بسم الله الرحمن الرحيم

الفرق بين البدعة والتشريع المطلق


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .. وبعد :
كنت قد رددت على كتاب العنبري في مذكرة صغيرة في حجم كتابه الماتع الحكم بغير ما أنزل الله " وذلك تقريبا منذ أكثر من ست سنوات ,,,
ولما كان أهل البدع قلوبهم على قلوب بعض يتناقلون الشبه من بعضهم البعض !
رأيت أن أنقل منها هذا الفصل والذي اقتصرت فيه على كلام الإمام الشاطبي رحمه الله دون غيره ‘‘‘
أسأل الله أن ينفع به وأن يرزقنا وجميع إخواننا العلم النافع والعمل الصالح .
( فصل في التفريق بين البدعة والتشريع المطلق )
قد أورد العنبري كلاماً يذكر فيه أن المشرع للقانون الوضعي مماثل للمبتدع من جهة أنه مستدرك على الشارع )،وأنه يزيد ببدعه على الشريعة أو ينقص ) إلى غير ذلك ,,,,,,
ولذا يجب أن يأخذ حكمه ! فلا يكفر إلا إذا أنكر معلوماً من الدين بالضرورة!
وبنى كلامه على أن كل ما قاله العلماء في المبتدع يصح أن يقال في المشرع الوضعي
فيجب أن نسوي بين المتماثلين على حد زعمه ـ والرد على هذا الكلام من وجوه :

1) أولها:
التفريق بين البدعة والتشريع المطلق :
- فيقال إن التشريع هو الرأي المجرد الغير مسند إلى دليل من الكتاب والسنة وهو مع ذلك فيه خصائص العموم والإلزام
فليس لدى المشرع الوضعي أصل المرجعية إلى الكتاب والسنة في سن القوانين وإنما هو آراء وأهواء رجال .
ــ والبدعة ليست رأياً مجرداً لكنها رأي مستند إلى الشرع مع مما زجه الهوى وتقديم المتشابه علي المحكم . فهو كما يقول الشاطبي رحمه الله :
(فصاحب البدعة لما غلب الهوى مع الجهل بطريق السنة توهم أن ما ظهر له بعقله هو الطريق
القويم .. فالمبتدع من هذه الأمة إنما ضل في أدلتها حيث أخذها مأخذ الهوى والشهوة
لا مأخذ الانقياد تحت أحكام الله وهذا الفرق بين المبتدع وغيره لأن المبتدع جعل الهوى
أول مطالبه وأخذ الأدلة بالتبع .. )
ثم يقرر رحمه الله أن سبيل المبتدع في ذلك إنما هو تأويل النصوص فيقول :
0( والدليل على ذلك أنك لا تجد مبتدعاً ممن ينسب إلى الملة إلا هو يستشهد على بدعته
بدليل شرعي فينزله على ما وافق عقله وشهوته وهو أمر ثابت في الحكمة الأزلية التي
لا مفر منها ) ج4ـ/ 99 .
وبهذا يظهر جلياً أن المشرع الموضعي والمبتدع ليسوا سواء ا ، في أصل مرجعية كل منهما ‘‘‘
فالمشرع ـ شرع رأيا مجرداً متبعاً فيه الهوى
والمبتدع تأول النصوص وأخطأ في الدليل مع ممازجة الهوى فشارك أهل الهوى في دخول
في نحلته وشارك أهل الحق في إتباع الدليل على الجملة ـــ

2) ثانياً وهو أهمها :
- أن المشرع الوضعي قصد إلى التشريع قصداً أولياً متعمداً إليه منظماً الدوائر الخاصة به..
فقول العلماء عنه أنه مضاهى للشريعة وأنه مستدرك على الشارع بالزيادة أو النقص وأنه جعل نفسه رباً وأنه ....إلخ كل هذا يدل عليه بدلالة المطابقة ,بمعنى أن نفس عملة وهو التشريع يعني هذا كله لأنه يفعله قاصداً إليه متعمداً له !
وهذا بخلاف المبتدع فإنه كما يقول الشاطبي رحمه الله 4/ 32):
(( إن البدع لم يقصد بها صاحبها منازعه الشارع ولا التهاون بالشرع وإنما قصد الجري على مقتضاه لكن بتأويل زاده ورجحه على غيره . .))
- ويقول رحمه الله أيضاً ( 4/ 317 ) تعليقاً على قول الإمام مالك رحمه الله عندما قال :
من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن محمداً خان الرسالة.. وقوله
لمن أراد أن يحرم من المسجد أي فتنة أعظم من أن تظن أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها
رسول الله e ،إلى آخر الحكاية يقول الشاطبي رحمه الله تعليقا على ذلك ً:
-
((.. إنها إلزام للخصم على عادة أهل النظر كأنه يقول يلزمك في هذا القول كذا لا أنه يقول قصدت إليه قصداً" لأنه لا يقصد إلى ذلك مسلم " ولازم المذهب هل هو مذهب أم لا ....)) ( 4/217 )
- فهذا يوضح أن المبتدع لم يقصد ما قاله العلماء عنه قصداً أولياً وإنما هو لازم له بخلاف
المشرع فإن حقيقة فعله يدل عليه ولذا لزم التفريق .
ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله أيضاً ( 4/490 ) :
( وهذا إن كان مقصوداً للمبتدع فهو كفر بالشريعة والشارع وإن كان غير مقصود فهو ضلال مبين ) .
-وهذا في الحقيقة من أهم الفوارق بين المبتدع والمشرع فإنه لا يشك مسلم أن المعاند للشريعة
والمشاق لله ولرسوله والمتهم الرسول e بالخيانة أنه كافر إن قال ذلك متعمداً ــ ولكن لما
كان المبتدع غير قاصد لهذه الأقوال بل هي على سبيل الإلزام فقط وجدناأن العلماء لم يحكموا عليه بالكفر إلا بالقيود المعروفة !
-أما المشرع الوضعي فهو بخلاف ذلك كما سبق فهو كافر لأنه قاصد لهذا كله ، قاصداً تغيير
الشريعة بشريعة أخرى من رأيه وهواه.

3) ثالثاً :
- البدعة يدخل فيها التفاوت بحسبها فقد تكون معصية صغيرة وقد تكون فسق وتكون مكفرة بحسب ما كانت جزئية أو كلية أو غير ذلك ....
- أما التشريع فلا تفاوت فيه لأنه حق لله سبحانه وتعالى فمن شرع فقد أله نفسه لقوله سبحانه
وتعالى :{ ولا يشرك في حكمه أحداً } .
والشرك الأكبر لا تفاوت فيه فكله كفر فالذي يدعو قبر ولي كالذي يعبد هبل من دون الله
لا فرق وكله شرك وكفر مخرج من الملة .
ولكن هنا نكته ,, وهي أن البدعة تدور بين طرفين وهي المعصية والتشريع المطلق ــ
فالمعصية إن وضعت موضع الاستنان صارت بدعة لأنها ضاهت الشريعة في فعلها على سبيل التعبد.
- والبدعة هو ما وضع على مضاهاة التشريع ولكن على مقتضى الدليل مع الانتساب للشريعة
ولكن مع ممازجة الهوى وتقديم المتشابه على المحكم ــ
فالبدعة دخل فيها شوب التشريع من حيث أنها زيادة في الدين محدثة أو نقصان منه على سبيل التعبد .
-أما التشريع فهو الرأي المجرد المحض كما سبق في كلام الشاطبي رحمه الله0
- فالمعصية هي المخالفة لا يدخلها شوب التشريع بحيث لم توضع موضع الاستنان بها فتضاهي الشريعة
- والبدعة هي ما دخلها شوب التشريع ووضعت على مضاهاته لكن مع الانتساب للشريعة والعمل على مقتضى الدليل مع ممازجة الهوى وتقديم المتشابه على المحكم وهي تتفاوت بحسبها .
- والتشريع هو الرأي المجرد المحض الذي لا ينسب إلى الشريعة مع وضعه على مضاهاة الشريعة من حيث الإلزام به والتكليف به .
وهذا لا تفاوت فيه ولو كان في جزئية واحدة فحكمه كما قال الشاطبي كفر صراح .
يقول الإمام الشاطبي ( 2/610 ) في الاعتصام :-
(( والثاني أن كل بدعة تشريع زائد أو تغيير للأصل الصحيح وكل ذلك قد يكون على الانفراد وقد يكون ملحقاً بما هو مشروع فيكون قادحاً في المشروع ــ ولو فعل أحد مثل هذا في نفس الشريعة عامداً لكفر إذ الزيادة أو النقصان فيها أو التغيير قل أو كثر كفر فلا فرق بين ما قل منه أو كثر0 أ.هـ .))
يقول الشاطبي رحمه الله في قوله سبحانه:
{ ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام }
(( فهم شرعوا شرعه وابتدعوا بدعه في ملة إبراهيم عليه السلام هذه البدعة توهماً
إن ذلك يقربهم من الله كما يقرب من الله ما جاء به إبراهيم عليه السلام وقال سبحانه { وجعلوالله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً } الآية
فهذا تشريع كما هو المذكور قبل هذا....... ثم قال: { وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم } وهو تشريع أيضاً بالرأي مثل الأول........
ثم قال : { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم } إلى آخرها
, فحاصل الأمر أنهم قتلوا أولادهم بغير علم وحرموا ما أعطاهم الله من الرزق
بالرأي على جهة التشريع فلذلك قال تعالى : { قد ضلوا وما كانوا مهتدين } ( 1/1014 )
-ويقول عند قوله تعالى:
{ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل لله لكم }
(( المسألة الأولى:-
أن تحريم الحلال وما أشبه ذلك يتصور منه أوجه :-
الأول :التحريم الحقيقي وهو الواقع من الكفار كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام
ومجمع ما ذكر الله تعالى تحريمه عند الكفار بالرأي المحض ومنه قوله تعالى:
{ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب }
وما أشبه ذلك من التحريم الواقع في الإسلام رأياً مجرداً )) ( 1/238 )
-وقرر رحمه الله مراتب البدع0 فيقول :
((.. فمنها ما هو كفر صراح كبدع الجاهلية التي نبه عليها القرآن كقوله تعالى:
{ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا } الآية
-وقوله:{ وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذ كورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء } وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدين ذريعة لحفظ المال والنفوس
وما أشبه ذلك مما لا يشك أنه كفر صراح . ))فكلام الإمام الشاطبي واضح في أن بدعة التشريع كفر صراح ومع ذلك فالعنبري لا يفقه ما ينقل أو يستغفل القارىء فينقل عن الشاطبي رحمه الله مما هو دليل عليه لا له!!!
ولذت تراه في صـــ 95من كتابه ( الماتع )ينقل عن الشاطبي قوله :
( وهذا إن كان مقصود للمبتدع فهو كفر بالشريعة والشارع وإن كان غير مقصود فهو ضلال مبين )
( 1/49 ) !!! فأي صراحة وأي وضح بعد هذا أيها العنبري ؟!
وبهذا يظهر جلياً الفرق بين البدعة والتشريع المطلق .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه : أبو عبدالرحمن الباشا