اطبع هذه الصفحة


أيها الآباء: الوقاية خير من العلاج

د.عبدالعزيز بن سعد الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم


٢٠١٥/١١/٧
إن التعرض للشمس قد يرفع حرارة الجسم وقد يوصل إلى ضربة شمسية، وقد يسبب التهابات جلدية..


من أعظم مقاصد الإسلام المحافظة على النفس، ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي كما في حديث: «تداووا عباد الله ولا تداووا بحرام»، وقبل التداوي لا بد من الوقاية وكما قيل: درهم وقاية خير من قنطار علاج. ولذا فإن من أهم واجبات المربي وولي الطفل أن يحافظ على صحة الصغير، لأنه في العادة لا يقدر المخاطر ولا يحرص على التوقي منها. ونحن نجد في تراثنا الإسلامي ما يؤيد هذا الحق.

ومن المخاطر الصحية تعرض الصغار للأجواء الضارة من شدة حرارة شمس الصيف أو شدة برودة الشتاء، وقد روى الحاكم من حديث فاطمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يوما فقال: أين ابناي؟ فقالت: ذهب بهما علي. فتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في مشربة وبين أيديهما فضل من تمر. فقال: أيا علي ألا تقلب ابني قبل الحر؟ رواه الحاكم 3/180 برقم 4774. وذلك لأن التعرض للشمس قد يرفع حرارة الجسم وقد يوصل إلى ضربة شمسية، وقد يسبب التهابات جلدية، ولذا وجه النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه بأن يصرف الصغيرين قبل اشتداد الحر.

ومما يجب أن يعتني به منع التهاب الجروح بتنظيفها، حتى لا يحصل تلوث بالجرح، وقد روت عائشة رضي الله عنها قالت: عثر أسامة بعتبة الباب فشج في وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أميطي عنه الأذى، فتقذرته، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمصه ويمجه ثم قال: لو كان أسامة جارية لحليناه وكسوناه حتى ننفقه. رواه ابن ماجه 1/635 وأحمد 6/ 222 وابن أبي شيبة في المصنف (12356). ولاحظ كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم ينظف جرح أسامة بن زيد رضي الله عنه، بهذه الطريقة التي تبين رحمته صلى الله عليه وسلم وتواضعه، كما أنه صلى الله عليه وسلم واساه وتلطف معه بقوله: لو كان أسامة جارية لحليناه وكسوناه حتى ننفقه.

وتعد النظافة العامة للطفل من أهم ما يقيه من الأمراض، ونجد ذلك في قصة روتها عائشة رضي الله عنها أن أسامة كان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب يمسح مخاطه فقالت عائشة رضي الله عنها: دعني يا رسول الله دعني أنا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة أحبيه فإني أحبه. أخرجه الترمذي. ولك أن تقارن تصرف بعض الآباء إذا رأوا قذرا في أنف الصغير بالموقف النبوي الكريم الذي صرح للصغير بالحب، وقام لتنظيفه، مع كونه ابنا لمولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه.

ونجد في روائع الحضارة الإسلامية اهتمام الدولة المسلمة بالطفولة وخاصة تغذيتهم بما يقويهم، لأنهم عدة المستقبل ورجال الغد، مع ما هو معلوم من أن سوء التغذية من أكبر أسباب وفاة الأطفال في العصور الماضية. ولذا فقد أيقن المجاهد صلاح الدين أن التغذية السليمة للطفل تجعله قويا سليم الجسم، فلبعد نظره أوقف صلاح الدين وقفا لإمداد الأمهات بالحليب اللازم لأطفالهن وقد جعل في أحد أبواب قلعة دمشق ميزاباً يسيل منه الحليب وميزابا يسيل منه الماء المذاب بالسكر، فتأتي الأمهات يومين في كل أسبوع فيأخذن لأطفالهن ما يحتاجون إليه من الحليب والسكر. من روائع حضارتنا /127.

وبعكس النظرة الموجودة لدى الآباء بمحاولة نفخ الصغير بتسمينه بالوجبات السريعة والسكريات ورقائق البطاطس المقلية التي ضررها أكثر من نفعها، وقد كان السلف يحذرون من تسمين الصغار. فقد قال إسماعيل بن عبيدالله: أمرني عبدالملك بن مروان أن أجنب بنيه السمن وأن لا أطعمهم طعامًا حتى يخرجوا إلى البراز وأن أجنبهم الكذب وإن كان فيه بعض القتل. رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1/511.

ومن صور التربية البدنية للصغار إقامة السباق بينهم، وإعطاء السابق بينهم، فقد روى عبدالله بن الحارث رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم يصف عبدالله وعبيدالله -من بني العباس- ثم يقول: من سبق إلى كذا فله كذا وكذا، قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم. رواه أحمد 1/214، وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم سابقها مرة فسبقته ثم سابقها بعد أن حملت اللحم فسبقها فقال صلى الله عليه وسلم: «هذه بتلك» رواه أحمد 6/264 والنسائي في الكبرى 5/304. ومن اللعب المحببة لدى أطفال ذلك الجيل اللعب بالأرجوحة، فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالأرجوحة مع صاحباتها قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم بها. رواه البخاري برقم 3894 ومسلم برقم 1422.

 

د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية