك نظر الطبيب أو الطبيبة إلى عورة المريض التي لا ضرورة إلى النظر إليها، وقد قال r لعلي بن أبي طالب t «لَا تَكْشِفْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ، وَلَا مَيِّتٍ»([6]) ، وروى أبو سعيد الخدري t أن رسول الله r قال: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَلَا الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ»([7]) .
(رابعا) ومن مخالفات البصر: أن تُري عينيك ما لم تر في المنام، كأن تدَّعي كذبا بأنك رأيت في المنام كذا وكذا، وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال «إِنَّ مِنْ أَفْرَى الفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ»([8]). وقال في حديث «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ...»([9]).

 (خامسا)
ومن مخالفات البصر: النظر إلى عورات البيوت، وقد جاء التغليظ في ذلك في قوله r: «مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ»([10]) ، وقال رسول الله r لرجل كان ينظر من خلل الباب وَمَعَ النَّبِيِّ r مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ، لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ»([11]).
 فالنظر إلى عورات البيوت محرم، ويلحق بذلك نهي الاطلاع على رسائل الناس بغير إذنهم أو في كتبهم أو جوالاتهم أو أوراقهم الخاصة التي لا يرضون اطلاع غيرهم عليها، فالله عز وجل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

(سادسا)
ومن مخالفات البصر: النظر إلى المنكرات دون تغييرها مع القدرة على ذلك؛ إذ قد يرى المسلم منكرا من المنكرات ويبقى ينظر إليه ويحضر في مكانه مع قدرته على التغيير، وهذا بحد ذاته منكر، إذ لا يجوز إطلاق البصر إلى معاصي الله تعالى دون تغيير، وإنما المتعين في هذه الحالة تغيير المنكر أو صرف النظر عنه وهجر مكانه، وهذه المخالفة يكثر وقوعها في الأزمنة التي تكثر فيها المهرجانات البدعية أو المملوءة بالرقص والغناء، فكل هذا مما ينبغي صرف النظر عنه إلا لمغير له، كما تكثر هذه المخالفات في أسفار الناس وسياحتهم في بعض الدول، وقد قال r «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ»، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا»، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ».([12])

(سابعا)
ومن مخالفات البصر: غمز العين للسخرية بالناس ولمزهم، أو غمزها للمغازلة، والله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وقد حذر الله عز وجل المؤمنين قائلا لهم )إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا(.
 فالمرء سيسأل لا محالة عن بصره فيما صرفه فيه، فليتق الله كل مسلم في بصره.

 (ثامنا):
ومن مخالفات البصر: النظر في كتب الكفر والإلحاد والبدع والفسوق والمجون وكتب الحداثيين ونحوهم، وهذا أيضا يعد من آثام البصر ومخالفة لطريق أهل الاستقامة، فإن العلماء ينهون أشد النهي من النظر في مثل هذه الكتب للقراءة المجردة؛ لما تحتويه من الشبهات والكفريات والاستهزاء بالدين وأهله، فكل هذا لا يجوز النظر فيه إلا لعالم متمكن مقصده الرد على باطلها والتحذير منها، ويلحق بذلك النظر إلى مواقع أهل البدع والإلحاد المخالفين لأهل السنة والجماعة، وما أكثر مواقعهم على شبكة الإنترنت، وقل مثل ذلك في النظر في كتب الجنس والمجون والخلاعة والتي تثير الغرائز وتهيج الشهوات، وتؤدي إلى الوقوع في الفساد والفاحشة، وما أدى إلى حرام فهو حرام.
فالعينان نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل ينبغي أن لا تسخرا إلا فيما ينفع صاحبها في الآخرة.

(تاسعا)
ومن مخالفات البصر: النظر إلى الناس نظرة شزر وحقد وتعالي، ولا شك أن هذا أمر محرم لأنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، وإنك ترى بعض الناس ينظرون إلى عيوب غيرهم بل ويتصيدونها ولا ينظرون إلى عيوب أنفسهم وقد جاء عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال:  " يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَى فِي عَيْنِ أَخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ أَوْ قَالَ: الْجِذْلَ فِي عَيْنَيْهِ " ([13]).
قال المناوي في شرحه على هذا الحديث: أي كأن الإنسان لنقصه وحب نفسه يتوفر على تدقيق النظر في عيب أخيه فيدركه مع خفائه فيعمى به عن عيبٍ في نفسه ظاهر لا خفاء به، وهو مثل ضرب لمن يرى الصغير من عيوب الناس ويعيرهم به، وفيه من العيوب ما نسبته إليه كنسبة الجذع إلى القذاة وذلك من أقبح القبائح وأفضح الفضائح، فرحم اللّه من حفظ قلبه ولسانه، ولزم شأنه، وكف عن عرض أخيه، وأعرض عما لا يعنيه، فمن حفظ هذه الوصية دامت سلامته وقلت ندامته، وللّه در القائل: 

أرى كل إنسان يرى عيب غيره  ---  ويعمى عن العيب الذي هو فيه
 لا خير فيمن لا يرى عيب نفسه --- ويعمى عن العيب الذي بأخيه

(عاشرا) ومن مخالفات البصر: الاكثار من النظر إلى متاع الدنيا وزخرفها بمد البصر إلى ترف المساكن والمآكل والمشارب والاهتمام بذلك والولوع بالنظر إليه، وهذا وإن كان في ذاته غير محرم إلا أن إدامة النظر إلى أحوال أهل الترف خصوصا الكافرين منهم يصرف عن الآخرة وقد يوقع الناطر فيها في محرم أو تكليف نفسه بما لا تطيق، مسايرة لأهل الدنيا وقد قال تعالى لنبيه r ولحق بذلك كافة أمته )ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى( [طه: 131]. قال الشوكاني: أي لا تطمح ببصرك إلى زخارف الدنيا طموح رغبة فيها وتمنٍ لها، والأزواج. 
  فينبغي علينا الحذر كل الحذر أن نصرف هذه النعمة العظيمة في معصية الله، ولنحذر كل الحذر من مخالفات النظر، فالله عز وجل سيذكرك بهذه النعمة العظيمة يوم القيامة حيث روى أبو سعيد الخدري t أن رسول الله r قال:" يُؤْتَى بِالعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا وَمَالًا وَوَلَدًا، وَسَخَّرْتُ لَكَ الأَنْعَامَ وَالحَرْثَ، وَتَرَكْتُكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ فَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّكَ مُلَاقِي يَوْمَكَ هَذَا؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ لَهُ: اليَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي "([14]). 

وهناك وسائل عديدة تعين المسلم على حفظ بصره عن معصية الله عز وجل يمكن إيجازها فيما يلي:

(أولا) التقرب إلى الله عز وجل بكثرة النوافل، ومن فعل ذلك عصم الله بصره من الحرام، فعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال في الحديث القدسي أن الله عز وجل قال: (...وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ...)([15]) الحديث.

(ثانيا)
الإكثار من سؤال الله عز وجل أن يجعل في بصرك نورا، فقد كان رسول الله r يفعل ذلك في سجوده؛ حيث جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله r كان يقول: «اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَعَظِّمْ لِي نُورًا»([16]).

(ثالثا)
الاستعاذة من شر بصرك، فقد روى شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ. قَالَ: (فَأَخَذَ بِكَفِّي فَقَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي)([17]). ‌
(رابعا) المسارعة إلى الزواج فإنه أحفظ للبصر، ومن لم تكفه واحدة فليعدد ولا يقتحم ما حرم الله عليه ويُحرّم ما أحل الله له، فقد روى عبد الله بن مسعود t أن رسول الله r قال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»([18]).

(وختاما)
فإذا أردت حفظ جسدك من شمس الآخرة أثناء وقوف الناس خمسين ألف سنة للحساب فعود عينيك على البكاء من خشية الله؛ فقد ذكر رسول الله r بأن من السبعة الذين سيظلهم الله في ظله: رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.
 وإذا أردت حفظ جسدك من النار أثناء مرورك على الصراط؛ فغض بصرك عن محارم الله، فقد قال r " ثَلَاثَةٌ لَا تَرَى أَعْيُنُهُمُ النَّارَ: عَيْنٌ حَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ "([19]).

 نسأل الله أن نكون من هؤلاء وألاّ يحرمنا من فضله، إنه جواد كريم.
اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. 
 

-------------------------
([1])  رواه الترمذي (2401).
([2])  رواه الحاكم (7718)، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2099).
([3])  رواه الإمام مسلم (2159).
([4])  رواه الإمام أحمد (22974)، وأبو داود (2149)، والترمذي (2777).
([5])  رواه الإمام أحمد (15652)، والنسائي (1194).
([6])  رواه أبو داود ( 4015).
([7])  رواه الإمام مسلم (338).
([8]) رواه البخاري (7043).
([9])  رواه البخاري (7042).
([10])  رواه الإمام مسلم (3158).
([11])  رواه البخاري (6241).
([12])  رواه البخاري (2465).
([13])  رواه البخارى فى الأدب المفرد (592) ، وابن حبان (5761) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (8013).
([14])  رواه الترمذي (2428).
([15])  رواه البخاري (6502).
([16])  رواه البخاري (6316)، ومسلم واللفظ له (763).
([17])  رواه البخاري في الأدب المفرد(663)، والترمذي (3492).
([18])  رواه البخاري (5066)، ومسلم (1400).
([19]) رواه الطبراني (1003)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره (1900).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.محمد النعيم
  • مقالات
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية